معركة على الحب
عندما يغار الأهل على الأبناء!
كتبت : نجلاءأبوزيد
«ابني يحب أمه أكثر مني، ابنتي تحب أختي أكثر مني» ألبي كل طلباتهم ثم يميلون لأمهم علي حسابي. عبارات كثيرة قد يرددها الأب أو الأم تعكس مشاعر غيرة من نوع خاص.. تعكس إحساسا بأنه ليس المفضل في قلب ابنه أو ابنته، وأن هناك آخر يحتل هذه المكانة فما سبب هذه المشاعر؟ وما تأثيرها علي الوالدين؟ وهل تغير في أسلوب التعامل مع الأبناء؟ تساؤلات طرحتها «حواء» علي العلاقة الأسرية، محاولة الوصول إلي طبيعة «الغيرة» التي أحيانا ما تحكمها؟
يقول مدحت طاهر - موظف بإحدى الشركات الخاصة -:
من الطبيعى أن أغار عندما أشعر أن أولادى مرتبطين بأمهم أكثر منى لأنها تجلس معهم طوال اليوم، بينما أعمل فى عملين لأن راتبى الأساسى لا يكفى نفقات الأسرة، وتمر أيام دون أن أراهم خاصة فى الدراسة عندما ينامون مبكرا. لكن لا تؤثر على علاقتى بهم لأننى أعتبر هذا حال كل الرجال، نحن نعمل ونوفر الاحتياجات ثم تأخذ الأمهات الحب كله.
ويرى هشام صبحى - موظف - أن زوجته سيدة فاضلة واعية لذا تحاول إشراكه فى كل ما يخص الأولاد وعندما تشترى لهم أى لعب أو ملابس تحدثهم عن مدى تعبى فى عملى حتى أوفر لهم النقود اللازمة لشراء هذه الاحتياجات، وعندما أعود للبيت أجدهم يشكروننى على ما قاموا بشرائه من أشياء، فأشعر بالسعادة والامتنان لها، لأنها تشرح لهم مقدار حبى وتجعهلم مقدرين لمجهودى وإن كنت ألحظ أن البنات أكثر ميلا لى رغم عدم جلوسى معهم لفترات طويلة. وحتى إذا أحب الأولاد أمهم أكثر فهذا لن يضايقنى فهى أمهم وأكيد لن ينسوا أننى أبوهم.
وتحتلف معه السيدة إيناس طه - ربة بيت - قائلة:
أكاد أجن من الغيرة، فعندى ولد وبنت أشعر أنهما يعاملاننى بوصفى «الشاويش عطية» أما والدهم فهو ««النجدة» التى تأتى من السماء ، والسبب ببساطة أننى أخاف على مصلحتهما أما هو فلا يفكر إلا فى أن يحباه. فأنا أمنعهما من اللعب فى الشارع وإن استئذناه يسمح لهما فورا . أطالبهما بالمذاكرة وهو يدعوهما للسهر معه أمام التليفزيون يشترى حبهما بالفوضى، ولأننى حريصة عليهما أحافظ على شدتى من أجل مصلحتهما، وأتوقع أن يفهما ما أفعله عندما يكبرا.
ويؤكد أشرف عادل - موظف - أنه يغار من حب أولاده الشديد لحماه ويتشاجر مع زوجته لهذا السبب كثيرا، ويقول:
- حماى رجل متيسر ماليا ويعتبر أولادى هم كل ما لديه لأن زوجتى هى ابنته الوحيدة ويغدق عليهم بالهدايا والفلوس لدرجة أنه يعطى ابنى الأكبر مصروفاً شهرياً ووعده بشراء سيارة له عندما يلتحق بالجامعة، وأنا الحمد لله مستور لكن لا أنفق عليهم بنفس البذخ، ودائما يتهموننى أننى لا أحبهم مثل جدهم لدرجة أننى حلفت على زوجتى بألا يذهبوا عنده إلا مرة كل شهر لأقلل هذا الارتباط الذى يضعف دورى، فما أرفضه من طلباتهم يلبيه هو ويشعرنى بالتقصير، ونفذت ذلك فترة ثم اكتشفت أنه كان يذهب لرؤيتهم أمام باب المدرسة ويلبى طلباتهم، فرضخت للأمر الواقع. لكننى أعانى نفسيا وزوجتى تتفق معى وتلمح لوالدها أكثر من مرة لكنه يعتبرهم أولاده لدرجة أن ابنى يقول لى يابابا ويقول لجده «يابابا على».
الفيللا!!!
شيرين - مدرسة - ترصد غيرتها من حب أبنائها لشقيقتها قائلة:
- أولادى يحبوننى ووالدهم وأنا متأكدة من ذلك، لكن من الحين للآخر تنتابنى غيرة من شقيقتى الأكبر فهى عاشت بالخليج فترة وعادت لتبنى فيللا قريبة من شقتى وأولادها الكبار دائما مشغولين مع أصدقائهم لذا تدعونى وأولادى للذهاب عندها حيث يلعبون فى الحديقة ويسعدون ، وإذا ذهبت للمصيف تصر على اصطحاب ابنتى التى تعتبرها صديقة لها وأوافق على مضض حتى لا تحزن ابنتى ولا أختى، لكنى أشعر أن ابنتى مرتبطة بأختى أكثر منى وأن أسرارها معها. تسمع كلامى ولا تغضبنى لكن قلبها مع أختى عندما تشعر أختى بذلك تجبرنى أنها لن تخطف ابنتى وأنه الأفضل لنا جميعا أن تكون هى صديقتها بدلا من أن تختار واحدة أخرى فى سنها تضرها. زوجى يتهمنى أننى السبب وأن ذهابى لمنزل شقيقتى كثيرا سيضيع أولادنا ، لكننى أحبها وليس كغيرها بعد وفاة أمى ومتأكدة أنها تحب أولادى وأن الشيطان هو من يلعب بعقلى ، وأننى لا يجب أن أغار منهم وأولادى لن يأخذهم أحد منى.
أنا وحماتي!!
«حماتى استأثرت بأولادى لذا قاطعتها لأحميهم» هكذا بدأ عصام على - مدير إدارة - حديثه وقال:
تزوجت منذ ما يقرب من عشر سنوات، كانت حماتى خلالها شخصية طيبة تعمل وتعيش فى بيتها مع زوجها تأتى لزيارتنا بين الحين والآخر وتلعب مع الأولاد، لكن منذ عام تقريبا تغير كل شيء توفى زوجها وخرجت على المعاش وتفرغت لنا وجاءت لتعيش معنا فترة ولم أرفض لأنها سيدة محترمة، لكنها بدأت تغدق فى الانفاق على الأولاد بدرجة أخافتنى لقد رأيت ابنتى تدخل البيت وتذهب إلى جدتها لتطلب منها نقوداً وأنا جالساً ولم تطلب منى شيئاً، تحملت عدة مرات حتى شعرت أنها تسرق أولادى فلم يعد لى كلمة عندهم ، ما أرفضه تنفذه لهم وما أعجز عن شرائه تشتريه حتى زوجتى بدأت تعترض على تصرفاتها ، حتى طلبت منا أن يذهب ابنى للاقامة فى شقتها فى الإجازة ورفضت وغضبت وتركت البيت واعتبرت ما حدث فرصة لاسترداد حب أولادى. فالغيرة على الأبناء حق كل والد محب.
وإذا كانت هذه تجارب الأهل مع الغيرة على الأبناء ورفضهم ارتباطهم نفسيا بآخرين فكيف يرى المتخصصين الأمر.
د. سعيد عبدالعظيم - أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة - علق قائلا:
- الغيرة غريزة فطرية خلقها الله داخل كل شخص وهى قد تكون معقولة عند الكثيرين لكن قد تتعدى الحدود عند البعض ، وهنا تتحول لشعور مؤلم، وإذا ركزنا على غيرة الآباء على أبنائهم فسنجد أن الأب والأم يحبان أولادهما أكثر من أى شخص آخر ويبذلان قصارى جهدهما لإسعاد هؤلاء الأبناء ، وأحيانا يشعر الأبناء أن هناك تميزاً لبعضهم أو أن هناك ابناً مفضل عند أبيه. ولكن حتى مع هذا الشعور الذى يكون فى العادة غير حقيقى يحبون أبويهم. ولكن قد يحدث أن ينشغل أحد الأبوين عن أولاده هنا ينتابه شعور بأن أبناءه يميلون لأمهم أو أى شخص آخر وينتابه الشعور بأن هذا الآخر يريد أن يأخذ منه أولاده. هنا يعتبر هذا الشخص عدو له يحاول الحد من سيطرته على أبنائه وتنتابه مشاعر القلق والتوتر، وإذا كان هذا الآخر أفضل اقتصاديا منه ينتابه الشعور بالعجز لأنه يرى أن الآخر هو المفضل عند أولاده وأن هذا يؤلمه نفسيا والصغار عادة لا يفهمون مثل هذه الأمور. لذا يغضبون من أهلهم عندما يمنعونهم عن شخص ما يحبونه لأنهم غير قادرين على استيعاب السبب الذى جعل أبويهم يرفضان ارتباطهم بهذا الشخص والذى عادة يكون قريبا من العائلة. وأضاف أن مشاعر الغيرة من حب الأبناء لآخرين تزداد تأثيرها على الأم عن الأب لأنه بحكم انشغاله اليومى قد لا يلتفت إلى مثل هذه الأمور، أما الأم منها فهى عادة تعتبر نفسها مالكة لأولادها ولا يجب أن يحبوا أى مخلوق أكثر منها حتى والدهم، لأنها من حملتهم تسعة أشهر ثم عانت الكثير حتى كبروا.
وأضاف أن هذا الآخر يتعرض لحالة رفض شديدة من أحد الأبوين الذى يغار منه أو كلاهما. وهنا يجب ألا يمنع الأب أو الأم أطفالهم عمن يغاروا منه لكن الأفضل أن يقووا الترابط النفسى بينهم وبين أولادهم، فكلما كانت العلاقات قوية داخل الأسرة كلما كانت مشاعر الغيرة من حب الأبناء لآخرين أقل تأثيرا على هذا الكيان الأسرى. وأوضح أن الأب لا يغار من حب الأبناء للآخر أكثر منه أو العكس إذا كان الطرف الآخر يتلذذ فى إشعاره بذلك وبأنه الأفضل وأن الأبناء يحبونه أكثر، وهذا خطر على الأسرة ككل. لذا على كل من الأب والأم أن يدربا أبناءهم على حبهما سويا، وعدم استخدام أسئلة من نوعية بتحب مين أكثر أو القول أن هذا الابن يحب أمه أكثر، أو أن هذه الابنة تحب أبيها أكثر، فهذا التكريس لبعض المقولات يخلق مناخ الغيرة. فعندما نحب أبناءنا يجب أن نحب ما يحبوه، وألا نغار من الآخرين، لكن أن نثق فى أنفسنا ونعمل على زيادة ارتباطهم بنا دون أن يكون ذلك على حساب أحد
ساحة النقاش