ربيع القرآن
كتبت : ايمان حسن الحفناوي
في هذه الأيام المباركة تحتفل الأرض والسماء بشهر فيه ليلة خير من ألف شهر، وهو شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا بكل خير وبركة، ولهذا الشهر العظيم أسماء عديدة، فهو شهر القرآن وهو شهر الرحمة، العتق من النار، شهر الخيرات، هو أيضا ربيع القرآن، فقد قال صلى الله عليه وسلم إن لكل شئ ربيعاً وربيع القرآن شهر رمضان. وهو أيضا الشهر المقسم إلى ثلاث حلقات، فأوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره العتق من النار، نسأل الله رحمته ومغفرته وعتقنا من النار. ويأتي علينا هذا الشهر الفضيل ونحن في دوامة حقيقية، حيث المطامع من الداخل والخارج تتربص بمصرنا تريد التهامها، فهل سيصوم المتربصون مع الصائمين؟ وإذا صاموا فهل مع إطلالة العيد سنجد بلدنا وقد صارت تقسم إلى كعكات صغيرة توضع فوق لوح من الصاج لتدخل إلى آتون المطامع، تصطلي بنار المؤامرات، وعندما تخرج تتهافت عليها الأيدي وتستعد لها أسنان حادة وأفواه مفتوحة وبطون جائعة، لتتفتت الكعكات فلا ينالها أحد بل تذهب طعاما لنمل الأرض؟ هل سيحدث هذا؟ حتى هذا السيناريو الصادم بات حلما نتمنى الوصول إليه لأنه يعدنا بأن شهر رمضان قد يمر في أمان، وأنا شخصيا أشك في هذا، فطالما كثير من النفوس مريضة، وبعض الضمائر عفنة فماذا سيفعل شهر فضيل في تنقيتها؟ أعرف أن كلامي صادم، وأن خيالي موجع، وأن نظرتي ليست على ما يريده القارئ من تفاؤل واستبشار، لكنها الحقيقة، على الأقل من وجهة نظري المتواضعة، لقد حاولت أن أنثر السكر على ملح استشرافي لما سيأتي، وحاولت إذابة العسل في ماء علقم. فلم أحصد الراحة، فما يحدث في بلدنا يستدعي القلق، تخوين هنا، وتشويه هناك، اختلاط الحابل بالنابل، سيريالية مشاهد وتلاحق أحداث بشكل هيستيري، اتهامات بغير دليل، تراشق بالعداوة، لم تعد المسألة ساحة حرب لها قواعد وأصول، بل صارت أرض عراك ، وفي ساحة الحرب أنت فارس وجندي ومحارب ولك قضية تدافع عنها أيا كانت هذه القضية، لكن الأمر يختلف في أرض العراك والتي لا تعرف إلا اللاخطة واللاقواعد، حتى شريعة الغاب صارت حلما لا نصل إليه لأنها على الأقل لها أصول وإن كنا نرفضها، لكن ما يحدث فعلا فاق كل هذه التسميات، لنصبح في عراك، والعراك هو التلاحم الوحيد الذي لا ينتصر فيه أحد، لأنه يعتمد الغوغائية واللامنطق، لذلك فحتى الرابح فيه خاسر وبجدارة. كل هذا فكرت فيه وأنا أستعد لاستقبال أطهر شهور العام، وأعملت عقلي، إننا ننتظر هذا الشهر لنتطهر ونغتسل وننقي أرواحنا التي تعلق بها الآفات والآثام رغما عنا أو بإرادتنا كل عام، ولا نعرف هل سنكون أحياء في رمضان قادم أم نكون قد ودعنا الدنيا، لذلك فهو فرصة ماسية لمن فهم قدره، فهل بكل هذا الخوف وهذا الارتباك سنحيي أيام وليالي الشهر الفضيل؟ هل سنستطيع أن نتناسى كل ما يدور حولنا ونعيش روحانيات الشهر ونغنم قبساته؟. والإجابة نعم، نستطيع، بل هو فرصتنا الحقيقية لذلك، وقد يكون الفرصة الوحيدة المتبقية. علينا أن نعتبر أنفسنا جنودا في معركة شريفة، وأن يكون سلاحنا التقرب لله رب العالمين، إذا أردنا الخلاص لبلدنا مما هو محدق بها فعلينا أن نلجأ لمن خلقنا لاسيما في أيام هذا الشهر، من أول دقيقة فيه بل من أول لحظة، لا ندع لحظة تمر دون التوجه للعلي القدير عله يسمعنا، وهو يسمعنا، نتوجه إليه بقلوب أدهشتها المعاصي وأذهلها الضياع، وصار الخوف صاحبها والقلق ضيفها الدائم، بقلوب باتت تعرف أنه لا مهرب من الله إلا إليه، وطننا في خطر عظيم، والخطر بات أكبر وأقرب مما يتصور كثيرون، والله أكاد أرى هذا الخطر رأي العين، فلا ينبغي أن تلهينا الدنيا أكثر من هذا ليأخذنا الله أخذ عزيز مقتدر ونحن في غينا ولهونا فنصير أثرا بعد عين، سنقاتل جميعا ونحارب جميعا، ونتحد جميعا وإن أبعدتنا المسافات، وسنتضرع لله، سنقف ببابه في هذا الشهر لا تلهينا ملاهينا ولا تشغلنا أنفسنا، وسيسمعنا، وسيجيبنا بإذن الله، انتبهوا فبيننا وبين الهاوية شعرة رفيعة، سنعمل جميعا على ردم هذه الهاوية، بأن يلقي كل منا فيها ما يسدها، من تقرب لله بالصلاة والصيام والقيام، بقلب سليم وروح خاشعة وأرواح وجلة من مصير قد يكون اقرب إلينا مما تظنون، وكلما ألقينا فيها بشئ باتت أهون، إلى أن نسويها بالأرض وتصبح سهلا بعدما كانت فخا. إذا كنا لا نملك لا سلطانا ولا نفوذا ولا جاها، فنحن نملك ما هو أكثر لننجو بأنفسنا وبلادنا، نملك نفخة مقدسة من رب العالمين، نملك كنز الدعاء والذي يقول عنه سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم"لا يرد القضاء إلا الدعاء"، نملك أرواحا لو استطعنا ترويضها لأصبحنا عبادا ربانيين فقد قال الله في الحديث القدسي" عبدي أطعني تكن عبدا ربانيا تقل للشئ كن فيكون. وقال الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم "لا يغنى حذر من قدر والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيتعالجان إلى يوم القيامة" فعليكم عباد الله بالدعاء
ساحة النقاش