اقتناص الفرص.. وممارسة الهوايات القبيحة
هذه القصة استعان بها بعض علماء الاجتماع والسياسة معا للتدليل على أن استغلال الفرص ليس عملية سهلة أو ميسورة، فمعظمنا لايعرف قيمة الفرصة إلا عندما تضيع منه، وقتها يحاول اقتناصها عندما تصبح بعيدة عن متناول اليد.. ثم يتمنى عودتها من جديد، لعله يعوض ما فاته منها، والفرص تأتي متنكرة، وتذهب ساخرة.. وهذا هو السر وراء تضييعها من قبل الكثيرين..تسمع بعضهم يقول: "كنت أعرف، ولكنني لم أكن واثقا" أو يقول: "لم أكن أتوقع أن تفوت مني بهذه السرعة".. وهذا هو الفرق بين من يستغل الفرصة في وقتها المناسب ومن يركض وراءها بعد أن تطير من يديه.
العصابة الغاضبة والمدير السعيد
أما القصة فتبدأ عند لحظة تنفيذ عملية سطو بأحد البنوك، صرخ اللص موجهاً العملاء والعاملين بالبنك : "لا تتحركوا المال ملك للدولة، وحياتكم ملك لكم"، فاستلقى الجميع على الأرض بكل هدوء، وهذا ما يسمى ( تغيير مفاهيم العقل).. أى تغيير الطريقة المثالية للتفكير بطريقة أخرى غير مثالية، ولهذا ظن الجميع - العملاء والعاملين - أن أموال الدولة التي بالبنك ليست أموالهم، فاستلقوا على بطونهم بطرق تفكير جديدة تخاطبهم بلامبالاة فحواها : ( وأنا مالي)..ولكن سيدة لم تحسن فهم توجيه اللص، إذ استلقت على ظهرها، فصرخ فيها اللص : "كوني متحضرة، هذه سرقة وليست اغتصابا"، وهذا ما يسمى ( الاحتراف).. أي التركيز فقط على ما تدربت عليه وما نويت تنفيذه دون الاستجابة إلى أية مؤثرات هامشية أو الاستمالة إلى أهداف أخرى.
ونفذ اللصوص عملية السطو بهدوء، ثم عادوا الى مقرهم بالمال المنهوب.. اقترح أحدهم على زعيم العصابة: "يا زعيم دعنا نحصى الأموال التي سرقناها"، فزجره الزعيم : "أنت غبي، هذه الأموال ضخمة، وعدها سيأخذ منا وقتاً طويلاً، فاصبروا، سوف نعرف حجمها من نشرة أخبار المساء"، وهذا ما ما يسمى (الخبرة والتجربة ).. وهي أكثر أهمية من المؤهلات الورقية، وهناك فى البنك حيث موقع الحدث بعد أن غادر اللصوص، كاد نائب المدير أن يتصل بالشرطة، ولكن أمره المدير العام بعدم الاتصال قائلا : "انتظر قليلاً، دعنا نأخذ عشرة ملايين دولار ونحتفظ بها لأنفسنا، ثم نضيفها إلى السبعين مليون دولار التي اختلسناها سابقا"، وهذا ما يسمى ( اقتناص الفرص) أي تحويل الأوضاع غير المواتية لصالحك، أو بالعربي الفصيح : السباحة مع التيار، المهم إنه في اليوم التالي ذكرت أخبار المساء تعرض البنك لعملية سطو مسلح وأن المبلغ المنهوب يقدر ب 100 مليون دولار..ابتهج اللصوص بالمبلغ المذكور في نشرة الأخبار، وشرعوا في عد المبلغ المنهوب الذي بطرفهم.. فوجدوه لم يتجاوز 20 مليون دولار، فاستشاطوا غضبا لأنهم غامروا بحياتهم من أجل 20 مليون دولار بينما مديرالبنك حصل على 80 مليون دولار بلامغامرة، فالأفضل أن يكون المرء متعلماً بدلاً من أن يكون لصاً - هكذا حدثتهم أنفسهم - وهذا مايسمى (المعرفة تساوي قيمتها ذهبا) .
وبالطبع فإن مدير البنك كان سعيداً للغاية، ليس فقط لنجاحه في اختلاس 10 مليون دولار، بل أيضا لنجاحه في تغطية اختلاسات سابقة مقدرة ب 70 مليون دولار، وهذا ما يسمى (اقتناص الفرص) والجرأة على ارتكاب المخاطر.
تمر مر السحاب
إنتهت الحكاية، ولكن مغزاها يتوغل في حياتنا العامة بلانهاية.. فاللص ليس هو فقط من ينهب أموال الناس ليلاً بقوة السلاح، بل قد يكون المكلف بإدارة تلك الأموال وحمايتها نهاراً..واللص المحترف بالعلم والخبرة والقانون والمنصب أخطر على الناس والمجتمع من اللص الهاوي، ولا شك أن الفرص عزيزة النفس فهي لا تبالي بمن لا يبالي بها، لذا تأتي ضبابية غير واضحة المعالم وفى نفس الوقت سريعة فالزمن ليس في مصلحة من يريد اقتناصها.. يقول الإمام على رضى الله عنه: "انتهزوا فرص الخير فإنها تمر مر السحاب"، كما إنها تأتي متكافئة واقتناصها متاح لكل الناس، المطلوب إذن هو انتهاز فرص الخير.. أما فرص الشر فليس انتهازها مطلوبا بطبيعة الحال لكنها هى السائدة - للأسف الشديد - حاليا فى مجتمعنا، لأننا بشر والضعف البشري يصيبنا كما يصيب غيرنا ولكن "إذا" وجدت أنظمة الرقابة والمحاسبة والشفافية فسيكون هذا سبب قوي للحد من الفساد وردع كل لص عن ممارسة هوايته القبيحة في سرقة قوت الشعب الذي يطحنه الغلاء وتعدد الالتزامات.. لكن متى تتحقق "إذا" هذه ؟
ساحة النقاش