الأحمق
كتب : محمد الحمامصي
عزيزي القارئ اسمح لي بأن أنقل إليك دون تدخل بعضا مما ورد في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسادتنا من أهل العلماء والصالحين، في شأن "الحمق والحمقى"، تاركا لك تلقي المعاني والدلالات والإيحاءات، حيث أرى أن "الحمق" صار داء يبتلى به الكثيرون حتى ليشكل انتشاره ظاهرة تنتشر في أرجاء مجتمعنا، سواء بين عامته وخاصته، الأمر الذي أرى فيه خطرا كبيرا على سلامة بنيانه الاجتماعي واستقراره النفسي وثوابته خاصة حين يأتي من خاصته من أهل الحل والربط، القدوة والمسئولية، الذين أصبحوا لا يتحسبون في سلوكياتهم وتصريحاتهم وقرارتهم، وما يمكن أن يترتب عليها من مآس وكوارث.
وردت أحاديث نبوية شريفة في ذم الحمق؛ ففي الحديث: "نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مُصيبة، خمش وجوه وشق جيوب ورنَّة شيطان" "رواه الترمذي وقال: حسن صحيح".
وعن الأسود بن سريع رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئًا، ورجلٌ أحمق، ورجل هَرِم، ورجل مات في فترةٍ. فأما الأصم فيقول: لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا. وأما الأحمق فيقول: يا رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر. وأما الهَرِم فيقول: يا رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئًا. وأما الذي مات في فترة فيقول: ما أتاني لك رسولٌ. فيأخذ مواثيقهم ليُطيعنَّه؛ فيرسل إليهم أنِ ادخلوا النار، فوالذي نفسي بيده لو دخلوها كانت عليهم بردًا وسلامًا"، "رواه أحمد والبيهقي وابن حبان".
قال الإمام علي "كرم الله وجهه": "الأحمق إن استنبه بجميل غفل ، وإن استنزل عن حسن نزل ، وإن حمل على جهل جهل ، وإن حدث كذب ، لا يفقه ، وإن فـُقـّه لا يتفقه".
وقال أيضا "الأحمق من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه ".
وقال جعفر الصادق: "الأدب عند الأحمق كالماء في أصول الحنظل، كُلما ازداد ريًّا زاد مرارة".
قال ابن أبي زياد: قال لي أبي: "يا بُني الزم أهل العقل وجالسهم، واجتنب الحمقى؛ فإني ما جالست أحمق فقُمت إلا وجدتُ النقص في عقلي"..
عن أبي إسحاق قال: "إذا بلغك أن غنيًا افتقر فصدِّق وإذا بلغك أن فقيرًا استغنى فصدق، وإذا بلغك أن حيًّا مات فصدق، وإذا بلغك أن أحمق استفاد عقلاً فلا تُصدِّق".
وعن الأوزاعي أنه قال: "بلغني أنه قيل لعيسى بن مريم عليهما السلام: يا روح الله، إنك تُحيي الموتى؟ قال: نعم؛ بإذن الله. قيل: وتُبرئُ الأكمَهَ؟ قال: نعم بإذن الله. قيل: فما دواء الحمق؟ قال: هذا الذي أعياني".
وقد نظم هذا المعنى بعضهم فقال:
لكل داءٍ دواءٌ يُستطبُّ به .. إلا الحماقة أعيت من يداويها
وقيل تعرف حماقة الرجل في ثلاث "في كلامه فيما لا يعنيه ، وجوابه عما لا يسأل عنه ، وتهوره في الأمور "
و"احذر الأحمق ، فإن الأحمق يرى نفسه محسنا وإن كان مسيئا، ويرى عجزه كيسا وشره خيرا" و"لا يستخف بالعلم وأهله إلا أحمق جاهل".
ومن علامات الحمقى:
قال أبو حاتم بن حيَّان الحافظ: "علامة الحمق سُرعة الجواب، وترك التثبُّت، والإفراط في الضحك، وكثرة الالتفات، والوقيعة في الأخيار، والاختلاط بالأشرار، والأحمق إن أعرضت عنه أعتم(يعني عبس)، وإن أقبلت عليه اغترَّ، وإن حلُمتَ عنه جهل عليك، وإن أحسنت إليه أساء إليك، ويظلمُك إن أنصفته".
وقال بعض الحكماء: "من أخلاق الأحمق: إن استغنى بطر، وإن افتقر قنط، وإن فرح أشِرَ، وإن قال فحُش، وإن سُئل بخِلَ، وإن سأل ألحَّ، وإن قال لم يُحسن، وإن قيل له لم يفقه، وإن ضحك نَهَقَ وإن بكى خار".
وقال عمر بن عبد العزيز: "ما عدمت من الأحمق فلن تعدم خلَّتين: سُرعة الجواب، وكثرة الالتفات".
يُروى عن الأحنف بن قيس أنه قال: قال الخليل بن أحمد: الناس أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري، فذاك عالم فخذوا عنه، ورجل يدري وهو لا يدري أنه يدري، فذاك ناسٍ فذكروه، ورجل لا يدري وهو يدري أنه لا يدري فذاك طالبٌ فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك أحمق فارفضوه"
ساحة النقاش