نختلف أو نتفق.. لابد أن ينجح الحوار بيننا

كتبت :أمل مبروك

الحوار بين أطراف تعيش فى واقع ملىء بالصراخ والتناقضات والصراعات والمشكلات، يجعل من الصعوبة أن يستمع وينصت كل طرف للآخر، لكن المنتمين لهذا الوطن يدركون أهمية وقيمة استمرار الحوار ، الذى هو في أحسن أحواله ينبغي أن يوصل إلى تبادل الأخذ والعطاء، أي إلى التعلم من الآخر بعد قبول الاختلاف معه. وهو فيما دون ذلك ينبغي أن يترك الآخر وشأنه، لايتدخل فيه ولا يناوشه أو يحرض عليه، فضلاً عن عدم مقاومته أو محاربته أو تخوينه ..

- تعددت توجهات المصريين وانتماءاتهم بين إخوان مسلمين وسلفيين وليبراليين واشتراكيين ، وكل واحد ينظر للآخرين باستعلاء واستعداء ، لهذا أصبح تبادل الحوار بينهم في المرحلة الراهنة ضرورة ووسيلة .. وربما غاية ، لكن كيف يستمع كل منا للآخرين لكى يكون الحوار بيننا ناجحا ؟

رانيا عبد الحميد مهندسة ديكور

- يرى فضيلة د. نصر فريد واصل - مفتى الجمهورية الأسبق - أنه حتى يدرك الحوار غايته، فإنه يتطلب أن يبدأ بمبادرة حاسمة يتحقق بها هدفان رئيسيان: الأول: إشاعة المنظور الديني للإنسان والكون والحياة، باعتبار الإنسان مكرَّماً عند الله الذي خلقه في أحسن تقويم، وبث فيه من روحه، وفضله على كثير من مخلوقاته بأن منحه نعمة العقل والعلم، وحمله مسئولية خلافته في الأرض . الثاني: ضرورة وجود تطبيقات سلوكية ينبغي ألا تخرق أو تنتهك .. وهى الأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة في شتى ملامحها، وأبرزها خفض الجناح ومحبة الآخر ومؤاخاته والتعاون معه، ومحاربة كل أشكال العصبية والعنصرية، وتعميق مشاعر التسامح.

إن من شأن مثل هذه المبادرة الأولى والأساسية في الحوار أن تجعله قادراً على تحقيق المزيد من التفاهم والتعايش والنجاح . وبقدر ما يكون التشبث بالإيمان والشرع والقيم قوّياً في النفوس، تكون القدرة على إجراء الحوار وتعميقه والإفادة منه. وتتمثل هذه الإفادة في إمكان استيعاب ما عند الطرف الآخر، مع ما يتطلبه هذا الاستيعاب من تجاوز الانغلاق على الذات في أنانية وانفرادية. أما حين يكون التشبث ضعيفاً أو لايكون، فإنه يقع ما يعوق إجراء الحوار، فينتشر الجهل والتعصب، وينعدم الوعي بالحقائق، وترتكب أخطاء قد تكون فادحة وذات عواقب وخيمة.

وفي ضوء المنظور القرآني، يتبين لنا أن الإسلام دين التحاور: فهو يوقر الإنسان في حد ذاته ويحترمه من حيث هو وكما هو، معتبرًا إياه مكرماً كما أراد الله له ذلك. إذ يقول تعالى: "ولقد كرَّمنا بني آدمَ".. ويؤكد الاختلاف الذي أراده الخالق سمة مميزة للبشر، بقوله سبحانه وتعالى: "ولو شاءَ ربُّك لجعلََ الناس أمةًً واحدةً" .. ويترك أمر هذا الاختلاف في العقيدة لنظر الخالق تعالى وتقديره وحكمه، وهو القائل: وإن ربك ليحكمُ بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون، ومع هذا، فهو يجعل الإيمان بالله والرسول الكريم مقروناً بالإيمان بالكتب السماوية الأخرى والرسل السابقين. يقول تعالى: "آمن الرسول بما أُنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين أحد من رسله" ، وهو بذلك، يدين التعصب كيفما كان، ويحث على التعايش وتبادل المصالح والمنافع في نطاق مفهوم واسع وشمولي يلخصه التعارف الذي جعله الحق سبحانه قيمة قادرة على استيعاب جميع أشكال الاختلاف. بقوله: "ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" ، وينتج عن هذا أن يتسم المجتمع بالتكافل الذي يقتضي أن يكون البعض في كفالة البعض الآخر، بما يحفظ للجميع الحد الضروري من المصالح الأساسية والحقوق اللازمة التي بها تقوم الحياة الكريمة الشريفة، وترد الأضرار المعطلة لهذه الحياة، في نطاق التكريم الذي يتطلع كل فرد إلى أن يضمنه لنفسه. ويصل هذا التكافل ـ لأهميته ـ إلى درجة عليها يتوقف الإيمان، إذ يقول صلوات الله وسلامه عليه: "لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه" .

الحوار والجدل

والإسلام في هذا النطاق يتيح جميع الحقوق ويؤكدها، بدءاً من الحق في الحرية التي يربطها بالفطرة والغريزة، كما يدل على ذلك قول عمربن الخطاب رضي الله عنه، مستنكراًً إلغاءها وتجريد الإنسان منها: " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراًً!". وإنه لتكفي الإشارة في هذا المضمار إلى حرية التعبير التي جعلها القرآن الكريم نعمة ساقها مباشــرة بعد نعمة الخلق، إذ يقـول سبحانه :" الرحمن علم القرآن، خلق الإنسان. علمه البيان" . بل إن هذه الحرية تصل إلى اعتناق الأديان. يقول تعالى: "لاإكراه في الدين " ، وفي سياق هذه الحرية، يدعو الإسلام إلى التحاور الهادئ والجدل الحسن مع الغير فيقول عز من قائل: "ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" .

وهكذا فإن الحوار ـ على هذا النحو الإسلامي ـ هو الوسيلة المثلى للوصول إلى الحق. وإننا حين نتأمل في ضوئه واقع الحياة الإنسانية اليوم، ننتهي إلى ضرورته لإحلال التفاهم وتقوية التعاون، وللتقريب بين الناس على ما بينهم من اختلاف .

ولكي ينجح الحوار ـ أي حوار ـ ينبغي أن تتوافر له شروط يمكن إجمالها فيما يلي: الانطلاق من اعتراف كل طرف بالآخر؛ ويبدأ بالاستعداد النفسي للانفتاح عليه بتسامح، أي بقبوله كماهو. ثم الاتفاق على حد أدنى من المفاهيم والقيم في البدء. والسعي إلى أن يتم الحوار في نطاق معطيات وآفاق لاتستفز الفكر والشعور، ولا تصدم القيم والمعتقدات، مع الرغبة في إزالة الخلافات ومحو الفوارق، وتجاوز عوامل التناقض، وتقريب الهوة الفاصلة وتقوية الأواصر المشتركة. وجعل جميع الأطراف تشعر بالمساواة، أي ألاّ يحس أحدها بالدونية أو العجز عن المسايرة والمواكبة. بدءاً من متابعة الحوار إلى القدرة على الأخذ والعطاء، إن لم نقل على التباري والتنافس.. وهذا يقتضي تحديد الهدف من الحوار، وابتغاء تحقيقه بصدق وثقة واعتدال وإنصاف، وبالتخطيط له ورسم شروطه وأهدافه ومن يقوم به . إن هذه الشروط ـ على إجمالها ـ قابلة للتطبيق على أي شكل من أشكال الحوار..

 

 

المصدر: مجلة حواء -أمل مبروك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 545 مشاهدة
نشرت فى 19 يناير 2012 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,764,105

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز