افلام فتح الملفات الشائكة
كتبت :منال عثمان
هناك دائما لحظة فارقة تجد السينما المصرية نفسها فى حالة أقرب لتصلب شرايينها إن أردنا وصفا يحبو أو يقترب من الحقيقة المرة..فالهوة تتباعد لدرجة تكثيف الضبابية بينها وبين مجتمع من المفترض أنها انعكاس لشكله وجوهره وسماته فتعود السينما لتلملم شتاتها الفارغة من المضامين وتفتح شرايينها وذراعيها لتجارب موهوبين يضخون فيها الدماء الذكية لتغير السينما جلدها وتبدأ مرحلة نأمل بشدة أن تكون مرحلة مهمة لهذا التاريخ العريق
أول القصيدة كان فتح الملفات الشائكة سواء التى مر عليها زمن مثل حادث القطار الشهير فى العياط والذى حوله المؤلف والسيناريست "أحمد عبدالله" إلى تفاصيل مرعبة فى متابعتها وممتعة لدرجة الذهول فى فيلمه ( ساعة ونصف )،وأيضا القدير صاحب الخبرة المخرج "يسرى نصر الله" وفيلم فتح به الباب على مصراعيه لنرى تفاصيل روائية أقرب للتسجيلية أو الوثائقية لثورة 25 يناير ولم تنقصه الشجاعة ليفتح هذا الملف ونتصفح معه بعض أوراقه فى فيلمه (بعد الموقعة).
ساعة ونصف
وهذا الفيلم نموذج متميز للبطولة الجماعية..فقد ضم 36 ممثلا وممثلة من خيرة نجوم مصر.الكل كان فى مكانه تماما ولعل هذه أول حسنات المخرج "وائل إحسان" فى هذه الدراما المحبوكة لدرجة الإبهار من خلال مجموعة من المسافرين فى قطار..كل منهم أتى من خلفية مختلفة لها مفرداتها وثقافتها وعاداتها وكأن كل الفئات المصرية تشكلت فى بانوراما موجعة فى هذا القطار تصدمنا العشوائية والتجاهل والفقر والجهل والمرض، وتسحبنا بقوة فى نهاية الفيلم مشاعر الالتفاف والتسامح والترابط -أنها مصر فى قطار- لو أردنا حقيقة واضحة ولعل الفكرة التى وصلتنا أنه لابد للمصريين من التضامن وتشابك الأيدى وبعض التنازلات للوصول لخط التقاء واحد ننطلق من خلاله حتى لا تلتهمنا عجلات القطار..مع كل هذا التنافر الذى نعيشه توقفنا أمام مشاهد لايمكننا إلا أن نتوقف أمامها مثل حكاية القديرة "كريمة مختار" التى أركبها ابنها القطار ومعها جواب لمن يجدها أن يذهب بها لدار مسنين !!
كم كانت رائعة وأدمت قلوبنا بأدائها، أو الدكتورة سناء التى لعبتها "يسرا اللوزى" الطبيبة التى تعانى من زوجها الجاهل الذى يرفض نجاحها وأداه باقتدار "فتحى عبد الوهاب"، وحكايات أخرى "لسمية الخشاب وأحمد بدير وهالة فاخر"،والكثير من أبناء النجوم الكبار الذين أثبتوا جدارة حقيقية ولو أننا تأففنا من مشهد هو بعينه قهر المرأة عندما ضرب "محمد عادل إمام" امرأة بسيطة،ولنا ملحوظة الكل خرج من جلباب أبيه اخرج أنت أيضا.
بعد الموقعة
أما فيلم "يسرى نصر الله" فيعد الفيلم الأقوى لتأريخ ثورة 25 يناير والأكثر جسارة واقترابا والحدث الأهم الذى بنيت عليه الدراما الجسورة هذه هو "موقعة الجمل" ..تدور الأحداث حول ريم -الناشطة السياسية التى تعمل فى مجال الإعلانات وتقرر بأن تقوم بإجراء بحث ميدانى ،وتلتقى بمحمود الخيال الذى يعيش فى منطقة نزلة السمان وشارك فى أحداث موقعة الجمل وتعرض للضرب من الثوار.. الفيلم رصد بشكل أقرب للتوثيق السينمائى مشاهد محفورة وحية فى ذاكرة المصريين مثل الهتافات ضد المشير السابق والمجلس العسكرى ومشاهد من خطب ولقاءات (خالد على)الذى رشح نفسه للرئاسة واللجان الشعبية للأهالى وأوقات حظر التجوال ولقاءات الكتلة المصرية،وكل هذه التفاصيل التى عاشها الشعب المصرى بعد أن قام بثورته .الفيلم أحداثه الروائية تقع على عاتق ثلاث شخصيات الناشطة السياسية (ريم ،ومحمود الخيال ،وزوجته) وقام بالأدوار "منة شلبى" بشكل مقنع يوضح مدى قناعتها هى بالدور ومدى قناعة "يسرى نصر الله" بها ..أمامها "باسم سمرة" صاحب الوجه المصرى بكل خصوصيته وزوجته التى لعبتها الممثلة الشابة "ناهد السباعى" التى أرى أنها بوجهها المصرى بقوة وفطرية أدائها وتلقائيتها رسمت خطوات واضحة فى مستقبلها فهى رغم حداثة تجربتها لوفتشت لن تجد أخرى أجدر منها لأداء هذا الدور.
تدخل ريم حياة محمود وتتكون ذرات قصة حب فى رأينا أضعفت المحتوى ولم تضيف للعمل فى حين الدور الذى أداه "صلاح عبدالله" كان مهما للتوازن والهارمونى الدرامى فهو انعكاس لإحدى شخصيات الحزب الوطنى.
الفيلم علامة أخرى توضح اختلاف وتميز "يسرى نصر الله" فقد كان أول مخرجينا الكبار الذى أدلى بدلوه السينمائى وقدم تجربة عن الثورة وأحداثها أو أهم أحداثها إن صح التعبير..ستبقى وتعيش خصوصا أن الشكل الوثائقى بعض الشىء الذى اختاره أعطى الفيلم بُعدا واقعيا.
ساحة النقاش