البنورة المسحورة

كتبت :ايمان حسن الحفناوي

القلم يرتعش بين اصابعي..أغمسه في محبرة ملؤها دموع ساخنة، فيعانق الأوراق، يحتضن السطور ليعزف مقطوعة شجن تقطّع نياط القلب.. والقلم بين أصابع الكاتب كمبضع الجراح لا ينبغي أن يرتعش أبدا.. لكنه بدأ يرتعش.. الكلمات تقف غصة في الحلق.. دموع أبية تتعلق في المآقي تريد أن تسقط لكنها تتريث.. أخيرا تفر دمعة تنتفض ترفض سجن الأهداب تتدحرج على صفحة وجهي، أتلقاها بكفي احتضنها، قطرة شفافة أدقق فيها أجدها كالبنورة المسحورة، من جدارها الرائق كالفجر أرى أشياء أحاول فك طلاسمها.. صدري يضيق، لا شيء يسعدني، الشمس في السماء كنت أحب ابتسامتها الشتوية تغمر يومي ذهبا ودفئا، صارت الشمس عبئا، فهي تكشف الحقيقة وأنا لا أريد أن أرى الحقيقة لأنها مفزعة.. القمر صديق طفولتي، قرص فضي في سماء رائقة وكأنه مرآة لمشاعري البريئة، لم يعد القمر صديقا، صار وجها يتلصص علينا في ليل لا نعرف آخره.. أشجار الصفصاف تتدلى ضفائرها في سلسبيل نهر تترقرق موجاته الصغيرة التي يحركها مركب متواضع يتهادى على صفحة عذبة، صارت الأشجار صفوفا غريبة تشي للنهر بأسرارنا فيذيعها على كل الموجات.. ماذا حدث؟ إلى أين تتجهين يا بلادي؟ أين الدفء؟ أين حضنك؟ أين إحساسي بالأمان؟.

أحبك... جربت معك كل أصناف الحب، أحببتك من طرف واحد، قاسيت من تلونك،عانيت من إحساسي بالغربة على أرضك، سافرت، ابتعدت عنك علّني أجد راحتي، وفي كل بعد كنت تقتربين أكثر.. ماذا أفعل معك يا عنيدة؟ يا من تسكنين القلب وتمتلكين المهجة؟ يا من في قسوتك جبارة وفي حنوك اكثر جبروتا؟.

الدمعة تتكور أكثر في بطن راحة الكف أرى فيها أشياء وأشياء...

جمع من الناس يقفون هناك بملابس لا تتضح تماما، يمسكون الشمس يحاولون إطفاء نور النهار، وعلى الجانب الآخر جمع آخر يحاولون أن يزلزلوا الأرض تحت من يجاهدون لاطفاء الشمس. الفريقان يتصارعان، الدم يملأ أرضا طيبة، صرخات تصلني من البنورة المسحورة، أطفال يتم دهسهم وأحلام يتم حرقها.. جنون يلف المدينة.. وتهدأ المعركة، أحاول أن ألتقط أنفاسي وألم شعث قلبي، ما هذا؟ على جانب في البنورة أرى شيئا مخيفا.. وكأن شبحا، يحاول تطويق المدينة، وجوده يصنع ضبابا فتتعذر الرؤية على الجميع، الكل في عراك، سكان بلدتي يتصور كل واحد منهم أن جاره هو الذي يضمر له الشر، لا يرون هذا الشبح، أحاول أن أناديهم، أوقظهم ليروا عدوهم الحقيقي، لا يسمعوني، اغلقوا آذانهم وسحب كل منهم سلاحه على أخيه، أصرخ فيهم: أفيقوا فهذا الشبح يتربص بكم، الشبح يلف المدينة أكثر وأكثر، تكاد الرؤية تنعدم، وفي الظلام يصبح كل شيء مباحا.

أخيرا أرى نورا ينبعث من مكان بعيد، النور يقترب أكثر وأكثر، أدقق النظر.. هلال وصليب، مسجد وكنيسة، هناك في آخر النفق المظلم.. وأسمع أجراس الكنيسة، ويصلني صوت آذان يرفع فوق مئذنة.. ويبدأ بصيص النور مجاهدا في محاولة للانتشار.. قليلون من أدركوا وذهبوا تجاه شعاع الأمل، أما الباقون فهم في غيهم يذبحون بعضهم ويخربون بيوتهم بأيديهم... ترى؟ هل سينتبه الباقون لبصيص النور أم تبتلعهم دوامة الشبح، فيغرقون في آتونها

المصدر: مجلة حواء -ايمان حسن الحفناوي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 592 مشاهدة
نشرت فى 16 فبراير 2012 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,728,766

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز