ولما كان العيد الأول للثورة
كتب :طاهر البهي
فرحتى كبيرة بالشكل الحضارى المهيب الذى تم به تأبين شهداء الثورة المصرية العظام، خلال الأسبوع الماضى فى ذكرى مرور عام على الثورة.
من ينكر أنه كان يضع يده على قلبه فى أثناء تأهبنا للمناسبة، فهو لا يقول الحق، لقد وضع القدر مصر فى اختبارات متتالية، متتابعة، عصيبة خلال العام المنقضى - ولازلنا فى مرحلة الاختبار - بعد أن وضع العالم بأجمعه الشعب المصرى تحت ميكروسكوب التأكد من هويته وأصالته واختبار معدنه وصلابته مجددا، وهو الاختبار الذى لايزال المصريون يجتازونه بتفوق مثير للإعجاب والاندهاش فى آن واحد.
كنا - ولازلنا - نعمل ألف حساب للمندسين الحاقدين - وليس لذلك أدنى علاقة بنظرية المؤامرة الحارقة - ولكن له ألف علاقة بما تأكد للجميع من وجود أطراف عديدة متشابكة، لا تريد خيرا لهذا البلد وشعبه، فهم أول العارفين أن المصرى بعد أن حطم قيود الجبروت والطغيان، وتخلص من معظم سارقيه وناهبى ثرواته، سوف يقفز بهمته وقدراته ومواهبه التى حباه بها الله سبحانه إلى عنان السماء، ومن ثم فقد اتفق أعداء الوطن مع الشيطان على إلهاء الشعب المصرى وإغراقه بقضايا ثانوية، لو صبرنا عليها قليلا لجاء وقت نبذها ومعالجتها، ولا مانع إلى جوار ذلك من محاولة نشر الفوضى والعنف والتطرف، والوقيعة بين نسيج المصريين، وهى لعبة قديمة، قذرة ، طالما استخدمها الاستعمار وأتقنها الخونة من العملاء الذين باعوا ضمائرهم للشيطان من أجل حفنة من الدولارات ، أو غيرها من العملات التى يسيل لعابهم أمامها.
هذه المخاوف استطاع شبابنا الذين يجب أن نقر أنهم كانوا فى مقدمة القاطرة، التى انطلقت بمصر - من دون توقف - إلى رحاب وفضاء حريات تلوح فى الأفق، سوف تجعل من مصر بإذن الله واحة فريدة من الديمقراطية والحريات التى تبنى ولا تهدم.
كنت مبهورا وفخورا، وأنا أتابع ذكرى ثورة مصر البيضاء - عبر وسائل متعددة - كنت أردد وأغرد مع المغردين : هذه هى مصر .. هذا هو شعبى، هؤلاء هم إخوتى، بعد أن لقن شباب التحرير - وشيوخه ونساؤه وأطفاله - الدرس مجددا، إلى العالم الذى تابعته مبهورا بسلمية هذه الثورة، وبوطنية شبابها - ولا أستثنى منهم من أحد سواء الهادئين الواثقين، أو أولئك الذين غلبت عليهم حماسة الشباب وهانت أرواحهم فداء للوطن.
هؤلاء احتضنهم ميدان التحرير وميادين مصر من السويس إلى الإسكندرية، ومن بورسعيد إلى أسوان وسيناء قلب مصر الواعد، وأرجو أن يتوقف زملائى من بعض الإعلاميين عن التغريد خارج السرب، وألا يتلقون تلاسن تلاش ودود بين أبطال الشعب الواحد، والمصير الواحد، والهم الواحد، ليضعوا منه أخبارا تكرس النشار، فالصورة أمامنا وأمام العالم رائعة بل أكثر من رائعة، ونحن مبهورون بهم، ولم تكن حقوقا كثيرة ومكاسب حصلنا عليها، أن تأتى لولا بطولاتهم، وتحلهم الصعاب، وليس أقلها الطقس البارد الذى يقترب من الجليدى، والأمطار الرعدية التى واجهوها بصدورهم، ونقص من المأكل والمشرب، من أجلنا ومن أجل أولادنا وأحفادنا .. من أجل مصر الشــامخة، مرفوعة القامة.
كان أجدر بنا أن نبحث عن أخبار البطولة - ولا أقصد بها بطولة أشخاص - بل بطولة شعب تمتد جذوره إلى سبعة آلاف عام أو يزيد، شعب صنع الحضارة، وشربها مع ماء النيل، فتأصلت فى چيناته وتدفقت مع دمائه.
لقد دمعت عينى وأنا أقرأ تغريدة منذ فترة قليلة على تويتر، تقول أن مسيرة قبطية سلمية توقفت مرتين احتراما لآذان المغرب والعشاء .. من يتحدث بعد ذلك عن الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب المصرى .. ومن يحاول العبث بأمننا مع شعب هذا اعتقاده وهذه أخلاقه.. وبكل أسف لم يلتقط أحد التغريدة، ليكشف جمالياتها وروعتها.
مبروك لمصر إعادة اكتشاف شبابها ونسائها الذين دحضوا كل فكر سلبى متشائم، من أنها رضيت بمكانها فى الظل، فها هى تتقدم الصفوف، جنبا إلى جنب مع زوجها وشقيقها وابنها .
مبروك لمصر هذا التلاحم المبهج بين كل فئاته وطبقاته.
لقد ربحت مصر .. وخسر المقامرون الحاقدون.
ساحة النقاش