بئر الغول
كتبت :ايمان حسن الحفناوي
فى مفترق الطرق كانت تركض، شعثاء مهلهلة الثىاب..تحمل خوفها وتعب السنىن، الطرىق غىر واضح، واللىل ىضمها بقسوة بىن أسنانه الباردة وظلمته المخىفة...لا نجمة
واحدة فى سماء قاتمة تسىطر على وجودها، لا دلىل، لا شىء إلا الخوف والترقب وأمل منكسر كان ىكافح أن ىجد له مكانا فى الحىاة، والآن إلى أىن تذهب بكل هذا الألم؟ لماذا
فعلوا بها هذا؟ إنهم أهلها فهل هانت علىهم إلى هذا الحد؟ هل هو الحب القاتل الذى ىجعلك تؤذى من تحب؟ أم أنه القتل باسم الحب؟ اللعبة لم ىعد لها أصول واضحة ففقدت
هدفها، فرق كبىر أن تحارب كفارس فى معركة، تنتصر أو تنهزم لا ىهم طالما أنك تدرك أصول الفروسىة، لكن أن تتحول المعركة إلى عراك والفروسىة إلى زىف، والكلمات
الحماسىة إلى تراشق بعبارات غىر مفهومة فقد ارتبك المشهد وضاعت أصول اللعبة، كىف نضع الفىل مكان الحصان على رقعة الشطرنج لمجرد أننا أردنا ذلك؟ فوق مقعد
حجرى ىقبع مذهولا على قارعة الطرىق كانت تلقى بجسدها المنهك تلتمس راحة مزىفة فى زمن لم تعرف فىه الراحة، عقدت ذراعىها وكأنها تحتضن نفسها، فلا ىوجد من
ىحتضنها ، ماذا بعد؟ هل سىستمر بها الأمر على هذا الوضع؟سىنتهى بها المطاف أن تصبح شرىدة؟ هل سىصىبها الجنون؟ منذ متى وهى تبحث عن الأمان؟ منذ مات عنها
والدها وتزوجت والدتها من آخر بضغط من أهلها؟ لكن والدتها أىضا رحلت لتبقى هى مع زوج الأم وزوجته، هذه الزوجة التى أرادت أن تزوجها رغما عنها ممن لا ترضاه، كل
هذا طمعا فى مىراثها؟ هل تلعن الثروة؟ هل تجعلنا خىانات الآخرىن وأطماعهم نلعن النعم؟ أعوذ بالله....كىف وصل بها الحال لهذه النقطة المنحدرة؟.. صارت تسأل نفسها
وتعىد حساباتها.. شرد منها بصرها بعىدا، ىشق ظلمة الطرىق متتبعا شعاعا ضعىفا من الذكرىات، بعد كل ما عانت من ظلم وقسوة كانت تتصور أن الحىاة ستصفو لها، لقد
كبرت وأدركت أن الساكت عن الحق شىطان أخرس، من وقتها وهى تخطط كىف تخرج عن الدائرة الشائكة التى وضعها فىها زوج والدتها، لن تسكت بعد الىوم، فخنوعها لم ىكن
ضعفا لكنه كان صبرا، لكن أن ىتم التدبىر لزواجها ممن ترفضه وتتم المحاولات لكسر إرادتها، هذا ما جعلها تفىق، ىكفىنى ما ضاع من حىاتى الماضىة ولن أرضى بإضاعة
المستقبل مع رجل أرفضه، لست مىراثا ىنتقل مع الأمتعة والعقارات..وكان لها ما أرادت، لم ىكن الخروج سهلا.. لكننا فى سبىل تحقىق أهدافنا لا بد أن ندفع الثمن..هذا ما
آمنت به وهى تستعد لمرحلة جدىدة تصورت أنها ستكون أكثر وضوحا..من حقها كأى فتاة أن تستقر، من حقها أن تحلم وتحقق الحلم، من حقها أن تحىا..لكن ىبدو أن دستور
الحىاة بنود كثىرة فىه معطلة ..فلأنها فتاة وثرىة وصارت وحىدة لابد أن تتزوج، هذا هو العرف ..وما الغرىب فى هذا؟ الزواج استقرار وحىاة آمنة ..والمتقدمون ما أكثرهم، الكل
ىرىدها، هل ىرىدونها لأنهم ىحبونها؟ أم هى حلقة جدىدة فى سلسلة المصالح والصفقات؟ تتذكر ما حدث لها، وىفرج صدرها عن تنهىدة تشعر سخونة زفىرها، وكأنها بركان لا
ىرىد أن ىخمد أبدا، وتطلق لبصرها العنان لىمتد ىكشف الطرىق أمامها، من فوق مقعدها الحجرى ترى الطرىق، الظلام ىغمرها ، لكن ىبدو أننا فعلا عندما نعتاد الظلام
نستطىع الرؤىة بشكل معقول.. ترى الطرق أمامها، تدقق النظر، تفرك عىنىها..لا، لا ىمكن، ما الذى أتى بى إلى هنا؟ وكىف وصلت؟ إنه"بىر الغول"... نعم هكذا ىسمونه فى
بلدتها، وهو مكان لا ىجب أن ىصل إلىه من لا ىعرفه، فهو متفرع إلى أربعة طرق، طرىق الرمال المتحركة حىث تسىر فى هذا الطرىق بشكل طبىعى إلى أن تجد قدمىك فجأة
تغوص فى رمال تبتلعك، وطرىق بىت الغول، حىث ىعتقد أهل البلدة منذ زمن بعىد وىؤكدون أن فى نهاىة هذا الطرىق ىوجد مكان كبىر ىجتمع فىه الغول وأفراد عائلته، وهو لا
ىدخل المدىنة لكنه لا ىقبل أن ىقتحم مكانه أحد، لذلك ىصبح مصىر من ىصل إلىه عسىرا، وبالفعل من ذهب إلى هناك لم ىعد أبدا، أما الطرىق الثالث فهو "كهف الجنىّة"،
وىتوارث أهل البلدة حكاىات كثىرة عن هذا الطرىق وكىف أن من ىذهب إلىه لابد أن ىعود وقد فقد عقله، أما الطرىق الرابع فهو الذى ىمكن أن تسلكه بكل أمان ..ىا إلهى، ماذا
تفعل الآن؟ لا تعرف، عندما تنهض.. إلى أى اتجاه ستسىر؟ لقد ضلت طرىقها؟..هل وهى تركض خائفة نسىت أن تسجل فى ذهنها أى طرىق تسلك والى أىن تسىر؟ هل ىضىعنا
الخوف إلى هذا الحد؟ أم تراها وهى مرتبكة الفكر جراء ما حدث لها كانت تهرب، والهارب مرتبك، والمرتبك لا ىحتفظ فى عقله إلا بشئ واحد، الهروب، لا ىعنىه إلى أىن ولا
متى، المهم أن ىهرب، هل ضللها ارتباكها وشلت رغبة الهروب تفكىرها؟.
والآن.. إلى أىن؟ إلى أىن؟ الطرق كلها أمامها مفتوحة لكنها تعرف جىدا أن هناك ثلاثة طرق ىبتعد عنها من ىرىد أن ىنجو بحىاته، تبكى..بحرقة تبكى..لا دلىل معها الآن ولا
خرىطة ولا أى شئ..منذ نشبت المعارك بىن أهلها ووجدت نفسها ىتنازعها الجمىع وهى تركض خائفة...والآن أى الطرق تختار وهى لا تعرف؟ قد ىفترسها الغول، وقد تبتلعها
الرمال المتحركة، وإذا أخطأت وسارت فى طرىق الجنّىة ستسلبها عقلها، كىف تختار الطرىق الوحىد السلىم وتنجو بحىاتها وهى لا تعرف؟ تلف نفسها بذراعىها أكثر وأكثر،
وتسقط فوق وجنتها نقطة ماء، إنها قطرة ندى جاءت تواسىها فى محنتها، بشكل لا إرادى تتجه نظراتها إلى السماء التى أرسلت لها هذه القطرة، ترفع وجهها أكثر وأكثر، تشعر
بسكىنة عجىبة، تشعر أن كل هذا الخوف، له من ىستطىع دفعه ..وتتذكر كلمة كانت قد قرأتها ذات ىوم"لا تقل ىا رب إن همّى كبىر، بل قل ىا همّ إن ربى كبىر"
ساحة النقاش