الكذب ملح الرجال!

هل حقا الكذب ملح الرجال؟ وهل معنى هذا أنه الملح الذي يضبط الطعم؟ الرجال يقولون إنهم قليلا ما يكذبون. في هذه النقطة بالتحديد يكذبون لأن الدراسات تؤكد عكس ذلك، بل تؤكد أنهم يلجأون للكذب أكثر من لجوء المرأة له. ففي استطلاع للرأي قام به متحف العلوم في بريطانيا اتضح أن الرجال يكذبون أكثر من النساء، حيث أن الرجل يكذب ثلاث مرات في اليوم، بينما تكذب المرأة مرتين يومياً، كما كشف الاستطلاع أن 82 % من النساء يشعرن بالذنب وتأنيب الضمير بعد قيامهن بالكذب في حين ان 70% من الرجال لا يشعرون بالذنب جراء كذبهم

وقد نوه عالم النفس الأمريكي "روبرت فيلدمان" إلى أن الكذب بات صفة يتصف بها معظم البشر من الجنسين سواء كانوا كبارا أم صغارا بالسن، كما إنه ليس حكرا على شعب محدد بل هو منتشر في جميع شعوب الأرض، بالرغم من إن الكثير يرى الكذب آفة اجتماعية يجب تجنبها.

و من جانب آخر قال الدكتور "فيلدمان" : " إننا نعيش في زمن أصبح فيه الكذب والخداع من الأمور التي يمكن غض الطرف عنها وتجاوزها بصورة أكبر بكثير من السابق"، مشيراً إلى أن كثيراً من الناس باتوا يعتقدون أنه لا بأس في الكذب طالما لا ينكشف الشخص الكاذب ولا يسبب أي نتائج خطيرة.

الكذب أنواع

كثيرات من النساء يرهقهن كذب الأزواج، بعضهن يتغاضين والبعض الآخر يطلقن حمم غضبهن فيهم، وتبقى كثيرات في صراع موجع فهن يحببن أزواجهن لكنهن يكرهن فيهم هذه النقيصة.

وكما أن الرجال أنواع فالكذب أيضا يأتي أشكالا وأنواعا، فهذا رجل له مغامرات خارج المنزل لكنه في مواجهة زوجته يكذب ويصطنع المعاذير، ورجل آخر يظهر كذبه في حضور الآخرين، فيروي أحداثا لم تحدث، كل ذلك والزوجة تسمع وترى وتتعجب في صمت. ورجل ثالث لا يكفيه أن يكذب بل يطلب المعونة من أصدقائه لوضع سيناريو كامل يطرحه أمام زوجته عندما تسأله لماذا تأخرت؟ بينما بعض الرجال لا يكذبون أبدا إلا إذا تعلق الأمر بالبيع والشراء معتبرين ذلك "شطارة".

ولكن هل كل زوج يلجأ للكذب؟ وهل الزوجة هي التي تدفع بزوجها للكذب حتى تسير الأمور مستقرة؟ وهل الكذب صفة لصيقة بالإنسان أم أنه طبع يوجد في بعض الناس أم أنه نقيصة مكتسبة؟ ومتى يكون الإنسان كاذبا؟ وهل يتحرى البعض الصدق لجماله أم للخوف من عقوبة الكذب؟.

حقيقة الكذب

الكذب هو عملية متعمدة لتزييف الحقيقة أو تشويهها لتسير في اتجاه نريده نحن لها.. والكذب ليس طبعا ولا صفة لصيقة بالإنسان وإلا لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم"يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة" إذا يمكننا التخلص من هذه الرذيلة لو دربنا أنفسنا.. وقد يصبح الكذب صفة لصيقة بالإنسان في حالة المداومة عليه بينما يكون شيئا طارئا عندما يضبط الإنسان نفسه متلبسا بارتكاب كذبة، فيتعجب من نفسه لأنه يكره هذه النقيصة.. ففي داخل كل مخلوق بشري مشاعر مختلفة قد تمتزج ببعضها، فيختلط الخيال بالواقع في لحظة والحلم بالحقيقة والمتوقع بالممكن، كل هذه العناصر تتطاحن وتتصارع لذلك يحدث أحيانا أن يضل الإنسان طريقه رفضا للواقع أو أملا فيما هو أفضل أو تشبثا بما لم يحدث لذلك يتخبط عمدا أو عفوا بين ما هو حقيقة وما كان يريده أن يكون حقيقة فيحدث اللبس أو التزييف أو مايسميه البعض كذبا.

كاذبون

رانيا شابة تتعجب من زوجها تقول "زوجي إنسان مثالي،لكنه يجعلني أحيانا في تعجب من أمره، هو أمين وصادق لكنه في عمله يختلف كثيرا فهو يعبر عن آراء ليست آراءه ويقول أشياء تبتعد عن الحقيقة، وعندما أعاتبه يقول إن عمله يقتضي مثل هذه المجاملات!"

أما ندى.. فهي تشكو زوجها الذي باع سيارته وهو يعلم جيدا ما بها من عيب خطير ولم يخبر به المشتري، وعندما راجعته قال لها " التجارة شطارة"

نور.. مشكلتها تنحصر في داء يعانيه زوجها وتعانيه معه، فعندما يكون متعبا ويتصل به أحد زملائه في العمل يأمر الصغار أن يبلغوا المتصل بأنه غير موجود! نور ترى هذا التصرف مشينا بل ويؤثر على تربية الصغار، وزوجها يراها معقدة ونكدية ولا تقدر إرهاقه.

مشكلة نادين مع زوجها قد تختلف قليلا فدائما ما يخبرها بالحقيقة لكنه يخفي بعضها، وتحاول عندما تكتشف الأمر ان تلفت انتباهه أن إخفاء الحقيقة جزء من الكذب لكنه يصر أن الكذب هو تشويه الحقيقة وليس إخفاء بعضها.

لماذا يكذب الرجال؟

سألتني صديقتي عن السبب الذي يجعل زوجها يكذب دائما، فعندما يروي حادثة يرويها في كل مرة بشكل مختلف، نصحتها أن تتابعه بفهم ودقة في رواياته المختلفة لحادث واحد بحيث تعرف أي المواقف يضيفها وأي المواقف يحذفها، فإن كان يتجه دائما للحذف فهو في أغلب الأحيان ينسى ما يراه وأن كان يتجه للإضافة فبداخله أفكار مزدحمة، وهل في إضافاته أو حذفه يلجأ إلى تمجيد ذاته أو إضفاء القداسة على أحد المقربين؟ أم أنه يحاول التقليل من شأن الآخرين وتجريحهم أم انه يشعر بالخزي فيحاول علاج هذا الشعور عن طريق تغيير التفاصيل؟ أم أنه يضيف ويحذف لمجرد إضفاء الإثارة والبهجة على الرواية؟ فإذا كان حذفه أو إضافته ينبع من رغبته في تمجيد ذاته فهو يحتاج الاهتمام والتقدير، وإن كان تحريفه للحقيقة بسبب التقليل من شأن الآخرين فهو يعاني عقدة نقص، أما في حالة إخفائه لتفاصيل تشعره بالخزي فهو شخصية يربكها الانتقاد ويسيئها أن تكون موضع سخرية. وإذا كان يغير التفاصيل لإضفاء البهجة، فهو شخصية تتمتع بالدعابة والخيال الفني الذي لا يعرف كيف يوظفه بالإضافة الى أنه شخصية تحب الآخرين وتحتاج دعمهم وحبهم.

أسباب الكذب كثيرة سواء عند الرجال أم النساء، لكنها قد تظهر في الرجال أكثر لأنهم يريدون الحياة في هدوء وسكينة، ولأنهم أمام أسئلة كثيرة تطرحها النساء يصبح من الصعب أن يوصلوا وجهة نظرهم دون إحداث خسائر فبدلا من بذل المجهود في إقناع الطرف الآخر يصبح من الأسهل اللجوء للكذب واعتباره طوق النجاة.

الرجال يكذبون.. نعم يكذبون.. وتساعدهم النساء في هذا.. فالرجل كما قلنا يؤثر السلامة ويحاول الابتعاد عن النكد والجدال عندما يذهب مثلا الى شقيقته التي تبغضها زوجته، عندما يعطي ابنة أخيه ليساعدها في نفقات المعيشة بعدما رحل والدها عن عالمنا، هو يعلم مقدما أن زوجته ستقول له" ولادنا أولى" لذلك يشتري رأسه ويقتصد من مصروفه ويساعد ابنة أخيه، عندما يسهر سهرة بريئة مع الزملاء بعد يوم شاق من العمل ويخشى أن تعاتبه زوجته لأنه تركها وحدها بالمنزل تستذكر للصغار وذهب للنزهة، عندما تكون زوجته مسرفة ولا تقدر الظروف فيخفي عنها أي مبالغ تأتي له في شكل مكافآت ليوفرها بعيدا عنها أمانا وضمانا للأسرة.. حالات كثيرة يضطر فيها الرجل للكذب وإخفاء الحقيقة طمعا في بيت مستقر.. لكن البيوت المستقرة لا تبنى على الكذب هذا ما لا يدركه كثيرون للأسف، فيجد نفسه كتلميذ صغير عندما تكتشف زوجته الحقيقة وتواجهه فيصبح أمام أمر من اثنين إما الدفاع عن النفس مما يظهره بشكل ضعيف فيصغر أكثر في عينيها، وإما التبجح والدفاع عن نقيصة هي الكذب.. ليتنا نفهم بعضنا بشكل أفضل حتى تدوم الحياة بيننا بأسلوب أجمل.. وليتنا ندرك أن الكذب هو صفة الضعفاء وأن الصدق، والصدق وحده هو ملح الحياة وسكرها أيضا