كتب : محمد الحمامصي

يمد هذا الكتاب "التغيير الآمن .. مسارات المقاومة السلمية من التذمر إلى الثورة" للكاتب والباحث د.عمار علي حسن مفهوم المقاومة على اتساعه، ليناقش الأشكال الأخرى لها، والمهملة في حياتنا الفكرية والعملية على حد سواء، بدءا من المقاومة بالمنهج، أو إيجاد طرق تفكير تلائم واقعنا، وحتى المقاومة الحضارية، التي تبحث عن مقاربة لبناء حوار حضاري فاعل وخلاق، مرورا بالمقاومة الحذرة أو التحايلية، والمقاومة المدنية التي تبدأ من الغمغمة وتنتهي عند العصيان. وقبل كل ذلك يركز الكتاب على ضرورة البحث عن إطار فكري مغاير، يعتمد على منظومة قيم سياسية بديلا للأيديولوجيا.

ويؤكد د.عمار في كتابه أن كل تقدم حققه الإنسان في هذه الحياة قام على أكتاف المقاومة، التي تبدأ بكلمة "لا"الرافضة لقبول الأمر الواقع إن كان متخلفا أو مهينا أو كريها. ويضيف "كل ما يجري حولنا نبت من رحم المقاومة، فالإنسان قاوم التصاقه الدائم بالأرض وجاذبيتها القوية فحاول أن يطير، وراح يجرب الطيران من دون كلل ولا ملل، ابتداء من عباس بن فرناس الذي ثبت أجنحة في جسده ، وانتهاء بالمركبات الفضائية التي تجول على الكواكب مرورا بالأخوين رايت اللذين اخترعا طائرة بدائية بسيطة، هاهي تتطور حتى تصل إلى الحال التي هي عليه الآن، في مقاومة لسلطان المكان على الناس. وقاوم الناس المسافات الطويلة بين القارات الست بثورة عارمة في مجال الاتصال، حولت العالم بأسره إلى قرية صغيرة".

ويوضح أنه بالطريقة نفسها تقاوم كل الكائنات، فالنمل يقاوم البرد بتخزين قوته أيام الصيف، والأرانب البرية تقاوم أعداءها من الحيوانات المفترسة بحفر الجحور الطويلة في الأرض، والقنفذ يقاوم بشوكه الأفواه المتأهبة لالتهامه، والسلحفاة تقاوم بجلدها السميك، ويقاوم الجمل نعومة الرمل بخفيه الطريين المفرطحين القويين في الوقت نفسه، وفي المياه الدافقة تقاوم بعض الأسماك الصغيرة والرخوة بضخ شحنات كهربائية تبعد عنها الأسماك الكبيرة، أو تحتمي بالصخور البحرية المستقرة في الأعماق.

والأمر نفسه ينطبق إلى حد كبير على الجماد، فالشادوف يمتلئ بالماء ويقاوم كتلة الحجر المثبتة في الطرف الآخر، وهذه الحال متكررة في كل الروافع، فهناك ذراع القوة وذراع المقاومة، وكلما كانت الأولى أقصر من الثانية سهلت المهمة على الإنسان، والعكس صحيح تماما، وتتعدد أنواع هذه الروافع، فتتوزع عليها الأدوات والآلات التي نستخدمها في حياتنا اليومية، وتقع عليها أعيننا في كل مكان، وفيها جميعا تتجلى كل معاني المقاومة.

وفي ضوء ذلك يرى "الحياة كلها يترتب بعضها على بعض أو يقاوم كل منها الآخر، فيدفع الله الناس بعضهم ببعض حتى لا تتهدم صوامع وبيع، وتتغذى الحيوانات في الغابات على بعضها البعض، وكذلك الحشرات والطيور والزواحف، حتى لا يختل التوازن البيئي، ويتدخل الإنسان ليحمي الأرض الخصبة من التصحر، ويمنع الأطعمة من التعفن بالتبريد والتمليح والتسكير والتجفيف والتدخين والتخليل. وهناك قول مأثور منسوب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يجيب فيه عن سؤال حول أشد جند الله فيقول: الجبال، والجبال يقطعها الحديد، فالحديد أقوى، والنار تذيب الحديد، فالنار أقوى، والماء يطفئ النار، فالماء أقوى، والسحاب يحمل الماء، فالسحاب أقوى، والريح تعبث بالسحاب، فالريح أقوى، والإنسان يتكفؤ الريح بيديه وثوبه، فالإنسان أقوى، والنوم يغلب الإنسان، فالنوم أقوى، والهم يغلب النوم، فأقوى جند الله الهم يسلطه الله على من يشاء".

ويؤكد د.عمار أن "هذا الترتيب العجيب الذي يتداخل فيه المادي مع المعنوي يتأسس على المقاومة، فكل شيء يدفع ما قبله، في سلسلة قد تستدير في حياتنا الدنيا ولا تنتهي، إذ يمكن مقاومة الهموم بالاستغراق في عمل مضن وشاق، ينجذب إليه كل كيان الإنسان تماما، وقد يكون هذا العمل هو تفتيت الصخر، وتكسير الأحجار، كما يفعل السجناء، فنعود إلى النقطة الأولى، ونبدأ منها دائرة دنيوية جديدة، تنطوي على أشكال وصنوف ودرجات لا تنتهي من المقاومة".

الكتاب الذي يضم ثلاثة عشر فصلا، تتدرج من النظري إلى التطبيقي مرورا بالإجرائي، يبدأ باستهلال سرد فيه المؤلف تجربته الشخصية في ثورة يناير، مشيرا إلى أنه بدأ هذا الكتاب عام 2006، " كنت أحسب أن لحظة التغيير آتية، وأن من الضروري أن تكون هناك رؤية نظرية شاملة حولها، وكان هذا في إطار موسوعة كاملة عن المقاومة بشتى ألوانها وأشكالها واتجاهاتها، لكن الثورات العربية اندلعت قبل أن يرى الكتاب النور، وآثرت أن أدفع بما انتهيت إليه في هذا الكتاب، ليكون مرجعا للباحثين عن أفضل السبل إلى التغيير الجذري الآمن"  

المصدر: مجلة حواء- محمد الحمامصي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,811,903

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز