كتبت -امل مبروك

"لله رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه".. رجال أدركوا معنى وجودهم على الأرض وفهموا ببعض الفكر أن كل ما فى الأرض قد وضع فى خدمتهم ولخدمتهم، وأنهم تميزوا بالعقل .. هذا العضو الخطير والمهم فى جسم الإنسان .. صاحب المقدرة الهائلة والرائعة على تسخير الحياة، وهو ما يجعل من الطبيعى والعادى والمتوقع أن ينشغل عقل الثورى الحقيقى بالسعى لتحقيق أهداف الثورة التى هى مصالح الشعب، وأن يسعى لتحديد منافسيه وحلفائه المحتملين، ويحرص على تحديد الأهداف المشتركة مع باقى التيارات، لكن ما نراه طوال ثلاثة أعوام إلا قليلًا، أن الغالبية ممن أطلقوا على أنفسهم لقب "الثوار" انشغلوا بتلميع أنفسهم وتضخيم أدوارهم، ونسوا الثورة وأهدافها ومواطنيها، وفضلوا خوض معارك لتصفية خصومهم ومنافسيهم.. وعليه فقد أصبحنا أمام زعامات بلا أهداف حقيقية، تستسهل تسفيه الآخرين، وتضخيم دورها.

 

يتكلمون ويتصارعون ولا يعملون

والنتيجة أنه فى وقت الجد ينشغل الثوار الوهميون بمعارك فرعية لتخوين بعضهم، ويسعى كل منهم لنسبة الثورة إلى نفسه، تاركين ما يجرى وما يهم. وقد تفرجنا- وما زلنا- على السادة قادة الفتوحات الثورية، وهم يتهمون بعضهم، وكل منهم يسوق للآخر حكايات وقصصًا على أنه كان مهادنًا ومتواطئًا ونهازًا للفرص بينما كان هو وحده المتمسك بالجمرات والقابض على أصول الثورات، ولو تأملنا المشهد جيدا نكتشف أن أغلب إنجازات الزعامات الفضائية أنهم نجحوا فى التقاط أكبر عدد من الصور لأنفسهم فى الميادين، واعتبروا هذا سبب تصديقهم الوحيد.

 

ولم ينتبه زعماء الفراغ السياسى فى ظل انشغالهم بالقضاء على بعضهم البعض إلى أن الشارع فقد ثقته فيهم، بعد أن وجدهم يتصارعون على سلطة ناقصة.. وزعامات فضائية ومؤتمراتية، بينما لم ينشغلوا بنشر الوعى، أو توصيل رسالة للناس بما يريدونه.. ولم يقدموا تصوراتهم عن البدائل السياسية والاقتصادية.

يتحدث هؤلاء كثيرًا عن مواصفات المرشح الثورى الأنسب للرئاسة، لكن ما أن تطلب منهم أن يقدموا مثالًا واحدًا لمرشحهم، ينقسمون على الأسماء المطروحة، ويحرص كل منهم على تسفيه هذا أو ذاك، من دون أن يتفقوا إلا على الاختلاف، ويمدح بعضهم الليبرالية، بينما يخالفون أبسط مبادئها فى معاركهم لتصفية منافسيهم.. يتحدثون عن العدالة الاجتماعية من دون أن يتفرغوا لتحويل كلامهم إلى برامج وتصورات عملية يمكن للفقير أو المتوسط أن يفهمها ويتخيل نتائجها.

 

نكبتنا فى نخبتنا

نحن لسنا بدعاً من المجتمعات، وما حدث فى مصر بعد الثورة هو دروس التاريخ التى ينبغى أن نتعلمها، وكما قال نجيب محفوظ فى إحدى رواياته: «شاء القدر أن تقترن لذة المعرفة بمرارة التجربة». وها نحن قد جربنا، وعلينا أن نحافظ على المعرفة. وهذه خمسة دروس أساسية: 

أولاً، طالما أننا حديثو عهد بالتحول الديمقراطى، إذن فالتجربة والخطأ والتعلم أمور واردة، على الأقل بالقياس على تجارب الدول الأخرى. ولكن شريطة أن نتعلم فعلاً وألا نكون كمن يحفظ ولا يفهم، والواضح الآن أن كل من حكمونا قرأوا من نفس الكتاب: كتاب الديكتاتورية حتى لو كانوا قد جاءوا للسلطة من خلال الانتخابات .

ثانياً، نخبتنا لا تزال هى نكبتنا، لأن تقارب قيم النخبة على أسس ديمقراطية وقدرتها على التفاعل والتفاهم وإدارة توقعات الناس وإقناعهم بالبدائل المتاحة أمامهم كان هو السبيل الوحيد لأن تمر مصر بهذه التجربة العثرة بأقل قدر من الخسائر، والحقيقة أن الإطلالة على المشهد - المصرى خاصة والعربى عموما - تؤكد أن أمامنا الكثير من الوقت قبل أن نعرف أننا لا نعرف، وأننا أجهل كثيراً مما نحاول أن نصور عليه أنفسنا. 

ثالثاً، على أى حاكم لمصر أن يعى أن بدائله محددة فى إما أن "يُقنع أو يسمع أو يقمع أو يخلع"، بعبارة أخرى: إما أن يقنع من يحكمهم بوجهة نظره، أو أن يسمع تفضيلات شعبه ويلبيها، أو أن يقمع هذا الشعب وهو ما سيكون مستحيلاً مع أبناء الجيل الحالى من المصريين، أو أن يخلع - باختياره أو دون إرادته - عباءة السلطة ويتركها لمن يستطيع أن يدير الدولة بما يحقق مصالح مواطنيها، هذه البدائل الأربعة وبتوليفات مختلفة، هى الدائل المتاحة لمن فى السلطة.. والقائد الحقيقى هو من يعتمد على "الإقناع والاستماع". 

رابعاً : لا ديمقراطية لأعداء الدولة المصرية أى لمن لا يحترم سيادتها وحرمة دماء مواطنيها، ومن لا يفهمها على هذا النحو، فقد اختار أن يحولها من ديمقراطية حقيقية إلى تسلطية مستترة. 

خامسا : التجربة حتمية والخطأ وارد والتعلم ضرورة فهل تعلمنا شيئاً فى العامين الماضيين؟ 

المصدر: مجله حواء -امل مبروك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 520 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,464,681

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز