يا أيها العقلاء .. أين أنتم

بقلم :أمل مبروك

من كان له رأس فلابد أن يكون له عقل، ومن كان له عقل فلابد أن يفكر ويحلل ويستنتج، فإذا فسدت استنتاجاته دلّ ذلك على فساد عقله وربما انعدامه.

ما حدث فى القاهرة وبورسعيد والسويس وباقى محافظات مصر المشتعلة غضبا طوال الأيام الماضية هو درب من الجنون الذى فاق كل التوقعات، وتجاوز طاقة الأحزاب السياسية والحركات المطالبة بالتغيير والتي يعلم الجميع محدودية حجمها وتأثيرها، وإن حاول بعضها الضحك على الناس بأنهم أصحاب رؤية وشعبية، ربما يقول البعض، ما عسى أن يفعله العقلاء في مجتمع يغلب عليه الجنون؟ ونحن نقول هل جرَّب هؤلاء العقلاء دورهم العقلاني في تثبيت واقع المجتمع من أجل التعايش والتآخي والدعوة للتوازن وحفظ النفس وصونها؟ إذا لم يستخدم العاقل عقله في هذه الظروف الصعبة، فمتى سيستخدمه إذاً ؟

في ظل الإرهاصات المجتمعية الكبيرة قد نخلق الأعذار للعقلاء، لكن هذا ليس في كل حين، فالوطن ومن يعيش على أرض هذا الوطن يستحقون أن ينزل لهم العاقل (ولو قليلاً) من برجه العالي لمواجهة المرجفين في أنحائه، وأن يتكلم بقوة الحكمة عن أخطاء كل الأطراف إن سنحت له الفرصة بذلك، لا أن يقف في الصفوف الخلفية أو يقبع متخاذلاً في منزله.

عقلاء نظريا فقط

إن صمت العقلاء يزيد من حالة الضغط على بعضٍ الذين يحاولون إعادة القطار إلى مساره الصحيح. كما أن صمتهم يعتبر فرصة سانحة لكل مجانين الوطن في التحرك بكل حرية في تنفيذ مشتهياتهم وشهواتهم ونزواتهم ، صحيح أنهم عقلاء على المستوى الفكري والنظري، لكن حين ينتفي دورهم هذا من المجتمع فإنهم والمجانين سواء، لأن خطر الصمت عن الأخطاء الذاتية يعادل خطر الأخطاء الصادرة من العابثين بوعي بمكتسبات الوطن.

هناك عقل مجرد، وهنالك عقل مغلف بالضمير الإنساني الحي، فالأول يحاكي مصلحته الشخصية، والثاني لا ينام ولا يهدأ إلا بعد أن يقوم بأداء رسالته في وجه كل اعوجاج يصدر من المجانين، وإذا لم يقم العاقل بهذه الرسالة الراقية، فإنه والمجنون سواء.. أصحاب العقل المجرد هم أولئك الذين أطلقوا على أنفسهم جبهة الإنقاذ الوطنى واستغلوا شعاراتهم الفكرية والنظرية فى شحن الشباب للالتفاف حولهم ثم شحن الجماهير المضغوطة من الأساس بفعل البطالة والفقر والفساد، وعندما انفجر هؤلاء المشحونون لم يستطع أى رمز من رموز جبهة الإنقاذ أن يفعل أو يقول شيئا على الملأ كما كانوا يفعلون من قبل .. واختفوا تماما عن الفضائيات التى طالما تناوبوا على الظهور بها ! حتى حينما صدر بيان من تلك الجبهة المزعومة لم نرَ وجها واحدا من تلك الوجوه التى طالما تراصت أمام الكاميرات .. اللهم إلا مرة واحدة يرفضون فيها الحوار مع رئيس الجمهورية .

احتواء الأزمة

لابد من تحكيم العقل قبل أن تحرقنا كلنا نار الفتنة.. خصوصًا عندما تتطور الأمور إلى سفك الدماء التي هي في الحقيقة الوقود الذي يُصب على نار الغضب، فيزيدها اشتعالا حتى تأكل الأخضر واليابس، ليس طبيعيا أن يصدر حكم بالإعدام على 21 متهما وقبل أن يتم الطعن عليه أو تأييده يٌقتل ضعف هذا العدد تقريبا من أبناء بورسعيد فقط !

يا عقلاء الأمة.. أدركوا البلاد برغبة صادقة فى احتواء الأزمة، وتقديم مصلحة البلاد والعباد على المصالح الشخصية، والحفاظ على الأمن العام والخاص، والأموال والممتلكات العامة والخاصة، والأعراض، ولنغير جميعا من أنفسنا، فيغير الله ما بنا، إن أى مجتمعٍ لا بد أن يقع له من الأزمات والصعوبات ما يستوجِب اختلاف وجهات النظر، ولكن عندما يحل الانفعال والتعصب محل العقلِ الراجح، فإن أى حوار حينئذ سيسير به الهوى إلى مهاترات وسباب، وتراشق بالشعارات، وانتصار للاتجاهات، وحينئذ تقع كارثة التفرق والتنافر، فتنطلق حملات التشهير والافتراق، فيصبِح الخلاف في الرأي انشقاقا مذموما ، يستحيل معه الحوار البناء المثمر صلاحا وإصلاحا.

ومن هنا فإن ما تعانيه مصرنا اليوم بسبب الأحداث الأخيرة يؤكد على ضرورة أن تكون توجهات كل شخص منطلقة من مبدأ ما يُجمِّعُ ولا يُفرِّقُ، وما يُؤلِّفُ ولا يُشتِّتُ،

فأهل الحكمة لا يختلفون اختلافا يضرهم، والاختلاف في المجتمعات المتقدمة لايكون سببا للتفرق، ولا سبيلا للعداوة ولا شلِّ حركة المجتمع والحياة، بل الاختلاف - عند الضرورة إليه - ظاهرة صحية تقود إلى البحث عن كل وسيلة لترجيحِ الآراء التى تجلبُ المصالح وتنبذ الفتن .. فأين أنتم أيها العقلاء؟

المصدر: مجلة حواء -أمل مبروك

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,693,496

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز