كتبت -سمر الدسوقى
منذ اندلاع ثورة يناير مرورا بالمراحل الانتقالية العديدة التي عشناها فثورة 30 يونيو وقطاع الدواء يعد من أكثر القطاعات تأثرا سواء من حيث الارتفاع المستمر في أسعار بعض الأدوية ومرورا باختفاء البعض الآخر، فوفقا لتقرير أصدره "المركز المصري للحق في الدواء" خلال الشهرين الماضيين جاءت النتائج لتشير إلى اختفاء ما لا يقل عن 180 صنف دوائي خلال الآونة الأخيرة بعد توقف العديد من الشركات عن إنتاجها نتيجة لارتفاع أسعار المواد الخام، ودعونا نبحر أكثر في سوق الدواء المصري حتى نتعرف على ما وصل إليه حاله..
في البداية وعن واقع هذا السوق يشير دكتور رأفت جرجس صيدلي، إلى أن هناك بالفعل ومنذ فترة طويلة غياب ملحوظ لبعض الأدوية المستوردة بحكم الوضع المضطرب منذ اندلاع ثورة يناير وحتى الآن والذي أثر على الاستيراد في ظل ارتفاع أسعار العملات الأجنبية والدولار هذا بجانب أن إنتاج الدواء المحلي يواجه هو الآخر مشكلة نتيجة لارتفاع أسعار المواد الخام المستخدمة في تصنيعه وبالتالي فهناك غياب متأرجح يشهده هذا السوق لبعض أدوية الأمراض المزمنة والملينات وأدوية الأطفال وأقراص منع الحمل وبعض فواتح الشهية وكذلك بعض الفيتامينات وبعض ألبان الأطفال هذا بجانب أن بعض الأدوية العادية قد تضاعف ثمنها بشكل ملحوظ ويرجع هذا إلى أن الشركات المنتجة للدواء أصبحت تفضل عدم إنتاج بعض الأدوية بعد ارتفاع أسعار المواد الخام، وهو ما يشكل مشكلة حقيقية خصوصا وأن 80% من الأدوية المطروحة بالسوق منتجة محليا و20% منها مستوردة من الخارج، كما أن 30% منها تنتجها شركات قطاع الأعمال، والأخيرة يمثل معظمها الأدوية الأساسية مما يجعل هذه الشركات تنتج أحيانا أدوية بالخسارة!
بدائل مرتفعة الأسعار!
ووفقا لأحدث التقارير التي رصدت واقع هذه المشكلة برز تعثر أكثر من 50% من المصانع الدوائية العاملة في مصر خلال الفترة الأخيرة نتيجة للمنافسة الشديدة مع الشركات الكبرى والارتفاع المستمر في تكاليف الإنتاج في ظل ارتفاع أسعار العملات الأجنبية والدولار حيث تعتمد صناعة الدواء في مصر بشكل أساسي على الخامات المستوردة بالإضافة إلى مواد التعبئة والتغليف، وتصل نسبة الخامات التي يتم استيرادها إلى 80% من الخامات المستخدمة في التركيبات الدوائية مما تسبب في أزمة فيما يتعلق بوضع الصناعة الدوائية خلال الفترة الأخيرة بسبب أزمة الدولار.
وتشير د. نعمة فوزي صاحبة احدي الصيدليات- إلى أن هناك بدائل بالفعل موجودة بالصيدليات لبعض الأدوية غير المتوافرة ولكنها في معظم الأحيان لا تتناسب وبعض إمكانيات بعض المرضي حيث تطرح بأثمان تفوق إمكانياتهم المادية وهو ما يشكل أزمة حقيقية بالنسبة للصيدلية في نفس الوقت فهي لا تجد الدواء الذي تبيعه بسعر معقول بما يغطي من نفقاتها وفي نفس الوقت لا تستطيع بيع البديل مرتفع الثمن والنتيجة خسارة لها وللمريض.
وتضيف: وقد لاحظت بنفسي ارتفاع أسعار بعض الأدوية والتي تعد أدوية بسيطة وغير مؤثرة فمثلا بعض أدوية البرد العادية ارتفعت أسعارها بنسبة لا تقل عن 10 %، وكذلك بعض أدوية مواجهة القيء ورغم أن سعرها والزيادة فيه تعد بسيطة إلا أنها مؤثرة بالنسبة للبعض، ويظهر هذا بوضوح في مستحضرات معالجة البشرة والشعر من الكريمات والزيوت والدهانات المختلفة والتي اختفى معظمها بحكم توقف استيراده في حين طرح البديل الأقل جودة والذي يعد في نفس الوقت أغلى سعرا!.
أزمة توزيع
أما ما قد يتسبب في زيادة تفاقم هذا الوضع فهو ما طرحه دكتور هاني سامح الصيدلي والمتحدث باسم حركة تمرد الصيدلة من أن 85% من شركات توزيع الدواء في مصر يمتلكها منتمون لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة بما يعني سيطرتهم على حركة تلك التجارة المهمة وهو ما يسبب المزيد من المشكلات فيما يتعلق بسوق الدواء ككل!!
وهو ما يؤكده د. عدلي فوزي صيدلي قائلا: نتيجة للوضع السياسي الراهن والذي تتدخل فيه بعض العوامل المؤثرة تظهر ما بين الحين والآخر مشكلة تتعلق بامتلاك عناصر كثيرة من جماعة الإخوان المسلمين لبعض شركات توزيع الدواء، وهو ما كنا لا ننظر إليه من قبل كمشكلة أما الآن فهذه العناصر تحاول ما بين الحين والآخر اختلاق أزمة في هذا السوق خصوصا فيما يتعلق بتوافر بعض الأدوية وذلك حتى تسبب إرباكا لثورة 30 يونيو وعدم انتظام في الأوضاع داخل المجتمع المصري وهي مشكلة انتبهنا إليها جميعا مؤخرا، وتسعى أجهزة الدولة للتعامل معها وتطويقها بكافة السبل من خلال الكيانات النظيرة حتى لا يتسبب هذا الفصيل في إحداث أزمة في توافر الدواء بالصيدليات.
تحريك أسعار
كما تقدمت الشركة القابضة للأدوية مؤخرا بطلب لوزارة الصحة لتحريك أسعار 30 صنفا دوائيا لتحقيقها خسائر كبيرة للشركة تقدر بـ 128 مليون جنيه، وفي المقابل فإن لجنة التسعير بوزارة الصحة أشارت إلى أنها تبت في الأمر بمراعاة عدد من المعايير التي يجب توافرها بتلك الأصناف ومنها نقص الدواء بالأسواق حسب قائمة النواقص، وأن يكون إنتاجه خاسرا ومن الأدوية التي لها أهمية علاجية كما تم الموافقة مؤخرا على تحريك أسعار 10 مستحضرات دوائية بعد التأكد من تعرض الشركة لخسائر نتيجة البيع بأقل من سعر التكلفة، ورغم أن معظم هذه الأدوية لا تستخدم لعلاج أمراض مزمنة كما أن الزيادة في أسعارها تعد بسيطة حيث إن أغلبها لا يزيد سعره في الأساس عن خمسة جنيهات إلا أن الأمر قد يعد مؤثرا بالنسبة لبعض البسطاء من المرضى.
وعن هذا أشارت د. حنان الليثي رئيس الإدارة المركزية للشئون الصيدلية بوزارة الصحة- في تصريح لها إلى أن شركات الدواء التابعة للشركة القابضة للأدوية تعاني من مشكلات مادية حادة نتيجة للبيع بأسعار أقل من سعر التكلفة حيث بلغت نسبة الخسائر لهذه الشركات خلال العام الحالي ما يقرب من 128 مليون جنيه، والعام الماضي 119 مليون جنيه، نتيجة بيع 619 دواء من إجمالي 1200 دواء حصيلة إنتاج تلك الشركات بأسعار أقل من سعر التكلفة وهو ما تطلب ضرورة تدخل الدولة لمساعدة هذه الشركات في الوقوف على أقدامها مرة أخرى.
ومن هنا تبدو الأزمة متعددة الأطراف حيث يعاني منها كل من المرضى والصيادلة وشركات إنتاج الأدوية، كل وفقا لوضعه وموقفه، ورغم التزام وزارة الصحة بموقفها وإعلانها أكثر من مرة عدم اللجوء لرفع أسعار الدواء إلا أن وضع بعض شركات التصنيع يعد صعبا وهو ما دفع المركز المصري للحق في الدواء كخطوة على طريق الحل - كما يشير محمود فؤاد الرئيس التنفيذي له - إلى التقدم مؤخرا بمذكرة لمجلس الوزراء للتحذير من خطورة رفع أسعار أية أدوية في المرحلة الحالية وخصوصا أدوية الأمراض المزمنة مع الدعوة لإنشاء مجلس أعلى للدواء.
ساحة النقاش