فى الدستور
أنا أفكر.. إذن أنا موجود
بقلم :امل مبروك
أنصحكِ وأنصح نفسى بعدم الثقة فى أى رمز من الرموز التى تطلق على نفسها النخبة، أو التى تدعى العلم بمعايير الخطأ والصواب، ولا تجهدى نفسك كثيراً فى استنباط المغزى من وراء مايقوم به المعتصمون فى التحرير أو المتظاهرون أمام جامعة القاهرة، يمكنك فقط الاستعانة بالمقولة الشهيرة : "أنا أفكر، إذن أنا موجود" قبل اتخاذ قرار بشأن أى أمر يتعلق بمستقبلك ومستقبل هذا الوطن، لأنه فى ذات الوقت هو مستقبل أبنائك، وربما يكون الاستفتاء على الدستور هو أكثر الأمور التى تأخذ حيزاً كبيراً من تفكيرنا ووقتنا هذه الأيام ، فالآراء كثيرة ومتعارضة ومتشابكة، وللأسف الشديد معظم الآراء إن لم يكن كلها لها أهداف أومصالح خاصة وليست عامة.
وكم كنت - وما زلت - أتمنى أن يكون التفكير الموضوعي هو الغالب على السياسيين والمثقفين من كل أطياف المجتمع، بدلاً من التفتت والتشرذم ثم الصدام والعراك، ليصبح عامة الشعب لديهم شعور بأنهم يدورون فى متاهة تصيبهم بالدوار والضيق والضجر .
الحاكم والجلاد
إن التفكير العلمى يكون أكثر شيوعاً في المجتمعات التي أخذت من السبق الحضاري قدراً لا بأس به ، وأظننا أولى به من أى مجتمعات أخرى لكى يصل بنا بعد ذلك إلى الحكم الموضوعي .. حتى على أنفسنا ، وياله من مطلب صعب .. وصعوبته تكمن فى أن كل واحد من أفراد النخبة جعل من نفسه حاكماً وجلاداً فى نفس الوقت معتقداً أنه المالك الوحيد للحقيقة أو المعلومة الصحيحة والملتزم الوحيد نحوها التزاماً كاملاً بنشرها وتنفيذها .. وهو ما نراه ونسمعه من الإسلاميين والليبراليين والاشتراكيين وغيرهم من أطياف السياسيين فى بلدنا، ناهيك عن عدم إدراكهم أن لكل ظاهرة من الظواهر حدوداً دنيا وقصوى ومن لم يدرك تلك الحدود وقع في المبالغة ، إما إلى أقصى اليمين أوالى أقصى الشمال .. ولهذا نرى كل طرف ينحاز بشدة لما يراه ويأخذ الأمور بشكل متطرف .. إما سلبية أو إيجابية، بينما الطبيعى هو أن يحتوى أي شيء على الاثنين معاً،ً ولا يكون جيداً إلا بقدر ما تقل فيه السلبيات وتزداد فيه الإيجابيات .
ووسط التحيز والتعصب لابد وأن يكون تعميم الأحكام هو النتيجة الطبيعية فلو قُدر لشخص التعامل مع أفراد فئة معينة ووجد منهم بعض السلبيات لعمم هذه السلبيات على كل أصحاب تلك الفئة .. وما أسهل إلقاء الاتهامات ثم إصدار أحكام بالإقصاء .. ومن القضاة إلى الصحفيين إلى المحامين إلى الإسلاميين إلى الليبراليين .. لاتوجد فروق فى عدم تغليب الفكر الموضوعى
الحق والعدل
وحتى نصل إلى التفكير الموضوعي علينا بالتخلص من كل ما سبق ذكره من السلبيات المخالفة له، ومن أراد أن يزيد على ماذكرت فالمجال واسع ، لكن هناك نقطة محورية وهى أنه قد يختلط على أذهان البعض مفهوم الموضوعية، كممارسة ذهنية وممارسة عملية، وتتداخل لديهم المفاهيم المرتبطة بالتفكير الموضوعي والسلوك الموضوعي، فالموضوعية كـ "ممارسة ذهنية" هي عملية تفكير ترتبط بالموضوع الذى يشغل بالنا فقط, وتهدف إلى الوصول للحقيقة، في حين أن الموضوعية كـ "ممارسة عملية" هي السلوك الذى يرتبط بالفرد والآخرين ويهدف إلى إقامة الحق الذى سبق الوصول إليه .. أي أنها تطبيق عملي لما نراه حقاً وفقاً لمعايير موضوعية.
إذن التفكير الموضوعي يهدي إلى الحق، والسلوك الموضوعي يقيم العدل، وبالحق والعدل تقام الحضارات .. فهل يأتى اليوم الذى نتبنى فيه الموضوعية فكراً وسلوكاً ؟
وحتى يأتى هذا اليوم ليتكِ تقرئين مواد الدستور بنفسك أو مع أسرتك أو أقاربك وأصدقائك، ثم استفتِ قلبك وعقلك ونفذى ما توصلتِ إليه
ساحة النقاش