كتب : طاهر البهي

تتزايد بصورة تدعو للقلق والانتباه الرسائل التى تتجمع فى بريدى لنساء من مصر محكوم عليهن أحكاما نهائية بالسجن فيما يعرف بقضايا «حرق البضائع» بعد أن يشترين بضائع من أجهزة كهربائية ومنزلية غالية الثمن بمقدم مالى بسيط، ثم يكتبن على أنفسهن شيكات بدون رصيد، وبالطبع لا يسددن الأقساط عمدا، بعد أن يبعن البضائع ربما بنصف قيمتها وربما بأقل من ذلك لاحتياجهن للمال بسبب المرض أو عمليات جراحية، أو دفع مصاريف المدارس للأولاد، أو تجهيز البنات وسترهن - على حد وصفهن - وتبعا لقانون الشيك يتم اقتيادهن إلى مصيرهن المحتوم وهو سجن القناطر للنساء!

ودائما ما أتوقف طويلا أمام أصحاب تلك الرسائل وقفة الحائر، فليس هناك من حل إلا «التسول عليهن» وهو ما أسعى جاهدا لأن أقلل من ذلك الحل البغيض، فأنا فى الغالب لا أتعاطف مع أصحاب تلك القضايا، بل - من ناحية أخرى - أمقت كل أساليب التسول، تلك الظاهرة التى انفجرت فى شوارع وميادين ومقاهى مصر، وبأساليب تتفنن فى استجلاب الدموع، وسلب ما فى الجيوب، ومن فرط نجاحهم فى ابتكار وسائل جديدة للتسول، وأفكار خادعة، صادمة فإننى أجد أحيانا مصريين بسطاء للغاية، يفرغون قروشهم الزهيدة فى أيدى هذا المتسول الذى يقف فوق أحد الكبارى، ويندمج فى أكل رغيف حاف!

أو تلك المرأة التى تضع طفلا على رأسها، ورضيعا على صدرها، فيما طفلة ثالثة تمسك بذيل الجلباب أو النقاب!

هؤلاء يجب أن تحتويهم الدولة، لأن أعدادهم المتزايدة وحيلهم المبتكرة تدمى قلوب الكثيرين، على الرغم من أن أكثر من 90% منهم لا يستحقون الصدقة، ولديهم ما يكفيهم لسنوات، بل إن أحد المواطنين قال إنه يعرف أحدهم علم اليقين، وأن هذا المتسول يمتلك محلات ومنزلاً مستقلاً، وأنه من مدخنى المخدرات!

هذا ما يستوقفني أمام كاتبات رسائل الاستغاثة من سجينات قضايا حرق البضائع، توقف الحائر، فقضيتها تجعل من الصعب التعاطف معها، وإذا تعاطفت فإنه من المستحيل أن أطلب من القراء أن يشاركونى ويشاركوها التعاطف، فهى - أو هن - مهما كانت أحوالهن الاجتماعية والاقتصادية صعبة وقاسية، لكن ذلك لا يمنع من كونهن مشاركات فى جريمة متكاملة الأركان، يعرفن مقدما نتائجها البشعة، وأنه لا ينبغى عليهن أن يعالجن الفقر بالجريمة، ولكن ما الحل؟

أعنى الحل الذى يتجاوزن به الحدث؟

أرى أن الدولة لابد وأن تدرس حالة هؤلاء النساء ومن الغريب أن نجد الغالبية العظمى من أصحاب تلك القضايا نساء.. انتهت الملاحظة - وأن تتفضل على مواطنيها بحل أزمة باتت أشبه بالظاهرة فى المجتمع المصرى، وأن يكون ذلك فى سياق أن طرفى القضية هما مصريان علينا أن نحميهم ونحمى بيوتهما وأموالهما، فالدولة يمكن أن تتفق مع مؤسسات مالية وبنكية على سداد المبالغ محل النزاع فورا، مقابل تشغيل هؤلاء النسوة، وخصم ربع مرتبهم حتى ينتهى الدين، وبالتالى نحميهم من قضايا السجن ومن العوز والفقر.. والجريمة..

وقد يكون مناسبا أن تقرأوا معى سطوراً قليلة من رسالة واحدة أبكتنى:

«أنا .... تعدى عمرى الستين عاما، ولدى ابن معاق ذهنيا، وفقدت زوجى حزنا على ابنى المعاق وعدم استطاعته توفير العلاج له، أصبت بالمرض ورغم ذلك أعمل لدي الناس بالأجر.. اضطررت لشراء بضائع وكتابة شيكات وحكم على بالسجن.. فلمن أترك ابنى المعاق؟»....

هذه قضية ألقى بها إلى أيدى حكومتنا الغراء، وأذكر فى النهاية أن المرأة البسيطة ختمت رسالتها بقولها: «ده انتو اتصالحتوا مع رجال الأعمال تقوموا تسجنوا أم السيد؟!»

المصدر: مجلة حواء- طاهر البهي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 804 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,466,403

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز