فى مجتمع متمسك بموروثاته

السوهاجيات:سنهزم الظروف

ولا عــودة لـلـوراء

كتبت :حميدة سيف النصر

علي الرغم مما حققته المرأة من مكتسبات في مجال العمل والتعليم والحياة السياسية بعد نضال دام سنوات طوال، إلا أن المرأة في المجتمع الصعيدي مازالت تعاني من عادات وتقاليد جامدة سلبتها كثيراً من حقوقها، ووضعتها تحت رحمة ثقافة سائدة عفا عليها الزمن تجسد الشخصية الذكورية لذلك المجتمع، وتجعل من الرجل فرعوناً ومن المرأة عبدة.

«حواء» تجولت في صعيد مصر لتنقل معاناة المرأة الصعيدية وما تلقاه من ظلم وشقاء 

نبدأ بنماذج للمرأة الصعيدية التي مازالت تحلم بالتخلص من كل هذه الرواسب العالقة بذاتيتها الأنثوية دون النظر إلي عقلها أو كينونتها المميزة التي فطرت عليها، مازالت المعاناة مستمرة من خلال أمثلة واقعية نراها تتجسد أمامنا مكبلة بقيود بالية وميراث اجتماعي يحمل كثيراً من التخلف والرجعية في الفكر، تريد الهروب من هذه الشرنقة التي تضيق وتضيق يوماً بعد آخر خاصة عند مواجهتها والاصطدام بواقع اجتماعي لا يرحم المرأة لمجرد كونها أنثي

أحلام مسروقة

نلتقى أحلام السيد- سيدة فى الثلاثينيات من عمرها- زوجة وأم لخمسة أطفال، كانت على مدار سنوات طويلة تحمل أحلاماً كثيرة مثلها مثل بنات جنسها فى أن تتعلم وتدخل الجامعة، تتزوج بمن يحبها ويقدرها، لكن كل هذا سرقته الأيام واختلسته السنون كما جاء على لسانها، وأضافت بمرارة بالغة: تزوجت من قريب لى كنت أحلم معه بحياة كريمة، توسمت أن تعوضنى الأيام عن حرمانى من التعليم نتيجة ظروف والدى المعدمة الذى لم يتمكن من توفير نفقات المدرسة المتواضعة جداً وهنا خرجت لسوق العمل وأنا بنت الرابعة عشرة، كنت أواجه مجتمع غريب، مضايقات الشارع أثناء تجولى بقطع الملابس «التى استرزق منها وأبيعها لحساب محل كبير وأخذ الحسنه بتاعتى» على حد قولها.

فى هذه الأثناء تقدم لى زوجى وهنا قال لى والدى بالحرف لابد أن تتزوجى وتعيشى فى كتف رجل بدأت مأساتى الحقيقية تكمل حلقاتها حول حياتى، فوجئت بعد الزواج بأنه لا يرغب فى العمل، كل ما يقوم به هو خروجه مع أصحابه إلى المقهى وضياع كل ما أتحصل عليه من عملى المرهق، ولما انتقدته واجهت سيلا من الشتائم والضرب المبرح ولو شكوت منه يتصدى أهلى قائلين «أهه راجل والسلام بدلاً من أن تكونى مطلقة» وكما يقولون «ضل راجل ولا ضل حيطة» ثم استمر هذا الوضع المخزى المحزن إلى أن أنجبت ابنى الثالث وأصبت بالعديد من الأمراض نتيجة المجهود فى العمل واللف بالبضاعة على المحلات والبيوت وخدمة الأولاد ومضايقاتهم المستمرة، رغم كل هذا لم استسلم أبداً.. واجهت الظروف بمنتهى الشجاعة بل واصلت تعليمى إلى أن حصلت على الشهادة الإعدادية وعملت عاملة ومازلت أتحرك فى نفس الدائرة، كل مسئوليات الأسرة تلقى على كاهلى دون وجود فعلى لرجل فى حياتى، وأتساءل هل هذا هو الزواج؟ هل هذه هى الرجولة، أقول لهؤلاء من تعلو أصواتهم ضد المرأة مطالبين بتهميشها من الحياة الاجتماعية بدلاً من توجيه أصواتهم للمرأة عليهم بدق أجراس الخطر فى آذانهم للاستيقاظ من غفوتهم نحو أسرهم وزوجاتهم، هل كتب على المرأة وبخاصة الصعيدية أن تلبس ثوب التجمل والصبر طوال عمرها حتى مرقدها الأخير؟ أقول هذا علنا نجد حلاً لآلآف السيدات اللاتى يعانين ظلماً اجتماعىاً كبيراًَ.

آلام امرأة

ننتقل لظلم آخر وضغط من نوع خاص على المرأة فى مجتمع لا حول ولا قوة لها فيه، فاطمة سيدة فى الثانية والخمسين من عمرها، من أحد مراكز محافظة سوهاج، مرت بأحداث كثيرة عصفت بحياتها، تعبر فى ألم يظهر على خلجات وجهها قائلة: تواجه المرأة بشكل عام ضغطاً إجتماعياَ كبيراًَ عند فشل زواجها وهو ما حدث معى.. تحملت آلام سنين كثيرة بعد مواجهة هذا الفشل وإنجابى طفلى الوحيد وضرورة الزواج حتى لا أنتظر على هذا الحال كثيراً، كيف أبدأ حياة جديدة وأعيش مرة ثانية نفس المأساة لمجرد أن أكون زوجة تحيا فى إطار أربعة جدران هذا الوضع غير الآدمى حدث فى الزيجة الأولى، لم أعلم بها إلا بعد موافقة أخى الأكبر وبدأت الخياطة تتردد على البيت للبدء فى تفصيل ملابس الفرح وبعدما تم الزفاف والإقامة في بيت العائلة دون أى خصوصية أو راحة، كنت أقوم بكل الأعمال المنزلية لأننى زوجة الأخ الأكبر، ولما تعبت وشكوت كان الطلاق، وبعده بدأت الأيام المظلمة تعلن عن وجودها أكثر قسوة، إلى أن جاء قرار الأسرة لأتزوج مرة أخرى بسرعة من رجل (يشيل همى) ولكن الرجل الثانى جبروت لا أحد يجرؤ أن يتفاهم معه حول أى مشكلة أو يوجه له أى تساؤل حول عمله أو حياته فى السوق فهو تاجر، المرأة عنده مجرد متاع، تخيلى حياة كهذه، لا أعرف أى شىء عن زوجى، المفترض أننى شريكة حياته، وجاءت النهاية الحتمية الطلاق هذا السيف المسلط على رقبة المرأة حين تقع فى براثنه تفاجأ بقائمة ممنوعات تفرض سياجها حول حياتها البائسة الكل متوجس منها، تشعر المطلقة بأن كل امرأة تخاف منها على زوجها وبيتها حتى أن البعض فى إطار القرابة والمعارف والصديقات يحجمن عن علاقة الصداقة والأخوة التى كانت سائدة ومستمرة قبل الانفصال، كما يحرم على المطلقة فى الصعيد الخروج إلا لسبب منطقى وجوهرى كالذهاب لطبيب أو فى حالات العزاء والواجب، ودائماً توضع تحت مراقبة اجتماعية تتمثل فى شكلها وأفعالها، حتى الملابس والاهتمام بالمظهر أصبح من الممنوعات، وكأن المرأة تتمتع بكل المزايا فى ظل كونها زوجة لرجل فقط وليس من أجلها كإنسانة لها حقوق حتى الإحساس بذاتها، وأرى أن الحال يظل كما هو بالنسبة للمرأة طالما هناك عقول متحجرة لا ترى فى المرأة سوى كونها جسداً فقط دون الاعتبار لعقلها.

أم البنات

هناك شكل من أشكال الظلم الاجتماعى الموجه للمرأة فى الصعيد نتيجة إنجابها البنات دون الذكور فيطلقون عليها أم البنات.. تروى الحاجة زينب مأساتها مع زوجها وأهله نتيجة إنجابها خمس بنات- دون ولد وقائلة: يمثل هذا عيباً خطيراً للمرأة فى الصعيد- أنها لا تنجب سوى بنات- رغم كل ما نعلمه أنها غير مسئولة عن النوع، وإنما يرجع الأمر كله للرجل، إلا أن المرأة تتحمل هذا الظلم الخارج عن إرادتها، فكان زوجى فى كل حمل يهددنى إن كان المولود بنتاً لا تعودى بها إلى البيت ثانية وإنما على بيت أهلك، وينعى حظه العاثر لأنه مفتقد الولد، كأنه الفارس الهمام الذى يحمل معه كل الخير ويواصل امتداد العائلة واسمها، بل وصل الأمر بأن يطلق على نفسه أو من ينادى عليه بـ (أبومحمود) وظل ينتظره سنوات طويلة دون جدوى إلى أن قرر بعد إنجابى البنت الخامسة الهروب نهائياً من حياتى وبناته.. إلى أين؟ لا أحد يدرى عنه شيئاً، استمر هذا الوضع شهوراً طويلة إلى أن علمت أنه تزوج فى المركز، بأخرى أملاً فى إنجاب ذكر يحمل اسمه تاركاً لى مسئولية خمس بنات اضطررت للعمل فى الحقول بأجر لأواصل الحياة معهن.

انتظار المجهول

فى إطار مختلف للظلم والصبر تأتى محطة انتظار المجهول لزوج المستقبل وما تعانيه البنت عندما تقترب من الثلاثين أو تتخطاها بقليل كما تعبر عن ذلك «ناهد أحمد» مدرسة بمحافظة قنا قائلة: منذ تخرجى وخروجى للعمل يتقدم لى العرسان، لكننى لم أشعر بارتياح فمن يعيش فى بيت عائلته الكبيرة،أو من يتقدم وهو متزوج وأب لطفلين أو أكثر باحثاً عن التغيير فى حياته، المهم أن الظروف غير مناسبة إلى أن بلغت الرابعة والثلاثين دون زواج وهذه هى الماسأة الحقيقية فى المجتمع، أواجه الهمز واللمز دائماً أثناء وجودى فى أى تجمع سواء العمل أو البيت أو فى المناسبات الاجتماعية، أشعر بأن أصابع الاتهام توجه لى دائماً- لماذا لم تتزوج إلى الآن؟ لابد من وجود علة أو عيب وطبعاً العيب ليس فى الشخص المتقدم لخطبتى، لأن الرجل لا يعيبه سوى جيبه فى هذا المجتمع الضيق ذى الأفق المحدود، أقول هذا وأنا أتمزق ألماً على وضع المرأة الذى مازال أمامه الكثير لكى تنهض وتتخطى هذه الفترات الاجتماعية الصعبة.

مهنتي مظلومة

تواجه المرأة ضغطاً اجتماعياً حتى من خلال مهنتها فلازال المجتمع يرفض بعض المهن بالنسبة للمرأة كالمحاماه والتمريض والإعلام.. وهو ما تؤكده سناء خليفة المحامية بالاستئناف العالى قائلة: بعض الناس تخاف من الارتباط بمحامية على سبيل المثال متعللين بأنها تخرج كثيراً، ومن الممكن أن تسافر لمباشرة القضايا، وهذا يرفضه الرجل تماماً إلا بمرافقته حتى المحامى نفسه حين يتزوج محامية بدلاً من الوقوف بجانبها ومساندتها يمنعها من العمل كشرط أساسي لإتمام الزواج، .. كيف يطالبها بأن تترك كل ما صنعته وساهمت فيه بدمها وجهدها وسنوات عمرها، وأن تتوارى إلى الخلف وتتخلى عن أحلامها فى إرساء قواعد الحق والعدالة وهذه أعظم رسالة، المشكلة فى رأيى ضيق أفق من جانب الرجل وخوف من تميز المرأة الذى لا يقف أمامه شىء طالما توافرت له عوامل نجاحه بكل حماسها وإقتناعها بالعمل.

> فى رأيك كيف تتخلص المرأة من عباءة الصبر والتحمل التى ترتديها من سنوات طويلة.

- أولاً: لابد من نشر الوعى والثقافة فى المجتمع، لو رجعنا إلى ديننا الحنيف نجده أعطى المرأة كافة حقوقها وأعلى من قدرها وكرامتها، كانت النساء تقابل الرسول صلى الله عليه وسلم وتعرض مشكلاتها، والسيدة عائشة رضى الله عنها كانت تفتى وتعطى دروساً ويأخذ عنها الرجال، إن عمل المرأة رسالة لكننا مع الأيام نريد أن نعود بالمرأة للخلف أن ننتقص من حقوقها ولابد من وجود جهة نسائية قوية لنماذج متميزة فى عملها لحماية حقوق الأخريات .

المصدر: مجلة حواء- حميدة سيف النصر
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 689 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,824,167

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز