أنصفها الإسلام وظلمها القانون

كتبت :ايمان حسن الحفناوي

يبدو أن قدرنا كمصريات أن نظل نطالب بحقوقنا.. وقد تصورت أننا مع الثورة التي أضاءت مصر منذ عام مضى، تصورت أن تجد المرأة حقها الذي سلب منها على مدى أعوام طويلة.. المرأة المصرية التي عانت لسنوات طويلة تنادي، وتطالب بحقوق شرعها لها الله عز وجل ،كيف تحجبون عنها ما أعطاها الله؟ كيف تظلمونها وقد أعزها الله.. اتقوا الله يا عباد الله فسوف تسألون عما تفعلون.

المشكلة هنا ذات شقين، الشق الأول هو المرأة نفسها حيث أنها قليلا ًما تعرف حقوقها التي أقرها الله لها، ونتيجة لذلك فهي تؤدي واجبات أعفاها الله منها في كثير من الأحيان وتتصور خطأ أن هذا هو الدين ، ولأنها تحب ربها فهي ترضى صاغرة وتتوهم أن هذا هو الشرع فتصبح كياناً يشعر بالإهانة والهوان... هل هذه هي الشخصية التي نريدها مربية لأجيالنا؟ هل هذه هي الراعية لأبناء أمتنا؟ أفيقوا قبل أن نضيع، فالإنسان المهزوم لن يستطيع أن يعطيني أجيالاً عظيمة. الشق الثاني في المشكلة أن الفكر ألذكوري كثيراً ما يحجب كل ما يعلي من شأن المرأة لتظل في قمقمها، وهو لا يدري بذلك أنه يعطل طاقة كان من الممكن أن تعاونه على حياة أفضل كما أرادها لنا الله. وعن هذين الشقين تتولد نتيجة مخجلة جداً ظهرت جلية مع العولمة، وتبادل المعرفة العالمية.. فالغرب يحمل كثيرون فيه حقداً على شرقنا وغلاً على ديننا ولم يجدوا منفذاً للهجوم أفضل من وضع المرأة عندنا، فراحوا يضربون بكل خبث ليظهروا نساءنا في ثوب الذليل المظلوم المسكوت عن حقه، ولأن النساء تم تغييبهن عن حقوقهن، ولأن الرجال ارتاحوا لتفسيرات تتورم معها نرجسيتهم لم نجد من يدافعون عن ترهات المتربصين بديننا إلا من رحم ربي. ليتنا نعقد صداقة جديدة مع ديننا الحنيف فننقب، ونبحث بفكر حر خال من العقد، وبعيد عن التحيز لنرى كيف كان رقي هذا الدين في تعامله مع الحقوق لاسيما حق المرأة.

تعالوا معا نتابع قبساً من حقوق المرأة في الإسلام ، وسوف نهتم هنا بحقوقها في دنيا الزواج... فمن البداية أصر الدين أن توافق المرأة على من تقبله زوجاً لها ولا يتم إجبارها، وفضل لها أن تختار ذا الدين لأنه هو من سيحميها ويتقي الله فيها. وأباح لها حق العصمة التي يرفضها كثير من الرجال بل ويتعالون عليها وكأنهم أفضل من سيد شباب أهل الجنة الذي أعطاها لزوجته سيدنا الحسين بن علي عليه السلام. بل تم تشويه هذا الحق وصوروا للرجل أن العصمة بيد المرأة معناها أن تطلقه، وهذا افتراء على دين الله فهو من حقه أن يطلقها في أي وقت، وهي إذا طلقت إنما تطلق نفسها منه لأن العصمة هنا مجرد تفويض منه لأنه هو صاحب الحق الأصلي.

الإسلام أيضا أعطى للمرأة حق أن تشترط في عقد زواجها ما لا يتعارض مع الشرع، كأن تشترط ألا يتزوج زوجها عليها إلا إذا طلقها،أو ألا يجبرها على ترك دراستها أو عملها طالما لا يتعارض هذا مع الشرع أو العرف السائد. شرع لها الدين أيضا المهر وهو ليس ثمناً لمتعة الرجل بها كما يصوره الحاقدون لأن المرأة هي أيضا تستمتع بالرجل، لكنه بمثابة هدية لتقريب القلوب بدليل أنه ليس من حق أحد أن يمس هذا المهر فهو ملك خاص لها، وأمر الله الزوج أن يعد مسكن الزوجية، وأن ينفق على زوجته حتى وإن كانت موسرة وصاحبة مال، والزوج أيضا مكلف بإحضار خادم للزوجة لإعانتها على شئون المنزل، وإن لم يستطع مادياً فما العمل؟ من سماحة الإسلام جعل من حق المرأة التي تقوم هي بأعمال المنزل أن تحصل على راتب مقابل هذا العمل وإن لم يكن في استطاعة الزوج ذلك اعتبر عملها في البيت صدقة تؤجر عليها، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خير قدوة ومثل لرجالنا فقد كان يخصف نعله بيده الشريفة ويقم بيته -أي يكنسه- ويحلب شاته، وكان يقول: خدمتك لزوجتك صدقة. هل أنتم أفضل من سيد البشرية يا رجال أمتي؟

أمرنا الإسلام أيضا بحسن المعاشرة، فقد كان الحبيب المصطفى تراجعه زوجاته وتهجره الواحدة منهن، وأخذ عنه الصحابة الكرام هذه الرقة، والتسامح مع الزوجة، فهذا سيدنا عمر الفاروق راجعته زوجته في الكلام فغضب فما كان منها إلا أن قالت له:إن زوجات الرسول يراجعنه وهو أفضل منك.. فصمت عمر وسلم بما قالت.

أين نحن منك يا حبيب الله؟ ولماذا لا تعرض هذه المآثر حتى نتعلم كيف نتعامل معا لتصبح بيوتنا أكثر استقراراً وسعادة.. وإذا لم تظللنا السعادة؟ فلا حل إلا الطلاق والعياذ بالله.. فما هي حقوق المرأة في الطلاق؟ من البداية لابد أن نفهم أن الطلاق ليس تاجاً على رأس المرأة بل هو فعلاً أبغض الحلول.. وليس امتهانا لها أن يكون الطلاق بيد الرجل، فالرجل ينفق الكثير من المال حتى يتم الزواج ويستمر إنفاقه بعد الزواج وحتى بعد الطلاق لذلك كان لابد أن يكون القرار بيده، ولكن ضمن الإسلام للمرأة عدم التعسف من الرجل في استخدام هذا الحق.. وإذا كنا لا نطبق شرعنا فالعيب في قوانيننا وليس في الشرع، ثم إن الإسلام بسماحته وضع حلا بديلا للمرأة إذا تعسف زوجها وهو الخلع الذي للأسف لا ننفذه بشكله الشرعي السليم، فالخلع يصبح حلا ًللمرأة الكارهة لاستمرار العشرة ولا يوجد في زوجها ما تعيبه عليه أو قد تحاول التكتم على عيوبه حتى لا تؤذي الصغار، هنا يمكنها أن ترد عليه صداقه ولا تصبح لها حقوق مادية مترتبة على الطلاق ، لكننا نرى أن تنفيذ هذا الإجراء إنما تم تشويهه بشكل كبير، فالمرأة تدفع مبالغ من المال، وتنتظر مدة طويلة وأحيانا يجبرونها على أن تبدي الأسباب وبذلك فرغوا الخلع من أدبياته الرائعة التي وضعها الله لنا. لا أفهم هل وصل بنا الأمر أن نعدل على الله ما أراده؟.

ثم نأتي للحضانة فقد ذهب الإمام مالك أن تكون مدة الحضانة للفتاة مستمرة حتى تتزوج طالما الأم صالحة لحضانتها.. وهل هناك رأي في هذا الأمر بعد رأي رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ فقد جاءت له امرأة وقالت "يا رسول الله- صلى الله عليه سلم -إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني- أي ابنها- من بئر عنبة وقد نفعني" فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للابن:"هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت" فأخذ الابن بيد أمه.. من هنا أخذ كثير من الفقهاء أن الحضانة تمتد لسن معينة ثم عندما يصل الابن للإدراك يخير بين الأم والأب.

نحتاج فكراً مستنيراً ينظر للدين بحب ويعرف أن مجتمعاً يتم ظلم أحد أفراده هو مجتمع فاشل، ولن ينتج إلا الفشل. ونتمنى من القائمين على وضع القوانين بعد ثورة عظيمة قامت بها مصر، نتمنى منهم أن يحيدوا عواطفهم وأفكارهم الشخصية وأن يلجأوا لروح الدين وأن يحكموا بالعدل. لا نريد ظلماً لامرأة ولا ظلماً لرجل نريد مجتمعاً صحياً عانينا كثيراً ونحن نحلم به. ولنتذكر قول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما قال: قد تدوم الدولة مع الكفر لكنها لا تدوم مع الظلم.

أقول هذا وفي الأفق يبدو أن التيار الإسلامي هو الذي ستكون له صفة بارزة في وضع قوانين وإلغاء أخرى وتعديل ثالثة.. لذلك فهم على المحك وسنرى إذا كان فعلا ما جاءوا به هو الإسلام الحقيقي الذي أنصف المرأة، أم أن المرأة في ظلهم ستكون معاناتها أكثر وأكثر.

لكننا كنساء وأبناء مخلصين لمصر لن نسكت عن حق أقره الله لإنسان ولن نتهاون في حقوق النساء

 

 

المصدر: مجلة حواء -ايمان حسن الحفناوي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 653 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,752,101

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز