أسطورة الأدب التى أحبها كل الرجال

كتبت :ايمان حمزة

كانت أسطورة الجمال والنبوغ وأشهر أديبات عصرها وصاحبة أهم صالون أدبى فى مصر.. هى «مى زيادة» التى اختارت اسماً أدبياً لها: فتصدت فيه اسمها الحقيقى مارى ليصبح أكثر سهولة للعربية.

ورغم كل ما أحاط حياتها من أسباب الرفاهية والإعجاب بفكرها وبلاغة أدبها وحلاوة وطلاقة حديثها وإتقانها لغات عديدة من الفرنسية والإنجليزية إلى الألمانية والإيطالية.. إلا أنها كانت تفتقد السعادة وتشعر بالحزن والإحساس الدائم بالوحدة فحياتها كانت سلسلة من المحن.

بدأت فى طفولتها عندما تربت بعيداً عن والديها وعمرها لا يتجاوز السادسة فى مدارس الراهبات بلبنان.. بعد أن تركت فلسطين حيث مولدها فى مثل هذه الأيام وتحديداً فى 11 من فبراير عام 1886م لأم فلسطينية وأب لبنانى يعمل بالتدريس.. فتعلمت كيف تؤنس وحدتها بموهبتها وهى الكتابة باللغة الفرنسية حتى انتقل والدها إلى مصر.. وهنا التأم شمل الأسرة من جديد وبدأت حياتها كأديبة بعد أن أصبح والدها الصحفى الشهير إلياس زيادة صاحب جريدة المحروسة بعد أن انضم إلى بلاط صاحبة الجلالة الصحافة.

أما «مي» فقد أصدرت ديوانها الأول «أزاهير حلم» باللغة الفرنسية تحت اسم مستعار «إيزيس كوبيا».. كما كانت تكتب «يوميات فتاة» فى جريدة المحروسة وتناولت بعد الموضوعات التى يتجادل بشأنها الناس وتدافع أو تدلى بآرائها الحكيمة والجريئة..

فارتبط بها القراء باحثين عن فكر جديد فى مجتمع مغلق بالنسبة لمعظم النساء عصرها فى ذلك الوقت.. وبدأت أنظار عمالقة الأدب والفكر تتجه إلى هذه الكاتبة رغم حداثة سنها.

صالون الثلاثاء

التحقت مى زيادة بالجامعة المصرية الأهلية وكتبت خلالها بمجلة المقتطف السياسية الأسبوعية والهلال والمرأة الجديدة وكانت سعيدة بكتابة بابها الجديد فى الصحافة المصرية، وأطلقت عليه خلية نحل تتلقى أسئلة من قرائها وتجيب بأسلوبها الجذاب وحيث تشارك قراءها فى الإجابة عليها أيضاً.. وكتبت مقالاتها المهمة بصحيفة الأهرم أيضاً.

بدأت صالونها الأدبى فى مايو عام 1913 بحضور ملتقى كبار مفكرى وأدباء وفنانى مصر وسوريا.. والقادمين لمصر من أوربا ليلتفوا حولها كل ثلاثاء.. حول نجمة تشع بالذكاء والنبوغ وعمرها لا يتعدى العشرينات.. بعد أن نالت إعجاب الحضور بكلمتها التى ألقتها فى الجامعة المصرية نيابة عن الشاعر «جبران خليل جبران» بمناسبة تكريم الشاعر «خليل مطران».. فبهرت عمالقة الفكر والأدب مثل د. طه حسين والمفكر عباس العقاد والكاتب «مصطفى الرافعى وخليل مطران وأحمد لطفي» كفتاة جميلة تكمن جاذبيتها فى عقلها وفكرها وأسلوبها الراقى المهذب فى وقت لم تكن تخرج فيه النساء إلى المجتمع الأدبى ومجالسته إلا من وراء حجاب مثل عائشة التيمورية وباحثة البادية ملك حفنى ناصف مع بداية النهضة النسائية والزعيمة هدى شعراوى رائدة نهضة المرأة المصرية ومنيرة ثابت وغيرهن.

وقال عنها الدكتور طه حسين: مى صاحبة صالون اجتمع فيه كل الرجال والنساء على اختلاف شعوبهم يتحدثون بلغات ولهجات مختلفة وعلى اختلاف منازلهم الاجتماعية مكانتهم الأدبية.

أما أستاذ الجيل أحمد لطفى لسيد فقد امتدت الصداقة الأدبية والإنسانية بينهما.. وكانت مى تعتز به وتعترف بفضله عليها

فى تمثل روعة الأسلوب العريق وما فى القرآن من روعة وبلاغة ساعدتنى على تنسيق وتنميق كتابتى ورقى أسلوبى وكان قد أهداها نسخة من القرآن الكريم وبعض الكتب من الأدب الغربى عندما لمس تأثرها البالغ بالأدب الغربي.

ورغم أنها الفتاة الجميلة التى أحبها الجميع ورغم عواطفها الجياشة على الورق إلا أنها تعلمت كيف تمسك بزمام قلبها فى نفس الوقت الذى تطلق العنان لعقلها وفكرها فتؤثر فى عقول وقلوب عمالقة الأدب والفكر.. فأحبها عباس العقاد وترك الكثير من القصائد التي تظهر حبه لها وتعد الرسائل المتبادلة بينهما تعد ثروة أدبية وفكرية وإنسانية كبيرة وفى روايته «سارة» ألمح إليها العقاد وكان يصفها بالعفة والالتزام وفى أنها لا تعلن عن حبها.. وكذلك أحبها الرافعى ولكنه حب من طرف واحد..

أما الحب الحقيقى فى حياة «مي» فكان حباً رومانسياً لم يرَ الوجود سوى فى رسائل على الورق منذ أحبت شاعر المهجر «جبران خليل جبران» الذى يعيش فى نيويورك.. وكان بينهما من الخطابات والرسائل والقصائد ما خلد باسم رسائل «مى وجبران» وهى قصة حب متوهجة رغم المسافات البعيدة بينهما كانا قلباً واحداً ليمتد حبهما الفريد عشرين عاماً دون أن يلتقيا.. ويهز كيانها وروحها برحيل الشاعر جبران عن الدنيا فجأة مريضاً فى بلاد المهجر قبل أن يكتمل حلمها باللقاء بالقاهرة فاحترق قلبها حزناً وألماً وازداد ألمها بعد موت والدتها عام 1932.. وأسلمتها الوحدة والحزن لمرض نفسى فقد الثقة بمن حولها مع تعرضها للظلم والغدر من أحد أقربائها الذى غرر بها واستولى على كل أملاكها ودفع بها إلى إحدى المصحات النفسية ببيروت.. ولكن نجحت جهود الأدباء وكبار الكتاب فى إخراجها من محنتها وعادت إلى القاهرة ولكن لترحل بعد قليل عن عالمنا عام 1941 بعد أن تركت ثروة أدبية تجاوزت الاثنى عشر كتاباً من بينهما باحثة البادية.. بين الجذر والماء، الرسائل وابتسامات ودموع

 

المصدر: مجلة حواء -ايمان حمزة
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 604 مشاهدة
نشرت فى 16 فبراير 2012 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,467,791

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز