أطفال الشوارع : أبناء التجاهل والتقصير
كتبت :فاتن الهواري
آن الأوان لنقف وقفة حاسمة مع هذه الكارثة التي تجاوزت كونها ظاهرة، والتي تهدد مجتمعنا وتهدد أمننا وتحولت إلي حقيقة ملموسة شاهدنا آثارها في أحداث تخريبية كثيرة تمس الوطن .. أبطالها القنابل المشتعلة، أطفال الشوارع، ولأهمية هذه المشكلة التي تحيط بنا جميعاً أقام المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية مؤتمراً تحت عنوان «أطفال الشوراع أزمة وطن» وتحت رعاية د. نجوي خليل وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية ورئيسة مجلس إدارة المركز وفضيلة د. علي جمعة مفتي الديار المصرية، وبحضور لفيف من الوزراء والمحافظين والباحثين والإعلاميين في مختلف المجالات
بدأ المؤتمر بعرض فيلم «أطفالنا المعرضون للخطر» تناول نماذج عديدة لأطفال الشوارع، وتم التأكيد من خلاله على أن الفقر والتفكك الأسرى من أهم أسباب المشكلة، وطرح تساؤلاً حول جدوى القانون المصرى الذى يكفل للطفل الحق فى جميع أنواع الرعاية والحماية، وأنه إلى متى سيظل القانون مجرد واجهة حضارية نتفاخر بها فقط دون تطبيق فعلى؟!...
«حواء» كانت هناك وكان لنا أكثر من لقاء مع المعنيين بهذا الموضوع الذى يهمنا جميعاً. كان اللقاء الأول مع د. على جمعة الذى قال: أحب أن أنبه المجتمع المصرى إلي أن الأمر تجاوز المشكلة والظاهرة، ليتحول إلي كارثة، وعندما وجدت هؤلاء الأطفال يركضون ركضاً بربريا للتخريب، تأكدت أن هذا جزء بسيط مما يهدد الوطن، وأننا وصلنا إلى حد الكارثة، ولابد أن تكون أفعالنا وعلاجنا لهذه المشكلة على نفس المستوى، ولا أحب أن استعمل كلمة مشكلة أو أزمة، بل نحن تعدينا كل ذلك إلى مرحلة الكارثة والمصيبة التى تهدد الأوطان ومستقبلها وحاضرها والتى قد انفجرت وستظل تنفجر لأنها كالقنابل المحرمة تنفجر عدة مرات وبطريقة متتالية متباعدة قوية هذا تحذير وحث للناس علي أن يجعلوا لهذه المصيبة الأولوية فى الحل وأن يشترك فيها الجيش ومجلس الشعب والحكومة والقوانين والمجتمع المدنى والناس أجمعون، وأتمنى أن نخرج بتوصيات عملية من المؤتمر حتى نخرج من إطار النظر إلى العمل ونبدأ بطريقة عملية للتخلص من هذه الظاهرة.
زيادة أطفال الشوارع
وكان اللقاء الثانى مع د. على عبد الرحمن - محافظ الجيزة - الذى أكد أن مشكلة أطفال الشوارع فى غاية الأهمية وحلها ينعكس على المجتمع بالاستقرار، وهى تحتاج أن نتضافر ونضع كل جهودنا مع بعضنا لكى نحل هذه المشكلة، والحل له طبيعة مختلفة، ممكن يكون دينياً أو مجتمعياً، اقتصادياً، قانونياً وممكن يكون تشريعياً، هناك حلول يجب أن توضع وكل طرف يحدد له المهام الخاصة به وفى نفس الوقت الجهات المعنية بالحل لابد أن يكون هناك تنسيق فيما بينها بإدارة مركزية بحيث تؤتى ثمارها فى أقرب وقت ممكن، ومن المهم أن يتم الحل على مراحل وفى أقل وقت.
ويشير د. على عبد الرحمن إلي أن محافظة الجيزة حالياً تعالج مشكلة العشوائيات ومناطق فيها تهديد للحياة مثل مساكن عشش السكك الحديدية فى منطقة شارع السودان بحى الدقى والمناطق التى فيها «بدرومات» بحيث يخصص لكل أسرة حجرة واحدة، فالأسرة الآن تستخدم حمامات مشتركة والوضع غير إنسانى مما يتسبب فى مشاكل اجتماعية لها ولأطفالها، وبالتالى تصبح مصدراً لمشكلة أطفال الشوارع وتفاقمها .. كما تتصدي المحافظة لمشكلة أرض عزيز عزت بإمبابة وتبنى حالياً عمارتين لتسكين هذه الأسر وتهيئة السكن المناسب لهم، وهذا يعتبر جزءاً كبيراً من حل المشكلة، حيث إن العشوائيات لها دور كبير فى زيادة عدد الأطفال الموجودين فى الشارع..
