الدراما بين المثالية
وخدش الحياء
كتبت : منال عثمان
فى خريف أحد الأيام بفندق "الكونتنينتال"الشهير بالعاصمة الضبابية لندن جلس النجم العالمى الشهير "أنتونى كوين" بين ثلاثة رجال يحاورونه بشأن تحويل حياة الملياردير العالمى الراحل "أوناسيس" لفيلم سينمائى والثلاثة هم (المخرج وواضع السيناريو وممثل شركة الإنتاج)،وظلوا يتحدثون حول حياه "أوناسيس" الباذخة والترف والرفاهية وطائرته الخاصة ويخته الشهير( جاكلين )..
ومدى روعته وهو يتسلق سلم الكفاح درجة درجة منذ أن كان عامل فحم فقير حتى أصبح من أثرى رجال العالم،و"كوين" لا ينبث بكلمة..فتصوروه عازفا عن أداء الدور فزادوا من قيمة الأجر الذى سيأخذه لكنه أوضح أنه حين يتصدى لأداء دور "أوناسيس" لايريد أن يقدمه وكأنه ملاك هبط للأرض لم يخطىء أو يتجاوز أو يعقد الصفقات المشبوهة أو يتحالف ولو لبعض الوقت مع الشيطان لتمرير الصفقات وتوضيح أن للثراء ثمنا باهظا ويتطلب بعض التنازلات ..فسماؤه لم تكن تمطر ذهبا..إنه يريد أن يقدم حياة الرجل بأمانة بما له وما عليه.. وأسقط فى أيدى الرجال الثلاث .. ماذا لو نبشوا فى سيرة "أوناسيس" ووجدوا ما لايسر؟ وحتما سيجدوا، وماذا لوطاردتهم أسرته بالقضايا لأنهم اخرجوا المختبىء؟ وكانوا قد توصلوا لـ"أثينا" حفيدة "أوناسيس"المتبقية الوحيدة بعد وفاة ابنه فى حادث طائرة وابنته "كريستين" أم "أثينا"،ووافقت الحفيدة وخرج للنور أحد أجمل وأوقع الأفلام الهوليودية عن حياة أحد المشاهير
المثالية
وحقيقة الأمر أن الدراما خصوصا دراما السير الذاتية خط فنى محفوف ببعض المخاطر خصوصا فى الشرق وتحديدا فى مصر،ودائما ماتجد على الطرف الآخر من النهر أسرة صاحب السيرة تريد سيرة ذكية ناصعة البياض لانقطة سوداء تهز الصورة،وهذا يفقد الدراما ذاتيتها القائمة عليها وهى الصراع سواء مع الظروف أو الفقر أو التجاهل أو.. أو.. والأجندة الدرامية لدينا بها العديد من هذه التجارب.. فعلى الرغم من قيمة وثراء ونجاح مسلسل "أم كلثوم" وماحققه بسبب إبداع "إنعام محمد على،ومحفوظ عبد الرحمن" وأيضا نجوم العمل.. لكن كان هناك سؤال ظل دائرا فى الأذهان هل كانت أم كلثوم بهذه المثالية؟ لم تخطىء يوما أو لم تتغلب عليها بشريتها بما أننا كلنا بشر وزلت قدميها فيما لايحمد عقباه؟ مؤكد حدث كما حدث لمولانا الشيخ "الشعراوى" الذى قدمت أيضا سيرة حياته بشكل ناصع وهو رحمه الله علامة دينى وحامل للقرآن وأعظم مفسريه ..لكن لقد كان له شبابه وأخطاءه الذى غض الطرف عنها صانعوا المسلسل .. أوكما حدث فى (الأيام)عن قصة حياة الدكتور"طه حسين" ..فهل كان هذا الرجل المتحدى الأشهر للإعاقة دائما صبورا رائعا مقدرا دائما للظروف ومتقبلا بصدر رحب لكل هذه العثرات التى وضعت فى طريقه !! أو "العندليب" عن حياة "عبد الحليم حافظ "، وهل كان لابد عندما ينتبه صانعوا الدراما وكتابها لهذا الأمر أن يسارعوا لتلافى المثالية الشديدة والصبغة الملائكية التى يضيفونها على حياة صاحب السيرة أن يجنحوا كثيرا ويظهروه بسلبيات صعبة جدا كسواد القلب وخطف الرجال ومعاقرة الخمر والدوس على الرقاب أو الطيبة لدرجة العبط وأشياء من هذا القبيل كما فى أعمال عدة كـ"السندريلا أو إسماعيل ياسين أو أسمهان أو كاريوكا"
خدش الحياء
ألا توجد منطقة وسط بين المثالية وشرخ الصورة إلى هذا الحد،ألا تتسع الدراما ونحن أربابها شاءوا أم أبوا لطريقة نقدم بها السيرة أو حياتنا بشكل عام بشكل وسطى لايجنح للمثالية ولا للخروج السافر هكذا عن النص كما فى الدراما السوداء القاتمة التى قدمت مؤخرا وفتح أبوابها المخرج "خالد يوسف" وكأنه فتح أبواب جهنم بدراما العشوائيات ومايحدث بها من شكل مهين لقاع المجتمع المصرى،فقد نتقبل التجاوزات من كل صنف إلا ماقدمه "خالد" فى أفلام "حين ميسرة،والريس عمر حرب،ودكان شحاتة و.. و.. " فنحن مهما طحنتنا الظروف تحكمنا منظومة أخلاقية تتأفف من كل هذا الانحلال الذى يخدش الحياء وتحمر الوجنتين بمجرد تذكره..
فى هذه المرحلة نأمل أن تتوازن الدراما فلا تلقى علينا بالغلالات البيضاء وأيضا لا تقذفنا بما يسىء إلينا .. فهل يحدث ؟
ساحة النقاش