في حياتي كانت طموحات كثيرة لكنني ألغيتها كلها واختصرتها في أحرف اسم زوجي.. لم يكن اختياري الحر بل مشاعري الجارفة التي قادتني إلى تنفيذ رغباته علني أحظى برضاه! فهل قدر تضحياتي؟!.. للأسف لا، لقد بات يبتعد عني يوما تلو الآخر بحجة تسرب الملل إلى حياتنا الزوجية.. وطبعاً أخذ يشكو من تكرار كلامي والكارثة أنه يعدد مزايا زميلاته الطموحات وكيف أنهن يتفنن في تجديد حياتهن الزوجية! فهل أخطأت حين تنازلت عن أهدافي ورهنت عمري عليه وعلى أبنائي؟
هذه السيدة يبدو أنها ليست الوحيدة التي تندم على تنازلها عن أحلامها فغيرها كثيرات ومنهن هند إبراهيم التي تقول: تزوجت عقب تخرجي في الجامعة وأنجبت ثلاثة أطفال وقد رفض زوجي أن أعمل حتى لا يؤثر ذلك على مسئولياتي المنزلية خاصة وأنه مقتدر مادياً.. ولا أنكر أنني أنا الأخرى لم أكن متمسكة بطموحاتي العملية فوافقت و ليتني ما فعلت، فقد تحولت حياتي إلى سلسلة من الخلافات الناجمة عن اختلاف شاسع في طباعنا والنتيجة طلاقي بعد سبعة عشر عاما لأجد نفسي بلا زوج أو عمل، ورغم امتلاكي المال الذي يعينني على الحياة ألا أنني لا أستطيع تحملها بمفردي! وحين أنظر إلى صديقاتي اللاتي تمسكن بطموحهن العملي أحسدهن، فيكفي تمتعهن بالاستقلال المعنوي الذي حرمت منه وأدى إلى ما أنا فيه!
تعاون مشترك
وإذا كانت تجربة هند تشير إلى ارتباط الطموح بالثقة والاستقلالية فهل يساهم ذلك في إنجاح علاقة المرأة الزوجية؟!
تقول د. فاطمة خفاجى مدير مكتب الشكاوى بالمجلس القومي للمرأة سابقاً: لاشك أن طموح المرأة يمنحها الثقة في النفس فضلاً عن استقلالها المادي والمعنوي مما ينعكس على علاقتها الزوجية وهو ما يظهر بوضوح في الطبقات الوسطى من المجتمع حيث يشارك طرفي العلاقة الزوجية في تحمل الأعباء المادية ما يخلق نوعا من التعاون ومن ثم يصعب تخلي أحدهما عن الآخر.. عكس الطبقات الأقل وهو ما لمسته أثناء بعض الجولات التي قمنا بها لتفقد مشاكل النساء بمنطقة الدرب الأحمر.. فالمتعلمون من الشباب بهذه المناطق يرفضون عمل زوجاتهم رغم أنهم لا يملكون توفير ولو الحد الأدنى من العيش الكريم، وهذا لإثبات سلطتهم وعندما توافقهم الزوجة وترضى بدورها كربة منزل وأم يذهبون لغيرها ويطلقونها فتخرج من الزيجة صفر اليدين بعد تنازلها عن عملها!
ثقافة ذكورية
وتؤكد الكاتبة الصحفية فريدة النقاش رئيس تحرير جريدة الأهالي أن طموحها العملي كان ولايزال سبباً رئيسياً في نجاح علاقتها الزوجية وتشرح قائلة: عندما تخرجت في الجامعة كنت وغيري من بنات جيلي نفكر ونجادل ونناقش أهدافا ونتحدث عن طموحات عملية من دون أن تتحدث إحدانا عن الزواج وعندما التقيت زوجي كان لكل منا طموحه وأحلامه التي يكمل بها الآخر فكلانا كان منشغلاً بالسياسة فضلاً عن انضمامنا للحزب نفسه وهذا الأمر ساعد على دعم علاقتنا الزوجية فلم يعرف الملل يوماً طريقه إلى بيتنا.
وتضيف النقاش: زيجات اليوم اختلفت كثيراً فلم تعد الفتيات يتمسكن بطموحهن العملي بقدر بحثهن عن زوج، كذلك الشبان أصبحوا رافضين للارتباط بصاحبة الطموح ويرجع ذلك إلى التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على المجتمع خلال الخمسين سنة الماضية بما تخللها من مفاهيم ومعتقدات خاطئة عن عمل المرأة وطموحها.. لذا أرى ضرورة إعادة النظر في الثقافة الذكورية السائدة حتى تستعيد النساء طموحاتهن التي كانت في الخمسينيات والستينيات مما يساهم في تحسين العديد من العلاقات الزوجية.
التخلي عن الأضواء
وإذا كان هذا هو رأي النساء فماذا عن رأي الرجال وكيف ينظر كل منهم إلى المرأة الطموحة؟
يقول الكاتب مجدي صابر: قد يعجب الرجل الشرقي بالمرأة الجميلة لكنه لا يتزوجها حتى لا يدخل نفسه في متاهة الشكوك، كذلك الطموحة أو الذكية كثيراً ما تجذبه لكنه يخشى الزواج منها حتى لا يصطدم طموحها بطموحه, فإذا حدث وتفوقت عليه يجرح هذا رجولته! لذا كثيراً ما يفضل الرجل الزواج من المرأة غير الطموحة وإن كانت عاملة، وأعتقد أن الزوجة الذكية تستطيع أن تحقق المعادلة الصعبة وتجمع بين طموحها العملي والشخصي عن طريق عدم إشعار زوجها بتفوقها عليه بمعنى أنه في حال اتجاهها إلى العمل العام عليها أن تهرب من الأضواء!
ويختلف محمد عابد "مدير إحدى الشركات" مع الرأي السابق ويقول: المرأة الطموحة تكون لها اهتمامات متعددة ومن ثم تتجاوز عن الصغائر التي تؤدي إلى المشاكل الزوجية وهو ما لمسته بنفسي في الفترة التي أخذت فيها زوجتي أجازة من عملها بأحد البنوك عقب ولادتها فكانت تركز على كل كبيرة وصغيرة مما أدى إلى مشاحنات عديدة بيننا، لكنها وما أن عادت إلى عملها ونشاطها الاجتماعي حتى تلاشت كافة الخلافات.
الكل يلومها
وعن نظرة المجتمع لطموح المرأة تقول د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة عين شمس: للأسف نحن نعيش في مجتمع ذكوري ومن ثم يحوم رجاله حول المرأة الطموحة لكن ما أن يتزوجها أحدهم حتى يكسر طموحها ويساعد على ذلك نظرة المجتمع الرافضة لكل ما يخرج عن التقليدي بمعنى أنه لا مانع لدى غالبية الفئات فى أن ينصب طموح المرأة على العمل المعتاد لكن لو تطور الأمر إلى رغبتها في التفوق والتميز فالكل يلومها بل ويحذر من الارتباط بها! وتلك في حد ذاتها كارثة، فلا يعقل أن تكون المرأة هي العضو الفعال في كافة الأحداث السياسية بل والاقتصادية ومع ذلك لا تزال تواجه بهذه النظرة القاصرة لطموحها.. لذا أرى أننا بحاجة إلى تصحيح صورة المرأة الطموحة وهذا لن يأتي إلا بتضافر وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني معاً.
ويتفق د. إسماعيل يوسف أستاذ الطب النفسي بجامعة قناة السويس مع الرأي السابق ويضيف: لا شك أن تخلي المرأة عن طموحها يفقدها الثقة في نفسها ما قد يعرضها للاكتئاب النفسي، كما أنها في حالات أخرى ينتابها نوع من الاختناق شيئاً فشيئا نتيجة حرمانها من تحقيق أهدافها الأمر الذي يؤثر سلباً على علاقتها الزوجية.. لهذا أحذر النساء من التخلي عن طموحهن من أجل الفوز بلقب "زوجة"!
المصدر: مروة لطفى
نشرت فى 12 نوفمبر 2014
بواسطة hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
22,810,956
رئيس مجلس الإدارة:
عمر أحمد سامى
رئيسة التحرير:
سمر الدسوقي
الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز
ساحة النقاش