بين تيتانيك وسفينة نوح
كتبت : ايمان حسن الحفناوي
في الثاني عشر من أبريل سيكون قد مر قرن على غرق السفينة العملاقة تيتانيك. تاريخ مهم جعلني أفكر وأقارن، ويبدو أن ما يحدث حولنا جعلنا نحلل ونَعقد المقارنات، فقد وجدت نفسي أعقد مقارنة بين سفينة تيتانيك وسفينة النبي نوح، وعندما استعرضت في ذهني المفارقات بين السفينتين وجدتني أسأل سؤالا، وأعرف من البداية أن إجابته صعبة ولا شك. السؤال هو: تُرى إلى أي سفينة نتجه، وأي مصير ينتظرنا؟.
ولنتذكر معًا ما حدث للسفينتين .. فقد يمكننا أن نستشف ما ينتظرنا، فسفينة النبي نوح وسفينة تيتانيك هما أشهر سفينتين ظهرتا في الوجود، وعلى الرغم من أن لكل منهما قصتها، فإن ظروف إنشاء كل سفينة ومواكبتها لأحداث خاصة يجعل المقارنة أكثر وضوحًا.
فقد شد انتباه العالم بناء كل سفينة منهما، في قصة سفينة نوح تُحدثنا الكتب السماوية والتفسيرات التي جاءت بعدها أن الكبر والخيلاء أخذا أهل الأرض وقتها وحادوا عن الحق والعدل، ليبعث الله نوحًا هاديًا ومرشدًا فيصدقه القليلون وتُحجم عنه الأغلبية، فيأمره الله ببناء سفينة ضخمة، ويزرع نوح الأشجار وينتظر حتى تكبر، فيقطعها لبناء سفينته وسط سخرية مخالفيه، حيث لا نهر ولا بحر، فلماذا السفينة؟ لكنه يستمر أعوامًا طويلة في بنائها ـ كما ورد في بعض التفسيرات ـ وينتظر أمر الله.
أما في سفينة تيتانيك، فقد تم بناؤها كأكبر سفينة ركاب شهدها العالم، وبلغ وزنها 52310 أطنان، وطولها 882 قدمًا بينما عرضها وصل إلى 94 قدمًا، وقد تم تصميمها بحيث لا تغرق أبدًا حيث انفردت باحتوائها على قاعين يمتد أحدهما عبر الآخر، لا سيما أن الجزء السفلي منها تكون من 16 قسمًا لا يمكن أن ينفذ إليه الماء.
وإذا قارنا بين نظرة العالم لكل سفينة منهما سنجد أن سفينة نوح لاقت سخرية عظيمة، وكان يتم النظر إليها على أنها شطحة جنون، هذا ما قاله من انحازوا ضد نوح، وكان أغلبهم من الأغنياء، أو كما نسميهم اليوم رجال السلطة والأعمال والمال، ولكن في الجهة المقابلة كان من آمن بفكر نوح، وأغلبهم من الفقراء، ينظرون إلى السفينة على أنها الخلاص من الظلم والضياع والبداية لحياة جديدة كلها العدل والخير. أما في سفينة تيتانيك فقد تم بناؤها وسط ضجيج إعلامي عجيب، ومتابعة مستمرة لأخبارها وإحساس بالفخر أن يتم إنجاز هذا العمل العظيم، كان الأغنياء ينظرون لها على أنها التحفة النادرة التي ستجوب بهم العالم، بينما يتابع أخبارها الفقراء بإعجاب تغلفه الحسرة، فلن يمكنهم أبدًا الصعود إليها. إذن فالحال هنا يختلف قليلا وإن تشابه في الاهتمام الإعلامي والعالمي لكلتا السفينتين، لننظر الآن، بعدما تم بناء كل سفينة، ماذا حدث؟ .. في سفينة نوح لم يكن هناك أي تمييز ولا إقصاء ولا تهميش، لم يطلب نوح أجرًا ولا كان هناك ثمن ما لتذكرة صعود، ولم يصر على الوجهاء، كل من كان يؤمن بفكره ويساند الحق ويتطلع للعدل كان مرحبًا به، بل إنه حمل من الحيوانات والطيور من كل نوع زوجين، فقد تم بناء هذه السفينة للجميع وبلا تفرقة ولا انحياز، والقرار هنا لمن يريد، ليس لأصحاب الثقة ولا الكفاءة فهي سفينة للجميع، وقرار الصعود ليس باختيار الربان لكن باختيار من يصعد، ولم يشق نوح صدور من ركبوا ليعرف المؤمن من الكافر، الكل مرحب به، لا إقصاء ولا تهميش كما قلنا، أما في تيتانيك فلا بدّ أن تكون صاحب مال حتى تضع قدميك على أرض هذا الصرح، فقد ضمت السفينة نخبة من الأثرياء وكبار رجال الأعمال في العالم الغربي، لكنها أيضًا ضمت بعض أبناء الطبقة المتوسطة الذين جمعوا كل ما لديهم من مال ووضعوه في تذكرة بحثًا عن وطن آخر قد يجدون فيه الأمان، فقد كان ثمن تذكرة الدرجة الأولى يزيد على دخل أي فرد من طاقمها طوال فترة حياته! إذن فسفينة نوح كان ثمن ركوبها مجرد الإيمان بالفكرة، في حين صارت سفينة تيتانيك لأصحاب الحظوة.
في مجال الإبحار، نجد الفرق الشاسع .. فقد أبحر نوح ومن معه في ظل ظروف تنذر بالهلاك، حيث تطور الأمر أن التقت مياه الأرض بسيول السماء، ومع الوقت بدأت الغمة تنقشع "وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضى الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بعدًا للقوم الظالمين"، هذا ما جاء في القرآن الكريم يصور ما حدث. أما الحال مع تيتانيك فقد اختلف، حيث بدأت الأمور هادئة مستقرة إلى أن اصطدمت السفينة العملاقة بجبل الثلج ليلقى 1113 راكبًا، من أصل 2227، حتفهم في ظروف دراماتيكية عنيفة .. في حين نجا كل من كان على سفينة نوح من بشر وحيوان وطير.
الأمر الذي لا بد أن نلتفت إليه هو الفرق بين نوح كربان للسفينة وبين كابتن إدوارد سميث قائد تيتانيك، فلم تكن الأمور كلها من حول نوح بأي مقياس بشري ولا منطق عقلاني تبشر بالنجاة، فالكتب السماوية تصف الطوفان بشكل تقشعر له الأبدان، ولو رأيناه بأعيننا لن نصدق أن تتم النجاة إلا بمعجزة من الله عز وجل. هل كان نوح خائفًا؟ لم يكن، بل كان مطمئنًا لأنه يدرك جيدًا أنه على كف الرحمن، وأنه إنما ينفذ مشيئة خالقه وقد سلم للمشيئة .. في حين نرى الوضع بصورة أخرى مع تيتانيك، فعندما وصلت إشارات من سفن أخرى تحذر القائد باقتراب السفينة من منطقة متجمدة، أخذه الزهو وأعمَت بصيرته الخُيلاء ولم يهتم فهو في مكان حصين ولن تجرؤ الثلوج أن تقترب منه.
تأملوا معي ملابسات بناء وإبحار ومصير السفينتين .. تُرى إلى أي مصير تتجه مصر؟
لا أريد ممن يقرأ مقالي هذا أن يتصور أنني أعني أي تيار أو فصيل بإحدى السفينتين، فقد اختلطت الأمور في مصر بشكل يجعلني أشعر بفوضى في مشاعري وضبابية في رؤيتي وذهول في استقبالي لكل خبر جديد.
الخلاص فقط لمن أخلص في رأيه، لم يبتغ منه جاها ولا سلطة ولا مالا، الخلاص فقط لمن حمل قضية الحب والخير والعدل والحق والجمال أيّا كانت خلفيته السياسية أو أيدلوجيته، وأنا الآن مثل كثيرين أبحث عمن يحب مصر لكنني في كل مرة أتصور أنني وجدته تنكسر فرحتي عندما اكتشفه بعد أن يخلع القناع.
نريد أن نركب سفينة نوح لكن للآن لم يتم زراعة أشجار لنصنع منها السفينة
ساحة النقاش