ربنا يعينك يا مصر
كتبت :ايمان حسن الحفناوي
مر علي أسبوع وأنا أتابع ما يحدث حولي غير مصدقة وشبه مذهولة...
بداية، وقبل أن أسترسل فأنا ولله الحمد لم أكن يومًا طالبة مركز لأنافق أحدًا أو حتى أهاجم فريقًا لصالح فريق طمعًا في الرضا... لكن ما تقتضيه مصريتي وشرف مهنتي وضميري أمام الله أن أسجّل مخاوفي هنا ورأيي المتواضع وأجري على الله. الأسبوع الماضي تم فتح أربعة ملفات حساسة جدًا وتطورت أحداثها بشكل غريب لنقف متسائلين، ماذا يحدث؟ موضوع المجلس القومي للمرأة، مشكلة سحب الثقة من الوزارة، تصريحات رئيس مجلس الشورى بإقالة 48 قيادة صحفية، توتر العلاقة مع الإمارات، كلها كانت الأسبوع الماضي بما حوته من جذب وشد.
إذا تحدثنا عن المشكلة الأولى، وهي إعلان تشكيل جديد للمجلس القومي للمرأة، ففي ظل نداءات كثيرة بأن المرأة بعد الثورة قد تم تهميشها بما سيعوق تمثيلها في أحداث جسام سوف تمر بالأمة هذه الفترة، نظرًا لأن الدولة حاليًا تستعد لثوبها الجديد، جاء قرار المجلس العسكري بإعلان تشكيل المجلس، لا سيما وأن الجمعيات المعنية بالمرأة قد ركنت هذه الفترة إلى السكوت عن أشياء كثيرة كان لا بد من طرحها ومحاولة علاجها، العسكري لم يخطئ في هذا القرار بل على العكس كان يحاول أن يوجد نقطة توازن ضمانًا لاستقرار المجتمع، خاصة ً بعدما خرجت مطالبات من الشارع تنادي بجهة تعمل على قضايا المرأة، وأتصور أنه لم يكن من السليم إنشاء جهة جديدة في هذه الفترة الانتقالية، لذلك لجأ العسكري لقراره هذا، ما العيب في هذا القرار؟ إننا نكره المجلس القومي للمرأة؟ حسنًا، مجلس الشعب كنا نكرهه في العهد الماضي، فهل نلغيه أم نغير أداءه؟ هل نبتره أم نغير الوجوه والعقول التي تقوم عليه؟ وهو ما حدث بالفعل، حتى اسمه لم نغيره لكننا اخترنا ورضي الجميع برأي الغالبية إعمالا للحرية والديمقراطية، وإذا قلنا إن مجلس الشعب يتم بالانتخاب، فمن الممكن في فترة قادمة، بعد استقرار الدولة، أن نطالب بأن يكون المجلس القومي بالانتخاب، لكن فرق كبير بين الاعتراض والإهانة
هذه الإهانة التي ظللنا نتابع توابعها حتى وصل الأمر بالمجلس القومي إلى أن يتفق على تقديم بلاغ للنائب العام ضد أمينة المرأة في حزب "الحرية والعدالة"، "نظرًا لما صدر عنها من «اتهامات لأعضاء وعضوات المجلس القومي للمرأة بالكفر والعمالة لصالح أجندات أجنبية»، هذا ما جاء بالنص في قرارهم، والذي أعقب ما حدث من السيدة الدكتورة منال أبو الحسن أمينة المرأة في "الحرية والعدالة" في تصريحاتها للصحفيين بعد الصالون الذي كان من المفترض أن يضم قيادات الحزب النسائية وقيادات المجلس القومي للمرأة للحوار والنقاش إلا أن المسألة انقلبت بانصراف الحضور بعدما تم إحراج الدكتورة آمنة نصير التي حضرت مشكورة بالنيابة عن السفيرة ميرفت تلاوي. عضوات الحزب اعتبرن هذه إهانة رغم أنهن لو صبرن قليلا كنّ أدركن أن السيدة تلاوي تعطلت بها الطائرة التي تقلها والتي حرصت أن تأتي عليها لحضور المؤتمر. لم يكن هناك أي داع لاتهام السيدة تلاوي ولا للإحرج الشديد التي تعرضت له السيدة نصير ولا أتصور أننا كنا نحتاج تصريحات تزيد المشكلة عمقًا. فالمفروض أننا جميعًا ـ وبالمناسبة أنا لا أنضم إلى أي فريق منهم ـ أن نتكامل، وإذا كانت هناك مشكلة أن نواجهها وندرسها ونناقشها، وإذا كان هناك أي كيان لا يتمتع بشرعية الوجود فعلينا دراسة الأمر من جوانبه كافة، وتقديم الاقتراح المدروس بدقة للجهة المسئولة، وإن كان فعلا رأينا صائبًا فلا بد من الدفاع عنه بكل قوة ولكن بكل حكمة مع الاحتفاظ للجميع بحرمة كرامتهم.
المشكلة الثانية هي مشكلة سحب الثقة من الوزارة والتلميح من البعض والتصريح من البعض الآخر أن حزب "الحرية والعدالة" هو الذي من المفروض أن يشكل الوزارة، فقد أكد دكتور غزلان أن حزب "الحرية والعدالة" أصبح من حقه أن يقوم بتشكيل الوزارة بعد سقوط حكومة الجنزوري بسبب أخطاء فادحة، ما جعل كل المتابعين يشعرون بالقلق، فعندما قال المجلس إنه قد يسحب الثقة تفاءل كثيرون، ليس لأنهم يكرهون الوزارة لكن لأنهم لم يتعودوا على مدى تاريخنا أن يتم سحب الثقة من أي وزارة، لكن بعد هذا التصريح بدأ الخوف يعتريهم إذ شعر معظمهم أن سحب الثقة ليس لأن الوزارة فاشلة، ولكن الهدف هو القفز على الحقائب الوزارية. من المهم أن نعرف جميعًا أن الفترة التي نعيشها الآن تجعل الأمور أمامنا ضبابية وتسمح لنا بإعلاء نظرية المؤامرة، لذلك لا بد من الحذر مع أي تصريح، أيضًا شعر كثيرون أن الحزب الوطني لم يرحل، ولا بد من إدراك مشاعر شعب مجروح من ممارسات ماضية عندما نتعامل معه، لأن هناك نقاطًا حساسة جدًا من الخطر الاقتراب منها وإلا انعدمت الثقة من البداية.
المشكلة الثالثة هي مجزرة الصحفيين، أو كما أسميها «حريم السلطان»، ففي لحظة تم اعتبارنا جميعًا كرؤساء تحرير ورؤساء مجالس إدارة مجرد حريم للسلطان يمكن أن يختار منّا من يريد ويلقي في قمامة الأحداث من لا يريد!
ففي تصريح رئيس مجلس الشورى، بأن يتم "تسريح" 48 رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة، كل المهانة للجميع، بل وما يتم اعتباره محاولة للتهديد، إما تكون معي وإما أظهر لك العين الحمراء، ونسي أستاذي الفاضل، رغم كل احترامي له وتقديري، أننا جميعا نعلم بأننا مجرد فدائيين في مرحلة انتقالية، وأن من يرضى بمرحلة انتقالية إنما جاء ليحارب دون درع، وأنه معرض للفناء، بل لا بد ملاقيه، وأنه يعمل في جو متوتر سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا وينفق من جيبه على عمله ومن أعصابه ومن حياته التي باتت مهددة بالخطر، كل ذلك لماذا؟ لأنه يحب بلده ولا يتركها في مثل هذه الظروف. يا أستاذي الفاضل نحن لا ينقصنا جاه لنسعى إليه ولا مال نطلبه من هذه المناصب ولا شهرة حتى نتكالب على كراسينا ولا نطلب إلا أن يفتخر بنا أبناؤنا لأننا صمدنا وحاربنا وحاولنا في ظروف صعبة متوترة أن نعمل ونجتهد غير مبالين بما يمكن أن يحدث لنا.
المشكلة الرابعة هي توتر علاقتنا مع الإمارات، هذا البلد الذي نعلم جميعًا كم وقف بجوارنا، وأنا لا أقول وقف ماديًا فليس من عاداتي أن أتسول ولا أحب هذا الأسلوب المتدني، لكننا لن ننسى أن الراحل الشيخ زايد هو صاحب اقتراح قطع البترول عن العالم الغربي في حرب 73 وأن الملك فيصل أيده في هذا الاقتراح، وأن الراحل الشيخ زايد هو صاحب الكلمة المشهورة "البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي" وتاريخ الإمارات معنا معروف فلماذا نخسر الصديق؟ المشكلة بدأت عندما قامت بعض الأسر السورية بالتظاهر في الإمارات، بما يخالف قانون البلد، فتم اتخاذ الإجراءات لترحيلهم فاعترض أستاذنا الكبير الشيخ القرضاوي، وله كل ماله من الاحترام، فجاءت تصريحات على لسان القائد العام لشرطة دبي ما استتبعه تصريحات للدكتور محمود غزلان، المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين، ليتوتر الجو وتتفاعل الأحداث، انظروا معي كيف تطورت الأحداث، لقد أشعلت تصريحات دكتور غزلان هياج كثيرين فهب الداعية الكويتي طارق السويدان ليصدر، هو الآخر، تصريحات نارية ضد الإمارات، ما استتبع أن يقوم فيصل الدويسان عضو مجلس الأمة الكويتي بتقديم طلب إلى المجلس لمناقشة هجوم إخوان مصر على الإمارات، بل وصل الأمر أن طالب جماعة إخوان الكويت "حدس" أن تظهر استنكارها لإهانة دولة خليجية، مما تسبب في إحراج الجماعة هناك فلجأت للصمت، إلا أن النائب الكويتي «دشتى» أصر على الضغط عليها أكثر بأن دعاها لإثبات وطنيتها وقولها الدائم بأنها جماعة من أجل الكويت، وليست جزءًا من حركة اخوان مصر، فالأزمة الآن طالت الكويت وجماعات الإخوان بالخليج بالإضافة إلى الإمارات، وقد طلب وزير الخارجية الإماراتي من الحكومة المصرية تحديد موقفها من هذه الإهانة، وتم إحراج الحكومة، وخرج تصريح من دكتور نبيل العربي يعلن عن أسفه لهذه التصريحات، واستنكر أمين عام دول مجلس التعاون الخليجي ما حدث، وتوترت الدنيا كلها في المنطقة.. لماذا؟ هل تم حل مشكلة السوريين المرحلين؟ لقد تاهت المشكلة في طريق تبادل التصريحات للأسف، وكان من الممكن التعامل بحكمة مع ما حدث، وكان من الممكن جدًا حل الموضوع بشكل سليم.. وانظروا معي ماذا فعل صاحب المشكلة نفسه.. فعندما جاءت تصريحات القائد العام لشرطة دبي لم يثر الشيخ القرضاوي بل تعامل بكل حكمة، حيث رفض الرد على هذه التصريحات وقال إنه ما زال يبحث ملابسات هذا التصريح الذي قد يكون تم نشره منسوبًا لقائد شرطة دبي لمجرد افتعال أزمة، لذلك فهو ينتظر إعلانًا رسميًا، هكذا يكون التصرف.
أربع مشكلات وأتصور أن يتزايد العدد أكثر وأكثر، لو ظللنا بهذا الأداء.. لكن نقطتين لابد أن أطرحهما هنا، أولا عندما يتكلم أحد أساتذتنا ويدلي بتصريحات لا بد أن يعلن من يمثل بالضبط من خلال هذا التصريح، لأن كثيرين لهم صفة حزبية وبرلمانية وخلفية دينية.. وأنا هنا لا أتكلم عن الإخوان المسلمين فقط ولكن عن كل عضو حزب وعن كل برلماني حتى نفهم تصريحه بشكل أفضل ونعرف مدى خطورته نتيجة الجهة التي يتكلم نيابة عنها.
الأمر الثاني أننا يمكن أن نختلف مع أي إنسان ويمكن أن يصل الاختلاف إلى أقصى مدى، لكن ليتنا لا ننسى الحديث الشريف عن سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام:
"ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" وأنا أنصح نفسي قبل الجميع باتباع هذا الحديث .. وربنا يعينك يا مصر
ساحة النقاش