الفقيهة الدستورية د. فوزية عبدالستار:
الشريعة تحفظ للمرأة حقوقها كاملة
كتبت :ماجدة محمود
لا شك أن قوانين الأحوال الشخصية كلها مستمدة من الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي، ولا يمكن إطلاقا الخروج بهذه القوانين عن هذا المجال لسبب بسيط، وهو أنها تتناول الحلال والحرام في العلاقة بين المرأة والرجل، الوالدين وأولادهما، ولذلك لابد أن تدور في فلك الشريعة الإسلامية، كلمات صائبة واضحة ومباشرة تلك التي بدأت بها د. فوزية عبدالستار أستاذة القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة القاهرة حديثها معنا، نافية ارتباط قوانين المرأة بأشخاص بعينهم، ومؤكدة أن هذه القوانين أقرت لمصلحة الجماعة دون الفرد، وإليكم نص حديثها
من كلماتك يتضح أن التعديلات التى أدخلت على قوانين عامى 1923 ، 1935م - والتى استمرت فى دستورى 1956و1971 لا يشوبها عوار، ولا ترتبط بأشخاص ؟
- نعم، فتطور المجتمع كان يقتضى تطوير القوانين القديمة التى صدرت عامى 1923م، 1935م ومن هنا صدر القانون رقم 100 لسنة 1985م لتعديل قانون الأحوال الشخصية، وهو أطلق عليه قانون «جيهان السادات»، لأنها هى من أقرته.
> ولكن الرئيس السادات توفى نهاية 1981م، واعتقد أن القانون صدر قبل هذا التاريخ ؟
- الصحيح، أن القانون صدر عام 1979م، ويبدو أنه لم يطرح على مجلس الشورى، وقضى بعدم دستوريته، فعاد وصدر عام 1985م، وقد جاء بعده تعديلات تتفق مع الشريعة والفقه الإسلامى، مستكملا ثغرات كانت موجودة فى نصوص القانون السابق من هذه التعديلات النص على:
أنه فى حالة ما إذا غضبت الزوجة من زوجها، وتركت منزل الزوجية لا يستطيع الزوج أن يقهرها على العودة، إنما كل ما يترتب على ذلك أنه إذا رفضت العودة ينذرها على يد محضر، فإذا لم تستجب للإنذار، وتعود يسقط حقها فى النفقة، هذا النص عدل وضعا كان بالغ السوء فى الماضى، حيث كانت الزوجة إذا تركت منزل زوجها، ورفضت العودة، يستعين الزوج بالشرطة لإحضارها قهرا إلى منزل الزوجية، فضلا عن أنه لم يكن يستند لأى نص فى الشريعة أو الفقه الإسلامى، ومن التعديلات الاخرى (أنه قرر حق الزوجة فى نفقة المتعة) هذا الحق كانت محرومة منه، ولم تنص عليه القوانين السابقة، بينما هو منصوص عليه فى القرآن الكريم، قال تعالى «وللمطلقات متاع بالمعروف، حقا على المتقين» صدق الله العظيم، ربما لانه كان قانونا ذكوريا، ولان المرأة لم يكن لها صوتا فى الماضى أغفل هذا النص، هذا الحق وأيضا من النصوص التى جاء بها هذا القانون (100 لسنة 1985)، أنه نص على (ضرورة أن يهيىء الزوج لأولاده المحضونين ولحاضنتهم مسكنا لائقا ومناسبا)، وهذا أمر تقره الشريعة الإسلامية، كذلك قرر القانون رفع سن الحضانة للصغير الى «عشر سنوات» والصغيرة «اثنتى عشرة سنة»، وأجاز للقاضى بعد هذه السن أن يأمر بإبقاء الصغير حتى «خمسة عشر عاما»، والصغيرة حتى تتزوج، فى يد الحاضنة، إذا تبين أن مصلحتهما تقتضى ذلك.
من هذه التعديلات يتضح أن هذا القانون لم يتغير لمصلحة شخصية، وإنما كان للمصلحة العامة.
اقبل الحديقة
وطلقها تطليقة
أماما يتعلق بالقانون رقم 1 لسنة 2000م والذى أطلق عليه قانون «سوزان» ونص على نظام «الخلع» وهو نص يستند إلى القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة قال تعالى «ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً، إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله، فلا جناح عليهما فيما افتدت به» سورة البقرة الآية (229)، كذلك جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) فقالت: يا رسول الله ما أعتب على زوجى فى خلق أو دين، ولكنى أكره الكفر فى الإسلام. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : «أتردين عليه حديقته، وكان قد دفعها مهرا لها، قالت: نعم، فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) «إقبل الحديقة وطلقها تطليقة» فنظام الخلع يستند إلى الشريعة وهو نظام عادل، لأن الأسرة تقوم فى الاسلام على المودة والرحمة، وقد تكون الكراهية من الرجل، ولا تكون هناك مشكلة، لأنه قادر على التطليق فى أى وقت، أما إذا كانت الكراهية من قبل المرأة، فقد أباح لها الإسلام أن تتخلص من الزوجية عن طريق الخلع.
كذلك من بين التعديلات أن القانون رقم 1 لسنة 2000م والذى حل محل لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادر عام 1931م والذى كانت ينص على (عدم قبول الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج إلا إذا كان مثبتا بوثيقة رسمية) وكان هدف المشرع من ذلك أن يحد من ظاهرة الزواج العرفى، وقد ترتب على هذا النص الذى يشترط التوثيق، وضعا غير إنسانى لكثير من الفتيات اللاتى كن يندفعن إلى الزواج العرفى ثم يغدر بهن، ويتركن دون تطليق، ومن ثم تجد نفسها فى وضعين كلاهما مر، إما أن تحافظ على دينها فتظل مدى حياتها محرومة من دفء الحياة الأسرية، لأنها معلقة على زواج عرفى، أو تخرج على دينها وقيمها وتتزوج بآخر، وبالطبع هذا الزواج يكون باطلا، لأنها لا تزال على ذمة الزوج الأول فى ظل هذه الحقيقة، جاء تعديل القانون رقم 1 لسنة 2000 لينقذ هؤلاء الفتيات بأن أورد استثناء على هذه القاعدة تقول (تقبل دعوى التطليق، إذا كان الزواج ثابت بأية كتابة)، حتى وإن كانت رسالة خطية أو على الموبايل أو.. أو.. ، وبذلك رفع المشرع عن هؤلاء الفتيات معاناة كبيرة كانت تحيل حياتهن إلى عذاب.
خارطة الطريق
في دستور 71
إذن نحن بحاجة لخارطة طريق دستورية خاصة بقوانين المرأة تكون نبراساً أمام لجنة إعداد الدستور القادم ؟
- أريد أن أقول، أن الدستور يضع الخطوط العريضة لتنظيم المجتمع لكنه لا يدخل فى التفصيلات.
حدثينا عن الخطوط العامة إذن ؟
- هى ما كانت فى دستور 1971م وتنص على نصوص هامة بالنسبة للمرأة، الأول المادة (10) من الدستور ويقول (تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة، وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم) هذه من النصوص التى سوف تنقل كما هى عن دستور 1971م، وهناك نص آخر بالغ الأهمية وهو المادة (40) تنص على (المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس، الأصل، اللغة، الدين، أو العقيدة) هذا النص معناه المساواة بين الرجل والمرأة فى جميع الحقوق والواجبات العامة وأى قانون يصدر لابد أن يساوى بينهما، وإلا يطعن عليه بعدم دستوريته. النص الثالث، المادة (11) واعتقد أنه لن يخلو منه الدستور الجديد وينص على (تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة، وعملها فى المجتمع، ومساواتها بالرجل فى كل ميادين الحياة، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية).
لماذا التمييز ؟
أتوقف عند الناحية السياسية، خاصة بعد التردى الذى شهدته أروقة المرأة النسائية مؤخراً فى الانتخابات البرلمانية، وأتساءل هل ترين أن الكوته كانت عيبا؟ ولماذا توارت منظمات المرأة ولم تطالب بالحفاظ على هذا التمييز الإيجابى ولو لهذه الفترة؟
- شخصيا، أعترف بأننى عارضت نظام الكوته منذ صدوره فى ظل النظام السابق.
أولا.. لأنه يمثل إهانة للمرأة ويعنى أنها ضعيفة وغير قادرة على منافسة الرجل والوصول للبرلمان، وهذا غير حقيقى لسبب بسيط، أن المرأة قد دخلت البرلمان قبل إقرار الكوته، ولم يخل برلمان من وجود نساء منذ حصولها على هذا الحق فى دستور 1956م، والأكثر أنها ساهمت فى إصدار كثير من التشريعات والقوانين وأنشطة اللجان.
ثانيا.. أن هذا النظام يتعارض مع مبدأ المساواة المنصوص عليه فى الدستور، وهو مبدأ يفوق الدساتير «فوق دستورى» بمعنى أنه يفرض نفسه على جميع الدساتير، وإذا كانت المصرية قد طالبت بالمساواة لسنوات طويلة، فعندما تحصل عليها تأتى وتعترف بعجزها، وتطالب بتمييز لكى يأخذ بيدها وتدخل البرلمان ..!
ما تقييمك لمحكمة الأسرة، وهل هناك معوقات أمام أدائها لدورها ؟
- محكمة الأسرة، نوعاً من التخصص فى القضاء، وهذا أمر مرغوب فيه، ومنصوص عليه فى قانون السلطة القضائية، لكنه لم يفعل فى المجالات الأخرى، وقانون محكمة الأسرة جاء محققا هذا التخصص، وجميعنا يعلم أن التخصص، يؤكد اتقان العمل فيه لزيادة الخبرة بتكرار الممارسة، ومبلغ علمى أنه نظام ناجح حتى الآن.
هناك من يقول : إن قانون الرؤية به عوار، وظالم للرجال، ما رأيك ؟
- لابد أن نعترف أن الشباب بحاجة إلى التثقيف، ولهذا لابد أن تدرس بالمدارس الثقافة أو التربية الأسرية، لأن ما لاحظته فى السنوات الأخيرة، استهانة الشباب بفكرة تكوين الأسرة، أما عن العوار الموجود بقانون الرؤية، ففى وقت من الأوقات تمت المطالبة بنظام الاستضافة الذى يتطلب، عيد هنا، عيد هناك، أرفض هذا النظام تماما لأنه فى تقييم جدوى هذه النصوص يجب أن نضع أمامنا المصلحة العليا للطفل، ونظام الرؤية منصوص عليه فى القانون 2000 بحيث يجيز للأب رؤية الصغير فى مكان لا يثير فى الصغير مخاوف أو أضرار وأريد أن أركز على نقطة هامة، وهى لماذا الكراهية التى تنشأ عند وقوع الطلاق؟
وختاما، ومع نهاية كلمات الفقيهة الدستورية «د. فوزية عبدالستار» لا نريد أكثر من وضع هذه الأفكار المستنيرة، والتى لا تبتعد عن الشريعة الإسلامية أو تتعارض معها، بين يدى لجنة إعداد الدستور
ساحة النقاش