هذه ليست صفحة من مذكرات كاتبها، كما أنها ليست يوميات من فصيلة الاعترافات، ولكنها نسخة طبق الأصل من مفكرة أب لثلاثة أبناء بعث بها إلينا، وهي قد تكون مفيدة لآلاف القراء الذين يعيشون نفس التجربة في ذات المناخ والظروف الاجتماعية والاقتصادية لصاحبها وليس لنا فيها سوى مهمة الصياغة.
الأب يبدأ تجربته بشرح ماذا يعني المصيف له ولأبنائه ولزوجته، فيقول إن المصيف بالنسبة له هي مكافأة يمنحها لنفسه بعد عام طويل من العمل والكد والشقا، وهو نفس المعنى بالنسبة لأولاده ـ ابنتان وصبي ـ بعد عام دراسي شاق وطويل"داخوا فيه السبع دوخات" بين المدرسة وشحططة الدروس الخصوصية والمذاكرة و"الميد تيرم"، و"الفينال تيرم" وهو أقل ما يعطيه لهم كمقابل بسيط على نجاحهم وتفوقهم، فهي أيام يتحاكون بها مع أصدقائهم وجيرانهم عبر "واتس آب، فيس بوك، تويتر، والانستجرام" وبين حصص العام المقبل، أما الزوجة والأم فهي تجمع بين كل ما سبق كحافز إجباري لها، باعتبارها هي من تحملت حكايات الأب المتكررة والتي لا تنتهي عن عمله بعد عودته مكشرا و"مبوزا" وشاكيا ومتبرما مما يلاقيه من عمله كل يوم، أما حكاياته على المقهى و"سرمحته" مع الأصدقاء في المولات وشوارع وسط البلد فهو يمضغها مضغا، وهي لا ترى صدى لضحكاته المكركرة بعيدا عن المنزل ولا تسمعها مطلقا من جنابه، حتى حوار آخر الليل بين الزوجين، فإنها لا تزيد عن كونها إلقاء كومة من القلق والشكاوى والهموم في حجر الزوجة الغلبانة، وفي منتصف الحكايات يكركر شخيرا في وجه"أم العيال" ويتركها وحدها مع أرق منتصف الليل تدعو الله أن يزيح الغمة، وإذا كان الأولاد يذاكرون ويتعبون، والأب يدفع ويجلس على المقهى، فإن الأم تسهر وحدها تحضر الدروس للأولاد على صوت الغسالة"الفول أوتوماتيك"، وبالتالي فهي تحتاج إلى بضعة أيام في قيظ أغسطس تشم فيهم نفسها، وإذا كان الأبناء ينتظرون المصيف ليتواصلوا مع أصدقائهم، فإن الأم لديها نفس الدافع، فهي تريد أن تجد ما تقوله من حكايات عن أسعار"الأوتيل" وسمك قدورة اللي بقت نار!
الأب ليست له أطماع كثيرة في رحلة الشتاء والصيف، فهو فقط يطمح في كرسي وشمسية على البحر ومعاهما علبة"كانز" يحرص على شرائها من كشك متواضع في المعمورة، لأنه يبيع بأسعار غير سياحية، ويا سلام لو المدام افتكرت الشورت والكاب بتوعه ليتمشى بهما متباهياعلى الكورنيش.
يعرف صابر جيدا أن هذه مكتسبات لن يتنازل عن أي منها أي فرد من أفراد الأسرة، ولكن هذا العام هناك مستجدات وظروف طرأت لم يكن له يد فيها، فماذا يفعل في كون الدولة قررت تخفيف أعباء الدعم عن أسعار الطاقة، وهو الذي يملك سيارة أصيلة لازمته طوال خمسة عشر عاما، وأنه اعتاد أن يفول سيارته بأقل من خمسين جنيهاً، ارتفعت بزيادة قدرها عشرون جنيهاً في المرة الواحدة حتى قرر الإقلاع عن التدخين بسبب الزيادة الكبيرة في أسعار التبغ، فألقى بـ"البايب الإنجليزي" الذي ورثه من والده المحامي الكبير في نهر الطريق غير باك عليه، كما أنه أنزل نصف مصابيح المنزل بعد الزيادة في فاتورة الكهرباء، والآن هو لا يستطيع أن يستقل الـ"سوبر جيت" لأن تكلفة السفر سوف تكون عبئا لا يتحمله، ومما زاد الطين بلة أنه كان يتقاضى حافزا من عمله يستطيع به تعويض تلك المصروفات غير المتوقعة، ولكن الإدارة أوقفته بسبب خسارة الشركة بفعل الركود الاقتصادي.
كانت هذه مستجدات لم يتوقعها صابر ولم يناقش زوجته عالية فيها، على أمل أن يأتيه عمل إضافي أو تعود الحوافز إلى سابق عهدها، ولكن كل الأحداث كانت تجعله على حافة اتخاذ القرار الصعب، قرار لم يلجأ إليه طوال السنوات السابقة ماعدا صيف الثورة المجيدة 2011 بسبب الانفلات الأمني وهو ما رضخت له الأسرة بما فيهم عاليا تقديرا للظرف.
وبعد أن استخار الله جمع الأسرة وتلا عليهم نص القرار: بلاهة مصيف هذا العام!
قابل الأبناء قرار إلغاء رحلة الصيف بالبكاء والعويل.
أما عالية فلم تعلق وإن كانت انسحبت إلى غرفتها التي تجمعها بصابر، وعادت بعد قليل ومعها شنطة سفر ضخمة!
قال لها صابر ما هذا يا عالية.. أنا بقول عليك عاقلة تقومي تحضري شنطتك وعايزة تسيبينا؟
رفعت عالية رأسها لأعلى قائلة في شموخ: لا وحياتك دي هدومك انت يا بيبي!
المصدر: طــــاهر البـــــهي
نشرت فى 26 أغسطس 2014
بواسطة hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
22,856,704
الصور المختارة
مقالات مختارة
رئيس مجلس الإدارة:
عمر أحمد سامى
رئيسة التحرير:
سمر الدسوقي
الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز
ساحة النقاش