الأمر"الواجع"

كتبت :ايمان حسن الحفناوي

لم أقابل مصريا هذه الأيام إلا وأشعر أنه إما على وشك "الشيزوفرنيا"، أو سيصل بعون الله إلى مرحلة "الزهايمر"، فما يحدث حولنا كثير على عقولنا استيعابه، خاصة وأن الأحداث المفاجئة تصدمنا بسرعة البرق، فلا نكاد يصفعنا حدث إلا ويضربنا حدث آخر، هكذا دون أي فرصة لالتقاط الأنفاس.

لذا لجأ كثيرون إلى محاولة التعامل مع "سيريالة" ما يحدث، بعضهم تبنى رأيا ثم تحول عنه للنقيض بعد فترة وجيزة، وهؤلاء هم حزب "الشيزوفرنيا"، وبعضهم بدأ ينفصل عن واقعه المرهق وهو ما سيجعلنا نضعه بعون الله في حزب "الزهايمر".

أما البعض الثالث فقد هاجر..

والهجرة قد تكون هجرة أو تهجيرا، وهي أيضا قد تكون هجرة فعلية لمن يستطيع، أو هجرة افتراضية، والاستطاعة هنا ليست مادية فقط ولكنها استطاعة فكرية ونفسية بدرجة أكبر، وتعتبر هذه الهجرة هي أخطر أنواع الهجرات.

فالمهاجر في هذه الحالة إنما يحمل رفضه لأوضاع تثقل كاهله ولا يجد لها تفسيرا منطقيا، هو أيضا يجد نفسه محاطا بعنكبوت أسئلة لا توجد لها إجابات، وإذا وجدت الإجابات فالمصيبة أكبر، إذ أنها إجابات تصّعد التوتر أكثر مما تسكنه.

الأحداث من حولنا متسارعة بشكل مرهق متشابكة بشكل فوضوي، وهي أيضا في معظم الأحيان غير مبررة، وكأننا نحيا في فيلم أكشن، صانعوه أصروا أن تكون درجة الإثارة فيه عالية لدرجة الغثيان.

سباق الرئاسة ومفاجآته العجيبة التي أتصور أنها تفوقت على عجائب الدنيا كلها، فقد أصبح الصندوق الأسود هو البطل هذه الأيام، فكل يفتح صندوقه، و"اتفرج يا سلام على فضايحك يا مصر"، سفير مصر في قطر يهدد بفتح ملفات فساد في سفارات مصر بالخارج، ويناشد المشير حسين طنطاوي بحمايته من وزير الخارجية. واللواء عمر سليمان هو أيضا يهدد بفتح الصندوق الأسود للإسلاميين، والإسلاميون يردون عليه بصندوق مماثل. والشيخ حازم أبو إسماعيل يهدد بفتح ملفات رشوة وفساد، والقانونيون يردون عليه بأنه تستر على فساد لو كانت الوثائق سليمة، وتوفيق عكاشة هو أيضا يطل علينا في إحدى حلقاته ليهدد الشيخ أبوإسماعيل بفتح صندوق أسود، ثم يطالعنا مرتضى منصور على إحدى القنوات الفضائية ليهدد عصام سلطان بفتح ملفاته بخاصة ملف "بُلبلة"؟.

كلهم جاءوا بصناديقهم السوداء.. "هو ما فيش ألوان تانية"؟ أخيرا أدركنا أن طائرة الوطن لم يكن بها إلا الصناديق السوداء، وأنها لم تكن تطير بنا طوال الفترة الطويلة الماضية، إنما كانت تحط على بركة آسنة ونحن لا نعلم، لندرك في النهاية أننا شعب مغيب ربطنا الأحزمة وظللنا سنوات طوال نتصور أننا جميعا في رحلة ستصل بنا إلى أرض الأمان، لنكتشف أننا ما كنا إلا لعبة في يد قلة أرادت تغييبنا، وأننا لم نكن في طائرة وطن بل كنا في مهرجان للبهلوانات، وأن هذه الألوان الزاهية التي كنا نرتديها كبهلوانات ما هي إلا خدعة بصرية.

اكتشفنا كل هذا وأكثر، ومن يومها ونحن نكتشف، إلى أن أتعبنا ما توصلنا إليه من اكتشافات.

لذلك كان علينا أن نرضى أو نثور أو نهاجر.

بعضنا ثار لكنه تعب في النهاية، وبعضنا رضي بالأمر لكنه لم يجد "الأمر الواقع" بل اكتشف أنه "الأمر الواجع"، وبعضنا هاجر، هاجر بداخل ذاته، لملم روحه ونفسه وبقايا أحلامه، حضن إرهاقه وانتحى جانبا يبحث عن قضمة من رغيف النسيان. انفصل عن واقعه، حتى دموعه لا يجدها فقد سافرت، قطعت تذكرة بلا عودة ولن تسكن أبدا مآقيه.

العجيب وما يجعلني أضحك حتى البكاء، أن كثيرين رغم كل هذه الكوارث مازالوا يتصارعون.

على أي شيء يتصارعون والسفينة تزعق فيها صافرات الإنذار؟

هل فقدوا عقولهم، أم أن صراعهم وصياحهم لا يجعلهم يسمعون إشارات الإنذار.

المشهد غائم والكل يتصارع.. وعجبي عليك يا مصر

آخر المشوار

 مصيبة السويس كارثة بكل المقاييس، وما جعلني أشعر بالهلع، خبر قرأته لتوي، أرجو من الله أن يجيرنا منه، فقد حذر اللواء محمد عبد القادر جاب الله رئيس هيئة مواني البحر الأحمرـ كما ورد في البوابة الالكترونية لإحدى المواقع المعروفة ـ من حدوث كارثة، وأكد مصدر لنفس البوابة أن هناك أكثر من 1500 طن من مادة البوتاجاز في مواسير ضخ تحت الأرض بجوار مستودعات النصر للبترول، وأنه في حال انفجار هذه الكمية فسيصبح هذا مساويا لقوة قنبلة ذرية صغيرة.. لطفك يا رب ببلدنا. 

المصدر: مجلة حواء- ايمان حسن الحفناوي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,836,513

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز