بنـــات الصعيـــد تعترفـــن :
احببت فيك عذابي
سوهاج - حميدة سيف النصر
لا تزال الفتاة الصعيدية تحيا تحت مظلة الضغوط الاجتماعية التي تمثل جزءا من تكوينها وعبئا علي أحلامها .. فهي محاصرة تارة بين تفوقها العلمي وإثبات ذاتها عمليا وبين نجاحها في اختيار شريك حياتها الذي يتيح أمامها الفرص ويفتح الأبواب المغلقة وتكوين أسرة ناجحة وبين هذا وذاك نجدها حائرة بين تحقيق ذاتها عمليا وبين واقع مرير يحمل ظروفا قاسية يجعلها ترتشف العسل المر لتواصل حياتها .
كان هذا التحقيق للغوص في أسباب قبول زواج الفتاة الصعيدية من رجل سبق له تجربة الزواج
في البداية تقول سناء خليفة محامية بمركز البلينا بسوهاج : في الوقت الحالي تقبل الفتاة في الصعيد الارتباط برجل متزوج لعدة أسباب من أهمها تحقيق طموحها العملي حيث إن أسلوب حياتها الزوجية يحقق لها هذا الأمر لأنها تعيش بنصف الوقت ونصف الإمكانيات مع نصف رجل موزع اهتماماته بينها وبين أسرته الأولى مما يتيح أمامها الفرصة كاملة لتتفرغ لعملها وطموحها الذي يمكن أن يسلبهما شخص آخر تكون هي الوحيدة في حياته منفردة بكل وقته لكنها غير راضية بهذه الزيجة وغير محققة لأي نجاح ، خصوصا وأن هناك بعض المهن تحتاج إلي تفرغ من جانب المرأة كالمحاماة والإعلام والآثار والتمريض فمثل هذه الأعمال تحتاج لوقتها ولجهدها وتلزم خروجها كثيرا وهو ما يرفضه الرجل ، هذا ما يدفعها في النهاية إلي الارتباط برجل متزوج.
الظروف
أما زينب محمد 43 سنة عاملة بإحدى المصانع بطهطا تقول: نعم أقبل الارتباط برجل متزوج خصوصا بعد أن تعديت الأربعين من عمري أين الشاب الذي يقبل أن يتزوج من هي في مثل سني؟ ، كثيرا ما تظلمها الظروف الاجتماعية وتحكمات الأسرة بل وتقهرها وقد عايشت ذلك بعد أن تقدم لي الكثيرين وأنا في سن صغيرة لكن الشروط المجحفة من جانب أسرتي كانت كفيلة لهروب أي رجل من الارتباط بي إلي أن وصلت لهذه السن ، وعليَّ أن أقبل كل الظروف دون أي اعتراض.
ومن وجهة نظر مختلفة تتناول ليلى أحمد جامعية من أسيوط أطراف الحديث- قائلة: لقد قبلت الزواج من رجل سبق له التجربة ، نعم دون أي خوف في بداية الأمر رغم أن له أولادا لكنه يتميز بالخلق الحسن ، شعرت وقتها بالأمان من جانب معين ففي حالة تأخر إنجابي أو استحالته لا يمثل لي هذا الأمر ضغطًا من أي نوع مما دفعني بالموافقة به لأنني لا أتحمل صدمة أن يتزوج بأخرى لو عجزت عن الإنجاب.
تري سارة حسن طالبة بالتعليم المفتوح - مركز جرجا : أن الفتاة في هذه الأوضاع الاقتصادية السيئة والمعوقة أمام الشباب تقبل الارتباط برجل متزوج طالما أنه يوفر لها كل الإمكانيات المادية وييسر لها كل سبل الحياة الكريمة ، فماذا تريد الفتاة أكثر من هذا؟ !
تواصل ( أ.ل ) 27 سنة - جامعية من محافظة قنا ومتزوجة من رجل ذات منصب مرموق في الستين من عمره - الحديث قائلة: ارتبطت لمدة عامين بشاب يكبرني بثلاثة أعوام مازال يتحسس طريقه نحو مستقبل ناجح ، طرق أبواب عمل كثيرة لكنها في النهاية غير مستمرة لا توفر له الاستقرار مما جعلني أشعر بالخوف علي مستقبلي ، كيف نبدأ حياتنا ونحن لا نملك تكاليف معيشتنا وكيف نربي أطفالا نكون مسئولين عنهم ونحن نعيش هذه المعاناة اليومية ، عندئذ ارتفع صوت عقلي لدرجة تغلبت علي مشاعري تجاه خطيبي وكان الانفصال ، ثم تقدم لي زوجي فقبلت رغم فارق السن ، وجدت معه حياة مثالية كنت لا أحلم بها بل أسمع عنها فقط ، انبهرت بإمكانياته بالإضافة إلي شخصيته المهذبة معي مما أتاح لي فرصة تقبله كزوج أعيش الواقع بعيدا عن جدائل الحلم وأوهام الحب.
تشاركها الرأي منى طلب رب منزل بأخميم متزوجة منذ عاملين تقول: كثيرا ما تأتي الظروف علي الإنسان تظلمه وتبعده عن تحقيق أحلامه من خلال تجربتي قبلت الارتباط برجل متزوج بأخرى نظرا لحياتي القاسية وسط أسرة مكونة من أب لا يعمل والأربع شقيقات مع أخ وحيد يتحكم في مصيرنا جميعا.. رغم حصولي علي دبلوم فني وعملي بإحدي العيادات إلا أن الأسرة رأت زواجي هو الحل الأفضل بالنسبة لي حتى يتسني لإخوتي الزواج الواحدة تلو الأخرى وأفسح لهن المجال.
محاذير
وبرؤية علمية يعرض الدكتور عمرو شلتوت - أستاذ علم الاجتماع بالخدمة الاجتماعية بسوهاج - الوجهة الاجتماعية لهذه القضية قائلا : بداية الفتاة في الصعيد كانت منذ فترة ليست بالبعيدة لها عالمها الخاص وتقاليدها المحيطة بها النابعة من قلب المجتمع الذي تعيش كل تفاصيله والتي كانت تضع محاذير تفرضها العادات والتقاليد في بعض الأسر برفض فكرة زواجها من رجل متزوج إلا أنه في الوقت الحالي أمام قلة فرص العمل وإمكانيات الشباب الضعيفة من أبناء جيلها والتي تقف عائقا في تكوين أسرة نجد الفتاة إما أن تتزوج برجل يكبرها بسنوات عديدة وهو ما يلاقي القبول الأسري والاجتماعي خصوصا وأن الزوج لا يكون لديه أية مسئوليات أخري ، وإما عليها أن تتقبل فكرة ارتباطها بشخص يكبرها وسبق له الزواج ، فهذا الأمر مرتبط في الأساس بمدى قبولها بأن تكون زوجة ثانية أي مرتبط بحالة الفتاة نفسها ومدى رضائها عن هذا الزواج ، وغالبا ما تلعب الظروف دورها في درجة تقبلها لهذا الوضع ، وهو ما يحدث في حالات الارتباط العاطفي بشخص معين فهنا تقبله رغم وجود أخري في حياته أو أن بعض الفتيات تفاضلن بين إمكانيات الشاب المتقدم والآخر المتزوج وله أسرة ، وتكون الإمكانيات المادية هي الحصان الرابح دائما لصالح قبولها فكرة أن ترتبط بشخص سبق له الزواج ، وأحيانا تبرر الفتاة إرضاءً لشخصها أنها بمثابة الزوجة الأولي بالنسبة لهذا الرجل ، نظرا لاختياره لها رغم وجود زوجة أخري لديه ، كما تساعد ضآلة فرص الزواج للفتاة في ظل الظروف الاقتصادية المتردية أو نظرا لترتيبها داخل الأسرة وسط عدد من الأخوة والأخوات.. عندئذ تفضل الهروب من قسوة الواقع لتحيا في ظل حياة واهية.
كل هذه الصور تكتمل تفاصيلها لتفرز لنا اليوم فتاة تقبل الزواج من رجل متزوج ، وتصبح في النهاية كمن يرتشف العسل المر.
تحديات
من سمات الفتاة التى تقبل هذه الصورة فى المجتمع الصعيدى توضح -"إيرينى" صالح أخصائية نفسية بمستشفى الصحة النفسية بسوهاج الرؤية النفسية-حيث تقول: حدث اختلاف فى شخصية الفتاة الصعيدية بسبب تحديات العصر فهى تريد أن تتزوج وتستقر وتشبع احتياجها العاطفى نظراً لشعورها بالحرمان المستمر..فالبيوت أصبحت باردة لا توفر لها الدفئ الأسرى لذا فهي تبحث عن هذا الإشباع مع زوج المستقبل حتى فى حالة عدم ملائمة ظروفه لها.
بالإضافة إلى أن ارتفاع سن الزواج يجعلها تتقبل بسهولة فكرة الإرتباط من رجل سبق له تجربة الزواج ولا مانع أن تكون مسيطرة هروباً من إحساسها كزوجة ثانية فى حياة الرجل وهى بذلك تشعر بأنها الأولى بل والوحيدة فى حياته بالإضافة أن هناك اضطرابات نفسية يمكن أن تؤثر على الفتاة مما يجعلها كل ذلك بأن تتقبل هذا الوضع {
ساحة النقاش