يتماهى الإبداع الحقيقى داخل بوتقة الشعور فتتولد لدينا طاقات إيجابية تعمل على تحريك السلوك الإنسانى فى إطار السلام المجتمعى، والدفعة الإنتاجية والعطاء اللا محدود، وهذه وظيفة الفن الذى نحن فى أمس الحاجة إليه، وتتحقق حينما تقف مشدوها أمام طاقات هائلة لمجموعة من الشباب فى مقتبل حياتهم، يقدمون فناً مسرحياً متميزاً من حيث الفكرة والمضمون.

 لقد تابعت ردود أفعال عن عرض "سلم نفسك" ورغبت فى مشاهدته كعرض شبابى لمجرد متابعة الحركة الفنية على الساحة والتى أعنى بها بشكل عام.

 لكن المفاجأة أننى سعدت أيما سعادة بقدرات تمثيليلة أعتقد أنها تستطيع تغيير المنظور الفنى العام للأفضل، وما زاد إعجابى ما يتضمنه العرض المسرحى من موسيقى وغناء واستعراض شارك فيها الأبطال ذاتهم, فهو عرض فنى متكامل تداخلت فيه الفنون وتكاملت لخلق صورة بصرية وذهنية قمة فى الروعة والرقى بإمكانات وتكاليف مادية غير مبالغ فيها كغيرها من العروض التى تعتمد على ميزانيات مضاعفة وقيمة فنية هزيلة.

 استطاع العرض أن يختطف من أعمارنا ما يزيد عن ساعتين حلقنا فى سماء الإبداع داخل مركز الإبداع الذى بنى على أكتاف هذا المخرج العبقرى خالد جلال بكل ما يمتلكه من عناصر فنية وقدرة إنسانية جعلت من هؤلاء الفنانين أبطالا تكاملوا معاً داخل المشاهد المنبثقة فى العرض والتى تشعرك أن هناك عصا خفية تعمل على تحريكهم بهذه السرعة وهذا الإبداع تحت إشارات المايسترو مخرج العرض

ورغم إيمانى الشديد بدور الفن فى مواجهة قضايا المجتمع والذى أبحث عنه كثيراً بأشكال مختلفة لمساندة دورنا كأعضاء المجلس القومى للمرأة لتغيير سلوك المجتمع بالفنون لما لها من تأثير قوى ومباشر، إلا أن كثيرا من المبدعين لم يهتموا بهذا الجانب فى أعمالهم رغم انتقادهم لما يحدث على أرض الواقع، لذا جاء تعاوننا الدائم مع أكاديمية الفنون لدعم هذه القضايا وتأصيلها مجتمعياً فى نفوس شبابنا وأطفالنا، وكانت المفاجأة التى استوقفنى كثيراً اهتمام المخرج بقضايا المرأة فى الاسكتش التمثيلى الرائع الذى يتناول أحوال نظرة المجتمع لها، والثقافة الذكورية السائدة، وكذلك القضايا المعنى بها المجلس القومى للمرأة والتى يضعها فى أولويات تحركاته مثل التحرش والعنف ضد المرأة وهو ما أبدع فيه جميع المشاركين ببساطة فى الأداء، مع تسليط الضوء على هذه السلبيات فى إطار اجتماعى ساخر.

كما شمل العرض أيضاً موضوعات أخرى تحمل فى طياتها قيما إنسانية وأهداف نبيلة وطرح لقضايا مجتمعية تمسنا بمنتهى الحرفية والإتقان فى إطار كوميدى غنائى راقص، فنجد قضايا مثل النميمة بين البشر، والفهلوة التى نعانى من آثارها كثيراً، والانسياق السلبى لمواقع التواصل الاجتماعى والاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا مما أفسد العلاقات الحميمية بين الأسر وترابطنا العائلى كأحد مظاهر ومكونات حياتنا الاجتماعية فى المجتمعات الشرقية، أيضاً ناقش كيف تحولنا لسلع مستهلكة وليست منتجة، وكيف انعدمت الشهامة والمروءة فى الشارع المصرى بشكل كبير وهو ما يجب أن نستعيده لبناء مجتمع مترابط سليم يقودنا نحو التقدم.

 

مخرج واع غير منفصل عن واقعنا، يشعر بمتطلبات الحياة وسلبياتها فيدق ناقوس خطر بمهنية وحرفية، فالعديد من القضايا الملحة قادها المايسترو بعناصره التى تألقت فى الأداء وتميزت بأصوات غنائية جميلة وألحان رقيقة فى بعض الاسكتشات بخلاف اعتماد العرض على أغنيات مستوحاة من المسرح الغنائى العالمى ولكن برؤية مصرية شابة مبدعة، مصر ولادة والإبداع سيستمر طالما هناك فنان مخلص وقائد عاشق لفنه كالمايسترو خالد جلال. 

المصدر: بقلم : رانيا يحيى
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 650 مشاهدة
نشرت فى 18 يناير 2018 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,728,274

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز