للتغلب على المشاكل

افتح عقلك واعترف بأخطائك

بقلم :أمل مبروك

منذ عصيان آدم وحواء لربهما وهما في الجنة حين أكلا من الشجرة .. ظهر ثم استمر سلوك من اثنين، فآدم وحواء اعترفا بذنبهما :" قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " ، في حين أن إبليس اللعين نسب غوايته إلى الله العلي القدير وقال مخاطبا رب العزة والجلال :" فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم "، واليوم في ساحات التعامل بين البشر على المستوى السياسى بين النخب المثقفة، وعلى المستوى الشعبى بين عامة الناس فى حياتهم اليومية يجرى هذا المسلك أو ذاك فترى أناسا يعترفون بخطئهم وآخرين يحاولون إلصاق أخطائهم بغيرهم بالرغم من أن الحق تبارك وتعالى يقول : " ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا " ، لكن هكذا أصبحت تسير علاقات الكثير من الناس فيما بينهم ويتورط من خلالها أفراد هم بريئون مما وجه لهم من أخطاء أو مما نسب لهم من إتهام .

وقفات مع النفس

الخطأ في حياة الناس أمر وارد الحدوث، وصدق رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قال: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون".. لكن الخطأ الحقيقي هو التمادي فيه، وعدم الاعتراف به، والإصرار عليه، والجدال عنه بالباطل، واعتبار الرجوع عنه نقيصة، بينما هو غير ذلك لأن المشاكل التى تواجهنا يوميا منذ بداية الثورة وخلال فترة الحكم العسكرى ثم الرئيس مرسى فى تزايد مستمر، ويتزايد معها التوتر والقلق والغضب .. وكلها تؤدى إلى اتخاذ قرارات متسرعة أحيانا وخاطئة أحيانا أخرى وعنيفة أحيانا ثالثة، لذا فإن الإنسان الذى يثق فى نفسه يفتح دائما عقله ليعيد تقييم سلوكياته وأفعاله وأقواله .. وتكون له وقفات يراجع فيها نفسه ويصحح فيها مساره، حتى لا يسترسل في خطأ وقع فيه، أو هوى انساق إليه، فإذا كان هناك ثمة خطأ أو هوى عالجه قبل أن يستفحل، فهو يوقن بأن الإنسان بشر، والبشر قد يجتهد ومهما كان اجتهاده للوصول إلى القرار الصحيح، فإن احتمالات الخطأ واردة، ولا بد من تداركها، ولن يكون هذا إلا بالاعتراف بالخطأ ابتداءً.

النبوة والخلافة لايمنعان

كل من يتصور أن الاعتراف بالخطأ أو تقديم الاعتذار هو من قبيل الإهانة وإضعاف الذات أمام الآخرين ، نرد عليه بمقولة عالم التنمية البشرية الأمريكى "ديل كارنيجي" حيث قال :" وأي شخص يمكنه أن يحاول الدفاع عن أخطائه - وهو ما يفعله الكثيرون - ولكن مما يضيف لقيمة الشخص ويعطيه شعورا بالنبل والسعادة أن يعترف بأخطائه "

نعم هذه هي الحقيقة في صورتها البسيطة التي لا تحتاج إلى تعقيد، ولم يمنع مقام النبوة سيدنا سليمان من أن يفتح عقله ويعتذر عن خطأ ارتكبه حين انشغل بعرض الخيل للجهاد حتى مغرب الشمس مما شغله عن ذكر الله ، قال تعالى فى سورة (ص) :"إذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَاد ُ,فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَاب ,رُدُّوهَا عَلَي َّفَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ,وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ,قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ"

ولم يمنع مقام الخلافة رجلاً مثل عمر بن الخطاب أن يعترف بخطئه على مسامع الناس حين ردته امرأة عن رأيه في شأن مهور النساء ، فقال : أصابت امرأة وأخطأ عمر، وكانت وصيته رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري حين تولى القضاء :" ولا يمنعنك من قضاء قضيت به اليوم , فراجعت فيه نفسك , وهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم , ولا يبطل الحق شيء ، وإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل"، كما كانت مقولة الإمام أبي حنيفة :" رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب"، مما يدل على سماحة الصدر وسعة الأفق في تقبل جميع الآراء..

هكذا كان الأنبياء ومن تبعهم من الصحابة والسلف الصالح ممن كانت لا تمنعهم مكانتهم ولا مقاماتهم الرفيعة من الاعتراف بالخطأ والنزول على الحق عند تبيانه..فهل لنا فيهم أسوة حسنة؟

 

المصدر: مجلة حواء -أمل مبروك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 705 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,824,706

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز