كتبت : تهاني الصوابي
ورغم محاولات المغرضين تشويه صورة جمال عبدالناصر، ورغم الهجمة الشرسة على الزعيم، الذى اجتمعت عليه الجماهير من المشرق إلى المغرب، ورغم محاولات البعض التشبه به، أو التعلق فى أزيال زعامته، فسوف يظل هو الزعيم الأوحد والوحيد الراسخ فى أذهان الجماهير شيوخها وشبابها، وأيضا أطفالها من الذين لم يعيشوا عصره، ولم يروا منه سوى لقطات أرشيفية، وأعمال درامية يجىء فى مقدمتها «ناصر 56»، الذى أعاد فيه محفوظ عبدالرحمن الحياة إلى ذكرى زعيم مصر، ومفجر ثورتها الحقيقية وباني نهضتها المعاصرة، حيث يروى «ناصر 56»، قصة الحب والعشق الفكرى والسياسى بين «ناصر» و«محفوظ» ، وما أحوجنا فى ظل نظام يسعى لتشويه صورة زعماء مصر جميعهم ممن لا ينتمون إلى التيارات الإسلامية، خصوصا الزعيم جمال عبدالناصر إلى كاتب فى قامة محفوظ عبدالرحمن، الرائد فى مجال الكتابة الدرامية التاريخية، وقد كرمه مهرجان الإسكندرية السينمائى هذا العام فى دورته الثانية والأربعين، وكان تكريمه بمثابة تكريم للمهرجان، وليس تكريماً لمحفوظ عبدالرحمن.. حيث كان تواجده فى أروقة المهرجان، وندواته وفعالياته وإضافة كبيرة، وشهدت جلساته زخما من الكتاب والنقاد والصحفيين ينهلون من خزانته التاريخية، وخبرته الحياتية الكثير والكثير .
سألت الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن عن الشخص المسئول عن إدارة ندوة تكريمه فقال الكاتب والناقد «الأمير أباظة» وأضاف «هو أقدر من يقدمنى للجمهور، ويحاورنى، هو عجنى وخبزنى ودارسنى ومذاكر محفوظ كويس» ، فإذا كان الأمير أفضل من يقدم محفوظ عبدالرحمن للجمهور، فإن أقدر من يقدم جمال عبدالناصر للأجيال الجديدة هو محفوظ عبدالرحمن الذى أستطاع أن يخلق حالة سينمائية متفردة، بل ظاهرة لم تتكرر لفيلم سابق وتناول السيرة الذاتية لأحد الزعماء، حيث خرج المئات من الأطفال فى العاشرة، والحادية عشر من العمر وشبابا فى الخامسة عشر والسادسة عشر من العمر يصطفون فى طوابير أمام دور العرض وقت عرضه عام 1996 ليشاهدوا «ناصر» .. «محفوظ»، خرجوا دون إشارة من مرشد، أو توجيه من حزب من منظم ومدعوم بالسلطة، أو وصاية لمعرفة ملابسات وظروف أهم قرار فى تاريخ مصر الحديثة، ونبذات عن الرجل الذى وراء هذا القرار ، فى لحظات الانكسار والانتصار، حيث القرار «بتأميم شركة قناة السويس» شركة مساهمة مصرية، فى صرخة مدوية بميدان المنشية بالإسكندرية، أعلنها جمال عبدالناصر عام 1956، من أجل تمويل السد العالى الذى حمى أمتنا من الجفاف والفيضان، ووفر المياه للبيوت والأراضى ، وإنتاج الكهرباء لبر مصر من أسوان إلى الإسكندرية بلا انقطاع بحجة زيادة الأحمال، وليس بتصدير الكهرباء إلى قطاع غزة .
لقد أنصف محفوظ عبدالرحمن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بعد حملات متتالية من التشويه لصورته ، بدأت منذ السبعينيات، وتبلغ شدتها الآن، حيث زمن الإخوان ، وانصف ناصر محفوظ الذى استحق لقب عميد الدراما التاريخية، حيث كان ناصر البداية لسلسلة من الأعمال التاريخية الخالدة كأم كلثوم، الذى يعتبر من أفضل الأعمال الدرامية التليفزيونية فى السير الذاتية .
تبرز قدرة محفوظ عبدالرحمن إبداعه فى اختيار مدة لا تتجاوز ثلاثة شهور من حكم جمال عبدالناصر الذى امتد 16 عاما، واعتبرها المؤرخ أهم وأخطر فترات قيادته لمصر منذ بداية التفكير فى تأميم قناة السويس، واتخاذ القرار واعلانه وما ترتب عليه من العدوان الثلاثى على مصر وكيفية إدارته للأزمة بحنكة ودراية ومقدرة، حتى أن بعض المؤرخين اعتبروا قرار عبدالناصر «تأميم قناة السويس»، أهم إنجازاته السياسية، ويكفيه فخرا، فكم من رؤساء يجلسون على كرسى الحكم يخرجون بلا إنجاز حقيقى، سوى الإنجاز بالدين أو قوت الشعب المصرى الغلبان، ولن يذكرهم التاريخ، ولو تذكرهم فلن ينالوا شرف الزعامة، فقد ولى زمن الزعماء برحيل جمال عبدالناصر، ولن يخلدهم أمثال محفوظ عبدالرحمن .
ما أحوجنا الآن إلى روائع محفوظ عبدالرحمن فى الأعمال التاريخية، والسير الذاتية التى تعد بمثابة صدمات إبداعية للجمهور تزيل الغبار عن أفكاره ورؤياه تجاه الزعماء الخالدين بأعمالهم وليس بأقوالهم
ساحة النقاش