وأسأل محافظ الجيزة: وسط الظروف التى تمر بها البلاد هل مشكلة أطفال الشوارع زادت؟
- على الفور يقول: ليس هناك شك.. لقد زادت نتيجة لتوظيف أطفال الشوارع غير الرسمى وغير القانونى.
دور الشرطة
وعن دور الشرطة أكد اللواء د. جمال توفيق - كبير معلمى كلية الدراسات العليا أكاديمية الشرطة- إن أطفال الشوارع ظاهرة غير شرطية وانما ظاهرة مجتمعية، وبالتالى عندما نقول إنها مجتمعية يكون المجتمع ككل قد أسهم فيها، لذا لابد أن يسهم فى حلها.. ولا يجدى أن تنفرد جهة بعينها فى مواجهة هذه المشكلة ويحب أن تسهم الوزارات المعنية سواء كانت وزارت التعليم والقوى العاملة والتأمينات أو المؤسسات الدينية «الأزهر والكنيسة»، وأيضاً وزارة الداخلية لها دور وتنسيق مع كل هذه الجهات، أما انفراد جهة بعينها لا اعتقد معه أنها يمكن أن تحقق شيئاً فى عملية المواجهة، ولابد أن تكون هناك لقاءات دورية كل فترة لندرس ما الذى حققناه وما السلبيات كى لاتتكرر مرة أخرى ونجد فى الشارع المصرى مصادر تدفع بأطفال آخرين مستقبلاً فلابد من غلق المنابع ثم معالجة الأعداد الموجودة فى الشارع المصرى.
مشروع مجرم
وأسأل اللواء جمال توفيق هل أطفال الشوارع يسببون قلقاً للأمن فى الشارع المصرى؟
- طفل الشوارع من وجهة نظرى كرجل أمن مشروع مجرم بل بالعكس أخطر من المجرم الحقيقى لأنه يتمتع بحماية قانونية لكونه حدثاً يعطى له حماية إذا ارتكب خطأ ولايأخذ أحكاماً لأنه فى مرحلة النشئ والرعاية والتربية فى مراحل متدرجة، مع هذا الطفل تبدأ بتسليمه لولى أمره وتوجيه التوبيخ والإنذار إليه وفى المراحل السنية من 15 إلى 18 عاماً يودع لدى مؤسسات رعاية الأحداث ومن هنا مصدر الخطورة فى أمرين الأول: أنه يخضع لحماية القانون والثانى أن هناك استغلالاً لهذه الحماية من قبل المنظمات الإجرامية وهو استغلال الأطفال فى ارتكاب جرائم، ولو ضبط الطفل لايحاكم ولا يعاقب وبذلك نكون أمام مشروع مجرم وفى رأيى أخطر من المجرم البالغ.
> وهل نتوقع أبحاثاً ودراسات من مركز بحوث الشرطة حول المشكلة ؟
يقول مدير المركز: عندنا فى مركز بحوث الشرطة نظمنا ندوتين كبيرتين عن أطفال الشوارع وهذا دليل على أن الشرطة تشعر بالمشكلة.
الجهود الخيرة
وتحدثت المستشارة تهانى الجبالى بحماس شديد قائلة:
أطفال الشوارع جزء من كارثة مصر فنحن نعاني من خلل كبير على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكل هذه الأوضاع مثل الأوانى المستطرقة تصب فى بعضها البعض ومشكلة أطفال الشوارع لن تحل إلا من خلال إعادة توازن المعادلة فعندما نفكر فى الجزء لابد أن نفكر فى الكل هذا أولاً، ثانياً كل هذه الخطط والبرامج شىء محمود جداً بشرط أن ترتبط بالخطط العامة فى المجتمع ولانستطيع أن نحل أزمة جزء دون ربطه ببقية العناصر هذه هى الرؤية العامة للموضوع بالنسبة لى.
وكل الجهود الخيرة التى نفكر فيها فى هذا الاتجاه سواء تنفيذية أو بحثية فضلا عن الجهود الإعلامية والثقافية كلها لابد أن تتحرك فى منظومة واحدة لأنه لايستطيع أحد أن ينجز شيئاً دون الباقين.
> ولكن مشكلة أطفال الشوارع ليست وليدة اليوم ومع ذلك لم تحل؟
إنها جزء من الخلل العام حيث أننا نواجه أوضاعاً كارثية فى المجتمع المصرى نتيجة خلل عام فى كل الأوضاع وإلا ما قامت الثورة، نحن نواجه ما بعد الثورة ولابد أن نربط كل الظواهر بمجمل الأوضاع التى عاشتها مصر قبل وبعد ثورة يناير،لأن أطفال الشوارع لم ينبتوا فى يوم وليلة، وكلنا ندرك أن العشوائيات المفرزة الأولى لهذه الظاهرة ولابد من المعالجة من الجذور وهذا معناه أننا فى حاجة إلى خطة تطوير طويلة المدى لكى نبدأ بها ونعرف أنه خلال عشر سنوات ننهى العشوائيات من القاهرة.
وأسال الجبالى هل ما يحدث فى مصر من فوضي يساعد علي حل مشكلة أطفال الشوارع؟
- لابد أن نعرف أن المرحلة الحرجة التى نحن فيها ليست نهاية المطاف، وأن مرحلة السيولة من الاضطراب من عدم الاستقرار الأمنى ستمر ولنبدأ النظر فى قضايانا الحقيقية التى لم تفتح ملفاتها بعد وهى قضايا النهوض الاقتصادى والسياسى والثقافى والاجتماعى وهذا لن يتحقق فى يوم وليلة بل نحتاج لوضع وثيقة مشروع مصر النهضوى نحن لم نمتلكها حتى الآن، ولم تفتح ملفاتها ولم نتحاور فيها وأمامنا خطوات ومسئوليات ولابد أن يشعر كل منا أن له دوراً فى هذا وأن هناك أملاً.
تجربة الصين
وكان اللقاء الآخير مع مديرة المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية د.نسرين البغدادى، قالت: ربما تكون الأوراق ليست بالجديدة ولكن نحاول أن نخرج بخطط للعلاج ونجمع كل الأطراف المعنية سواء الأمنية، القانونية أو النفسية، وكافة من قاموا على دراسة هذه الظاهرة وتداعياتها سواء كانت عمالة الأطفال فى العشوائيات، أطفال شوارع، التسول، أو الاتجار بالبشر، المسألة إذن كيف يتم الجمع بين هذه الرؤى كلها لأنها كانت متفرقة ولكن كيف نجمعها ونخرج بنتائج قابلة للتطبيق ونجتمع بعد ذلك مرة أخرى لعمل حلقة نقاشية لدراسة كافة الاستراتيجيات القابلة للتنفيذ مع كافة الأطراف المعنية للخروج بخطوات فعالة فى هذا الإطار .. ونحن نسعى جميعاً لخير هذا الوطن، نحن فى أزمة وإذا لم نلتفت إلى أهم الظواهر التى تشمل بؤر توتر للوطن أعتقد أن المسألة تمتد إلى العديد من القطاعات.
وعن تجربة الصين الرائدة لأطفال الشوارع؟
- كنت فى الصين عام 2008 والصين لها تجربة رائدة ورائعة يمكن أن نطبقه وقد زرت مقاطعة كبيرة، ربما تكون أقرب إلى الريف ووجدت نظافة على أعلى مستوى، لم أجد ظاهرة التسول، لم أجد أطفال شوارع وجدت الكل يعمل حتى كبار السن من الخامسة صباحاً حتى الخامسة مساء وبعد ذلك يخرجون إلى الشوارع حتى العاشرة مساء يرقصون ويتغنون؟ مظاهر بديعة وموسيقى، المسألة ليست صعبة، ويمكن تطبيقها، لكن بالصبر والاجتهاد في العمل.
وقبل أن أتركها أقول لها ما تعريف طفل الشوارع فى رأيك؟
- على الفور تقول: طفل الشارع هو الذى يكون الشارع مأوى له يمارس فيه كافة الأنشطة ويجد فيه الملاذ الآمن دون منزله.
وقد استمر المؤتمر على مدار يومين بعشر جلسات نوقشت فيها الأبعاد الأمنية والقانونية والمؤسسية والرؤى النوعية للظاهرة والأدوار والفاعلين فى رسم استراتيجية المواجهة، والرؤية المجتمعية المقترحة لحل ظاهرة أطفال الشوارع.
وكانت الجلسة الختامية عن رؤية الأمة المصرية فى آليات المواجهة وتفعيل الاستراتيجيات .
ساحة النقاش