يحكى أن طيارا سقطت به طائرته داخل قرية لم يسمع عنها من قبل .. ولا يذكر لها مكانا الخريطة، وعندما خرج من طائرته المحطمة لفت نظره نظام المباني السائد فى القرية، فقد كان متكررا فى كل البيوت، والشيء الغريب أنها بلا نوافذ ! لكن الاكتشاف المرعب لهذا الطيار هو أن سكان القرية كلهم - نساء ورجالا.. شيوخا وشبابا - كانوا غير مبصرين ! أما السبب الذى عرفه فيما بعد فهو وباء حل في الأجداد ثم استمر في النسل كله، ولذا بدأ الطيار يصف لهم الحياة، فيقول : انظروا إلي الشمس فيقولون : ما الشمس ؟ فيقول : لونها أصفر، فيقولون : ما معنى أصفر ؟ فيقول : لون يشبه البرتقال، فيسألون : وما البرتقال ؟ وهكذا استمر الحديث والوصف بين الطرفين حتى شعر الأهالي بالضيق والضجر وظهرت بينهم مشكلة مزعجة هى عدم الرضا بالحال ورفض الواقع، ولحل لهذه المشكلة توصل حكماء القرية إلى قرار بشع .. هل تتصورون ماهو ؟
أن تفقأ عينا الطيار !!
عيوبنا وعيوب الآخرين
عذرا لذوي المشاعر المرهفة الرقيقة.. لكن هذه القصة تجعلنا نطرح تساؤلا فى غاية الأهمية: في كل مجتمع يخرج دعاة التغيير .. يختلفون خيرا وشرا وتختلف أهدافهم.. عندما يحدث ذلك ماهى حدود تقبلنا للواقع الذي يدعوننا إليه ويكون مختلفا عن واقعنا؟ أو بمعنى آخر ماذا نفعل مع من نختلف معهم في أفكارهم؟ هل ننبذهم.. نسخر منهم.. نقتلهم.. نطردهم من مجتمعنا أم نحاول تقريب وجهات النظر؟ هل نأخذهم بمبدأ "من يختلف معي هو عدوي"؟ المشكلة الحقيقية تكمن فى أننا غالبا مانتغاضى عن عيوبنا الذاتية ولانراها بينما تتراءى لنا عيوب الآخرين ضخمة ومزعجة، فينطبق علينا ماذكره الإمام الشافعى رحمه الله :
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيبٌ سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنبٍ ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليسَ الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ ويأكل بعضنا بعضا عياناَ
فائض الطاقة السياسية
إن اهتمام المصريين بالقضايا العامة وفائض الطاقة السياسية التى باتت تلازم الجميع منذ يناير 2011 جعلتهم لا يخافون من أن يعبروا عن آرائهم فى الكثير من القضايا المطروحة أمامهم، لكن تفشى الجهل السياسى بين بعض الفئات وبين بعض مدعي المعرفة نتج عنه ظهور الناقد العشوائى والمحلل العشوائى في علوم السياسة المتخبطة.. ناهيك عمن يدعى أنه مناضل أو ثائر يشار له بالبنان، هذه العشوائية أفضت بنا إلى انتشار حالة من الاستقطاب السياسى تحولت إلى احتقان، ثم أدى الاحتقان إلى قبول مجتمعى لفكرة أن الدم المصرى رخيص طالما هو دم شخص لا يؤمن بما أؤمن به سياسيا، ولذا قتل نحو ستين مصريا أكثرهم بالرصاص الحى فى نفس الوقت الذى احتفل فيه آخرون بذكرى الثورة !!
عندما نختلف سياسيا أو فكريا لماذا لانحتكم إلى الثوابت أو القواعد السياسية أو الفكرية التى اتفق الساسة أو المفكرون عليها فنتجنب بذلك الاستقطاب والاحتقان؟ ربما يكون هذا هو الحل الذى يجعل مساحة الاتفاق أكبر من مساحة الاختلاف.. وهو أكثر مانحتاج إليه هذه الأيام.
ساحة النقاش