لعبة شائكة اسمها:
الخلط بين الفن والسياسة
كتبت : منال عثمان
هل فى الصالح الخلط بين السياسة والفن؟ سؤال أطل برأسه طوال الفترة الماضية بشكل مريب جعل الجانب المؤيد لهذا الرأى -على أساس أن الفنان لابد أنه يكون له وجهة نظر -يشعر أنه لابد أن يأتى بالحاسبة ويحسبها من جديد.. فالمسألة ليست اكليشهات وأصوات زاعقة فى ميكروفونات صدئة.. من كثرة تداولها بين أصحاب اللحى وحالقيها.. بل أعمق من ذلك بكثير وقد تؤثر على الفنان نفسه ومستقبله والتفاف جماهيره حوله فقد، سمح بنفسه أن يوجه منظارا مكبرا إلى رؤيته السياسية المقتنع بها.
ولا جدال القطاعات المتفاوتة من الجماهير.. متفاوتة الرؤى السياسية، حتما مهما بلغت درجة الاتزان النفسى والإيمان أن كل امرئ له ما اختار ستجد نفسها تسحب من رصيده داخلها فجهره برؤيته السياسية المخالفة لها يدفع بالقطع ثمنه
- فى سنوات سابقة أدلى الجيل السابق بدلوه وقرر أن الفنان لا شأن له بالسياسة كممارسة، لكن رأيه هو حر فيه على شرط أن يحتفظ به لنفسه وعلى العكس فى الخارج مثلا (رونالد ريجان) رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق بدأ حياته ممثلا وعاشقا للسياسة وتدرج فى مناصبها حتى تولى أمريكا سنوات عديدة.. والنجم (أرنولد شوازينجر) يعشق السياسة أيضا وتولى منصب عمدة فى إحدى الولايات .. و(كلينت أيستود)، الموضوع بالنسبة لهم مختلف تماما فالديمقراطية هناك تحمى الميول والأهواء السياسية والكل بصراحة لديه وعى وتفتح، وحريته لا تجور على حرية الآخرين، لكن هنا الخلط بين الفن والسياسة موضوع صعب للغاية وليس الآن بل منذ زمن بعيد، فتحية كاريوكا مثلا كانت سيدة وطنية للغاية ولها موقف وتزوجت يوما من أحد الضباط الأحرار وسجنت.. وهددت بالسجن أيام المسرح السياسى الذى قدمته مع فايز حلاوة فى مسرحيات «البغل فى الأبريق» و«يحيا الوفد» وغيرهما وأغلقت المسرحيات وشمع المسرح بالشمع الأحمر... كل هذا لأنها جاهرت برؤيتها السياسية التى لم يحتملها السادات الذى جمعته بها الصداقة قبل أن يتولى الرئاسة وتعلم الدرس زملاؤها والأجيال التى بعدها.. لا سياسة خارج جدران بيته.. إلى أن اندلعت ثورة يناير ولم يعد هناك سبب لأن يظل الفنانون على حالهم، نزلوا الميدان وطالبوا بالحرية والعيش والعدالة مثل أى مصرى وبرز منهم الكثيرون، خالد الصاوى وعمرو واكد وجيهان فاضل ومخيون وغيرهم..
وبدأت المراحل الأخرى التى كانت بها صعوبات كثيرة خضناها جميعا بقلب مفعم بالسعادة بعد حرية تصورنا أنها دانت لنا.. حتى جاءت انتخابات الرئاسة وبرز السؤال من جديد.. من الفنان الذى سيجهر برأيه فى عين الشمس ويقول إنه يؤيد فلاناً من الـــ13 مرشحاً؟ وقد يكون أول المنضمين لحملته البعض تردد.. حسب الحسابات فحتما مؤيدو المرشحون الآخرون سيفقدهم فنحن شعب حساس ولنا حساباتنا ومن نعطه ظهرنا لسبب ليس بهين كهذا صعب أن نلقى عليه يوما التحية بعد ذلك.. ولم يعبأ المخرج خالد يوسف مثلا وسار مشوار ثورجيته إلى آخره مع المرشح حمدين صباحى.. حتى أوصله إلى لجنة التصويت وكان أبرز من فى حملته.. الآن خالد يواجه هجوما شرسا حتى من بعض أقرانه لأنه خلط دون حسابات بين فنه وتوجهاته السياسية، حتى ولو كانت بعد ثورة اندلعت.. كذا حنان ترك التى قامت بجهد مع حملة مرشحها د. عبدالمنعم أبوالفتوح الذى يرى البعض أن اختيارها ملائم لأفكارها الآن لكن ما كان من المستحب أن تعتلى المنصات وتلقى الحوارات من أجل تأييد الدكتور.. وظهور آثار الحكيم التى أيدت أبوالفتوح أيضا على الفضائيات لتعلن تأييدها أعتقد أيضا غير مناسب فالخلط بين الفن والسياسة لعبة شائكة للغاية لابد من الانتباه لأخطارها، والحقيقة هذا يحتاج لعقلية وصيغة خاصة مثل نور الشريف مثلا الذى رفض دائما أن يكون ضحية لهذه اللعبة أو محمود ياسين الآن انتهت اللعبة (چيم أوفر) والجولة أصبحت بين مرشحين آخرين وجاء موسم الحصاد فاكتشف الفنانون الذين أعلنوا التأييد لهذا أو ذاك أنهم (ضربوا كرسى فى الكلوب) صورتهم اهتزت.. انتماءاتهم أغضبت جماهيرهم من المعسكرات الأخرى فحذفوا أسماءهم من أجندة الإعجاب بهم كفنانين أصحاب عطاء.. قد يتصور أحد أن هذا عقاب نؤيده .. فنحن ليس لنا رأى فى هذا.. لكن ما نؤكده أن الخلط بين الفن والسياسة والجمع بين هذين الشتيتين قد يكون صعباً جدا.. ومن يقترب مهما بلغت حذاقته واتساع أفقه حين يفتح خزائنه سيكتشف بعض الخسارة
ساحة النقاش