يقدم الناقد والقاص العراقي عدنان حسين أحمد في كتابة "الرواية العراقية المغتربة" بانوراما رائعة لتجليات الرواية العراقية في الغربة، ليس فقط من خلال الأسماء والأعمال التي يقدمها ولكن بالإضاءات التي حملتها الأعمال موضع التحليل لرؤى وأفكار وشجون وشئون وذكريات كتابها وكاتباتها الذين لم ينفصلوا عن تفاصيل مجتمعهم ومعاناته.
ترسم القراءات النقدية التي كتبها عدنان حسين بحس إبداعي لأعمال انتقاها بعناية فائقة، ما تعرض له العراق شعبا وحضارة وتاريخا وثقافة في فترات الحكم الممتدة من الخمسينيات وحتى سقوط صدام حسين والغزو الأمريكي، وذلك من خلال معالجات إبداعية لزوايا ثرية إنسانيا وفنيا، غاصت في حيوات الشعب وما مورس ضدها من فظائع وجرائم قتل وتشريد.
ويؤكد الناقد العراقي في كتابه الصادر عن دار الحكمة ـ لندن أن الرواية العراقية المغتربة في أوروبا وبقية أنحاء العالم تقترن بأجيال مختلفة من الروائيين العراقيين، "لكننا نستطيع القول بثقة كبيرة أن الشتات الثقافي العراقي "الحديث" قد بدأ في العام 1948 حين هجر اليهود العراقيين بشكل قسري من العراق ثم تبعتهم الهجرة الثانية إثر سقوط الحكم الملكي عام 1958، أما الهجرات اللاحقة القسرية والاختيارية فقد حدثت خلال حقبة حكم البعث التي استمرت نحو ثلاثة عقود ونصف حيث تفرق الأدباء أيدي سبأ، وتوزعوا في المنافي الأوروبية والأمريكية والكندية والأسترالية، ثم تبعهم أدباء وروائيون من أجيال شتى أتقنوا لغات أوروبية عديدة، وأخذوا يترجمون منها وإليها، وقد كتب بعضهم فيها مباشرة".
ويضيف "ومهما اختلفت مشارب هؤلاء الروائيين العراقيين وتجاربهم الأدبية، إلا أنهم يتفقون في شيء واحد هو معارضتهم للأنظمة المستبدة التي توالت على حكم العراق منذ سقوط الحكم الملكي وحتى انهيار النظام الشمولي السابق الذي شهد خلال حقبته الزمنية الطويلة العديد من الهجرات التي أخذت طابعا قسريا غير معلن ولأسباب عديدة قد تبدأ بالحروب المحلية والإقليمية، وتمر بسنوات الحصار الظالم، وتنتهي بالحروب الكونية التي شنت على العراق بهدف تقليم مخالب الدكتاتور واقتلاع أنيابه الحادة التي ينهش بها أبناء جلدته، ولا يجد حرجا في أن يدمييي هذا البلد الجار أو ذاك سواء أكان عربيا أم إسلاميا. لاشك في أن القمع المفرط والانهيار الاقتصادي ومصادرة الحريات الخاصة والعامة، وغياب الدستور، وانعدام التعددية السياسية وهيمنة الحزب الواحد، واختزال العراق في شخصية القائد الأوحد المستبد هي التي دفعت الأدباء والفنانين والمفكرين وبقية شرائح المجتمع العراقي لأن يغادروا العراق مضطرين وأن يبحثوا عن بلدان آمنة توفر لهم شروط الحياة الكريمة".
ويسعى الناقد عدنان حسين إلى تسليط الضوء على 30 عملا روائيا لستة عشر كاتبا ـ "فاضل العزاوي روايتا "القلعة الخامسة" و"مدينة من رماد"، وزهدي الداوودي روايات "فردوس قرية الأشباح" و"ذاكرة مدينة منقرضة" و"عويل الذئاب"، وسميرة المانع "القامعون" و"حبل السرة" و"من لا يعرف ماذا يريد"، وسالمة صالح "النهوض"، وعبد الله صخي "خلف السدة" و"دروب الفقدان"، كلاوييز صالح فتاح روايات "نحو كهف الشجعان"، "الأم والابن" و"الخادمة"، سلوى الجراح روايات "الفصل الخامس" و"أرق على أرق" و"بلا شطآن"، دني غالي "منازل الوحشة" ، صبري هاشم "حديث الكمأة" و"هوركي أرض آشور" و"قبيلة الوهم"، إنعام كجه جي "طشاري"، محسن الرملي "الفتيت المبعثر" و"حدائق الرئيس"، عبد الهادي سعدون، حوراء النداوي "تحت سماء كوبنهاغن"، عبد الهادي سعدون"مذكرات كلب عراقي"، برهان شاوي "مشرحة بغداد"، أمل بورتر "دعبول"، خولة الرومي روايتا "رقصة الرمل" و"الصمت حين يلهو" ـ محاولا تحليلها بطريقة منهجية تعتمد على النقد التطبيقي الذي يتخذ من العمل الروائي مادة جوهرية له، ولا يشتط إلى الطروحات النقدية التي قد تتجاوز النص المنقود لتركز على نقد النقد أو منحي تغريبيا لا يمت إلى النقد الأدبي بصلة".
ويلفت إلى أن الروايات التي اتخذت من البلدان الأوروبية مكانا لها قليلة باستثناء روايية "تحت سماء كوبنهاجن" لحوراء النداوي، و"طشاري" لإنعام كجه جي، التي دارت في أكثر من بلد، وكذلك رواية "منازل الوحشة" لدنى غالي التي توزعت بين كوبهاجن وبغداد، فالروائي العراقي مهما نأى واشتط به
ساحة النقاش