حتى لا تتكرر المأساة
بورسعيد تحت الحصار
كتبت :سمر الدسوقي
من يريد ضرب هذا الوطن في العمق؟ بل ومن يحيك له المؤامرات في الظلام؟
هذا هو ما سيتبادر لذهنك من تساؤلات، وأنت تتابع ما نعيشه يوما بعد يوم من أزمات ومشكلات، قد يعتبرها البعض طائفية أو عنصرية مجهولة الهدف، بل ولم تكن تظهر من قبل علي السطح، أو علي الأصح لم نكن نشعر بها أو نتوقعها من قبل، ليس لأننا كنا نعيش وضعا أفضل، فلاشك أن ثورة 25 يناير كانت ومازالت من رسم ووضع تصوراً لهذا الوضع .
ما يحدث حاليا ما بين الحين والآخر، لم يكن ولن يكون من شيم المصريين، دعونا نقترب من أبرز مثال بدا جليا علي الساحة، ألا وهو أزمة حصار بورسعيد في أعقاب مجزرة المباراة الرياضية الشهيرة بين الأهلي والمصري التي جرت علي أرضها، فهل بتنا نعاقب بعضنا البعض؟، أم ماذا حدث لنا؟ وماذا حدث لبورسعيد المحاصرة؟ وكيف نتجنب تكرار مأساتها بصورة أو بأخرى؟ هذا هو ما حاولنا كشفه فى جولتنا التالية ll
بدايتنا تأتى من أبناء بورسعيد، ممن عاشوا حتى أيام قليلة ماضية تفاصيل أزمة الحصار، يقول د. محمد الغامرى- المحامى ووكيل مؤسسى حزب جبهة التحرير القومية - سأروى ما حدث لنا ببساطة فى أعقاب الحرب النفسية التى شنت ضد بورسعيد دون أن يكون لها أو لأبنائها دور فيما حدث فى هذه المباراة وهو ما أثبتته التحقيقات فيما بعد، فصحيح أننا لم نلمس تأثيراً واضحاً يتعلق بغياب السلع الغذائية أو الأدوية من الأسواق، ولكن أهالى بورسعيد فرض عليهم حصار نفسى فأصبحوا خائفين من الخروج والدخول من بواباتها، لدرجة أن بعضهم كان يقوم مؤخرا بشراء أرقام سيارات مكتوب عليها أسماء أخرى غير ملاكى المنطقة الحرة، من الأسواق المجاورة وكانت تباع ما بين 50 إلى 100 جنيه، حتى يستطيع الخروج، ولدرجة أن أحد أقاربى شعر بالخوف من اصطحاب ابنته إلى جامعتها بالقاهرة حتى لا يتعرضا لأى اعتداء أو تحرش، وفى المقابل كان هناك حصار فرض على السيارات القادمة إلينا، فأستطيع القول إن حركة تدفق السيارات إلى بورسعيد قد توقفت تماما لفترة طويلة.
ويتطرق الكاتب الصحفى أحمد رجب - أحد أبناء بورسعيد- لجانب آخر من جوانب هذه المشكلة قائلا : بالرغم من أن هناك ما يقرب من 30 شهيدا من مجزرة هذه المباراة من أهل بورسعيد نفسها، وبالرغم من أن أهالى المحافظة من خلال ما قاموا بتصويره فى أثناء هذه المباراة لمرتكبى الحادثة، قد ساعدوا النيابة فى القبض على بعض مرتكبى الحادثة والذين ينتمون لإحدى قرى محافظة الدقهلية، إلا أن بورسعيد قد عوقبت وبشكل غير عادى، بل ولا نكاد نصدق أن هذا قد حدث من إخوان لنا، فهل يصدق أحد أن الصيدليات لم يكن يتواجد بها أدوية لأن موردى شركات الأدوية لم يستطيعوا أن يصلوا للصيدليات، سواء بإرادتهم أم لخوفهم، كما كانت هناك أيضا مشكلة فى وصول السلع التموينية بنفس الصورة، لولا مساعدة القوات المسلحة وإمداداتها التى وصلت للمحافظة فيما بعد، وفى رأيى أن ما حدث كان نوعا من أنواع إحداث الفتن بين أبناء الشعب المصرى الواحد، كما فى كافة المحاولات التى تبذل فى نفس الإطار منذ اندلاع الثورة.
كساد وبلطجة
وعن نفس الوضع تشير إيناس وهبة - موظفة - لقد عشنا فترة صعبة تكاد تصل لأسبوعين كمحاصرين داخل بورسعيد، وحتى الآن لم يشهد الأمر انفراجة كاملة، وخلال هذين الأسبوعين، وحل الكساد وتوقفت حركة البيع والشراء بالأسواق التجارية إلى حد إغلاق الكثير من المحال، والهجوم على السيارات الخاصة، كما انتشر الكثير من البلطجية بالطرق وكانوا يهاجمون بعض المحال وينهبونها، هذا بجانب غياب السائحين بشكل تام بصورة جعلت الأماكن السياحية كافة شبه خاوية، وفى الأيام الأولى للحصار عادت اللجان الشعبية للظهور فى الأسواق لحمايتنا لغياب الأمن، وحتى الآن لا نعرف، وقد عشنا فى هذا الوضع رغم أننا لسنا مدانين. لماذا حدث هذا، وهل أصبحنا غير مصريين حتى نعامل بهذه الصورة ؟
مؤامرة
هذا هو جانب مما عاشته بورسعيد من حصار على مدى أكثر من أسبوعين، ولولا بدء القوافل والمسيرات الداعمة من قبل رموز المجتمع فى القيام بمبادرات لزيارتها، لكان الوضع قد تأزم أكثر، حيث قادت الكاتبة سكينة فؤاد -عضوة المجلس الاستشارى- إحدى هذه المسيرات لتبرئة ساحة بورسعيد من اتهام غريب كان الغرض منه التفرقة بين أبنائها، وكما أعلنت خلال هذه المسيرة، فقد كان تفسيرها لما يحدث أن الثورة ككل تتعرض لمؤامرة وقد كانت بورسعيد حلقة منها تتمنى وأن تكون آخر حلقاتها.
وبنفس الصورة، تبنت نقابة الصحفيين المصريين نفس الدعوة لمساعدة بورسعيد على التخلص من هذا الحصار، وكما يقول الكاتب الصحفى ممدوح الولى - نقيب الصحفيين المصريين - كجزء من كيان الشعب المصرى حاولنا وأن نتحرك لدعم شعب بورسعيد، واستكمال ما بدأناه من خلال مبادرة تبنتها النقابة بالتعاون مع 17 نقابة مهنية، حاولنا من خلالها إعلان رفضنا للعصيان المدنى أولا، ثم كان دورنا مع بورسعيد حيث سعينا لتنظيم زيارة إليها، أولا لدعم شعبها ومساعدته على مواجهة ما يحاك ضده من مؤامرت، هذا بجانب الترويج للسياحة الداخلية بها والتى تعد أحد أهم روافد الدخل للمحافظة، بما يساعد فى لعب دور فى إعادة التئام كيان الشعب المصرى الواحد.
ضرب الاقتصاد
وحتى نتجنب تكرار ما حدث من مأساة يقول د. أكرم الشاعر عضو مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة ببورسعيد وعضو لجنة تقصى الحقائق حول مذبحة بورسعيد : لاشك أن المدينة كانت مستهدفة كمحاولة لإحداث هذه الفتنة بها باعتبارها أكبر منطقة ومركز تجارى، وبالتالى فإصابتها ضربة لجزء هام من الاقتصاد المصرى، كما أن البعض قد استغل تعصب أهلها ليشيع عنهم ما أشيع، هذا بجانب أن فريقها جمهوره انتشر على مستوى الجمهورية، وبالتالى فما حدث بالفعل هو أن بعض السائقين امتنعوا عن الذهاب لبورسعيد كما توقفت بعض وسائل المواصلات عن الذهاب منها وإليها، وبالتالى أغلق المكان ككل، وهو ما ترك أثرا فى الحركة التجارية بها، وإن كان هذا الوضع قد بدأ يشهد انفراجا فى أعقاب دعم كافة فئات الشعب المصرى لها، حيث توجهت لبورسعيد سيارات تقل العديد من المواطنين من دمياط والعريش والدقهلية والإسكندرية جميعهم حرصوا على التوجه للتسوق.
ولكن ما نحتاجه حاليا لمنع تكرار هذه الأزمة أن نعرف من يخطط لدمار هذا البلد، ولا نسمح له بذلك، وأن نتجنب الشائعات.
وأخيرا وليس آخراً تؤكد عزة كريم أستاذة علم الاجتماع على أن ما تعرضت له بورسعيد من سلوك يعتبر سمة ليست من سمات الشعب المصرى المتأصلة، فهذا الشعب معروف عنه الشهامة والشجاعة ورفض المهانة، وبالتالى فهو لا يمكن أن يقدم على تعذيب بعضه البعض، لأنه أيضا قد تعرض لظلم فادح، ومن ظلم لا يظلم أبدا، ولذا وجدناه بعد أن أصابه خلل واختلط عليه الأمر لفترة بسيطة عاد إلى طبيعته السمحة والشجاعة، ورفض إيذاء جزء منه، ولكن ما علينا الآن هو أن نتعلم تجنب الشائعات
ساحة النقاش