كتبت -امل مبروك

عندما نتكلم عن الديمقراطية سنجدها أسلوب تعامل وحكم يختلف من مكان لآخر ومن شعب لآخر، و قد يتضمن القانون أو الدستور بعض النصوص التى تحض على تطبيق الديمقراطية  والعدل وتكافؤ الفرص، ولكن هذا لا يعنى أن تطبيق القانون فقط قد يحقق العدالة المرجوة لبعض الفئات، لذا نجد عبارة "العدل أساس الملك .. والظلم أساس الهلك" معناها جميل وتطبيقها قليل ، فالعدل من القيم الإنسانية الأساسية التي جاء بها الإسلام، وجعلها من مُقَوِّمَاتِ الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية، حتى جعل القرآن إقامة القسط - أي العدل - بين الناس هو هدف الرسالات السماوية كلها، فقال تعالى فى سورة الحديد : " لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ " .

 ولعل خير مثال لنا في العدل سيدنا محمد صلى  الله عليه وسلم عندما حاول أسامة بن زيد أن يتوسط لامرأة من قبيلة بني مخزوم ذات نسب؛ كي لا تُقطَع يدها في جريمة سرقة، فما كان من رسول الله إلا أن غضب غضبا شديدا، ثم خطب خطبة بليغة أوضح فيها منهج الإسلام وعدله، وكيف أنه سوَّى بين كل أفراد المجتمع رؤساء ومرءوسين، فكان مما قاله في هذه الخطبة: "إنما أَهْلَكَ الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وَايْمُ اللهِ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لَقَطَعْتُ يدها" ، وفي تقرير واضح وصريح لإحقاق العدل وتطبيقه حتى لو كنا كارهين لمن نحكم فيهم، يقول الله تعالى فى سورة النساء : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ " ، ويقول أيضًا فى سورة المائدة : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" ، فالعدل في الإسلام لا يتأثر بحب أو بغض، ولا يفرق بين حسب ونسب، ولا بين جاه ومال .

 

ميزان الله

وحقيقة العدل في الإسلام، أنه ميزان الله على الأرض، به يُؤْخَذُ للضعيف حقه، ويُنْصَفُ المظلوم ممن ظلمه، ويُمَكَّن صاحب الحق من الوصول إلى حقه من أقرب الطرق وأيسرها، وإذا كان الإسلام قد أمر بالعدل مع الناس- كل الناس كما رأينا في الآيات الأولى- العدل الذي لا ييعرف العاطفة ، فلا يتأثر بحب أو بغض، فإنه قد أمر بالعدل ابتداءً من النفس، وذلك حين أمر المسلم بالموازنة بين حقِّ نفسه وحقِّ ربِّه وحقوق غيره، ويظهر ذلك حين صدَّق رسول الله سلمان الفارسي لمَّا قال لأخيه أبي الدرداء الذي جار على حقِّ زوجته بتركها، ومداومة صيام النهار، وقيام الليل: "إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ" .

وبقدر ما أَمَرَ الإسلامُ بالعدل وحثَّ عليه، حرم الظلم أشد التحريم، وقاومه أشد المقاومة، سواء ظلم النفس أم ظلم الآخرين، وبخاصة ظلم الأقوياء للضعفاء، وظلم الأغنياء للفقراء، وظلم الحكام  للمحكومين، وكلما اشتد ضعف الإنسان لايجب أن ينسى وعد الله له : وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ" .

وفي الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْـمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا" ، ويقول الرسول لمعاذ: "... وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ" ، وقال: "ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللهُ فَوْقَ الْغَمَامِ، وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ " .

 

وهكذا .. لا يتحقق العدل في أى مجتمع إلا بوجود مسئولين يتمتعون بصلابة في الحق تحميهم من الضغوط وتعصمهم من الشبهات، ولديهم  رقابة ذاتية وخوف من الله عزوجل وشخصية قوية ورصانة ووقار وحضور ذهن وجهد ومثابرة ونفس أبية سوية لا ميل فيها ولا هوى، فلا تصدر قراراتهم أو أحكامهم عن ردود أفعال فورية أو مرتجلة  ولكن عن مبادرات إيجابية مدروسة يحكمها منطق العدل والحق معاً باقتدار وكفاءة .. فهل يأتى اليوم الذى نجد فيه حكامنا ومسئولينا بهذه الصفات ؟

 

 

 

  كتبت -امل مبروك

المصدر: مجله حواء -امل مبروك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 676 مشاهدة
نشرت فى 23 نوفمبر 2013 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,101,258

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز