في كل مرة كنت أقرر فيها السفر خارج مصر من أجل العمل، وبحكم حبي للتغيير واكتساب خبرات جديدة، كنت أشعر بسعادة مختلفة, فها هي بلد جديدة أتعرف عليها وعالم آخر أدخل إليه بل وطبيعة مختلفة أعيش فيها، ولا شك أن بعض هذه التجارب كانت تضيف إلي الكثير بل وكانت تشعرني بالراحة بالبعد عن ضغوط الحياة في مصر، وبعض المشكلات العادية التي نعاني منها جميعا، بل وكانت تبهرني بشكل وطبيعة الحياة فيها والتي بالطبع وبحكم ارتفاع مستوى المعيشة تعد أقل وطأة وأكثر رفاهية، ولكنى دائما كنت وبعد فترة لا تتجاوز الستة أشهر أشعر بالحنين للعودة مرة أخرى إلى بلدي إلى ضجيجها وشوارعها وناسها وطبيعة الحياة فيها بكل ضغوطها ومشكلاتها وزحمة شوارعها, كنت أشعر بالحاجة إلى البقاء مع أهلي وأصدقائي، ولم أكن أجد تفسيرا واضحا في البداية لهذا، بل كان الكثير من الأصدقاء يصيبهم التعجب من مشاعري هذه متسائلين كيف يمكن أن يعيش الإنسان في بيئة ومجتمع أكثر رفاهية ووسط إمكانيات مادية أكثر سهولة ويسر ويتطلع للعودة لإمكانيات وظروف اقتصادية أصعب بل وحياة أكثر تعقيدا بمشكلاتها وملامحها وطريقة المعيشة فيها، ولكني رغم كل هذا كنت أعود، كنت أعود وبداخلي مشاعر كثيرة من الحنين لكل شيء للشوارع والطرقات والأصدقاء، بل والدخول والعودة مرة أخرى للعمل بمؤسستي العريقة دار الهلال الصحفية، كان ينتابني الحنين للشعور بالألفة بل والأصح الأمان وأنا أسير بالشوارع وألتقي بأصدقائي وأعود لمنزلي وأنا أمشي على أرض لا أشعر فوقها بأي خوف أو قلق من ساعة العودة لمنزلي، فأنا أعرف كل ركن فيها بل وأعرف أن أي فرد من أهلها لن يتوانى ولو للحظة عن مساعدتي إذا تعرضت لأي خطر في الطريق العام أو لو قدر الله حادثة حتى وإن كان لا يعرفني فكل فرد على هذه الأرض هو أهلي وناسي وعائلتي التي لن تتأخر عن مساعدتي ودعمي لأنني كما يقولون بنت بلدهم، كنت أشعر بسعادة بل واحترام وتقدير من الكل من الأهل والأصدقاء مهما كانت مكانتهم ووضعهم الاجتماعي والوظيفي، كنت أشعر وببساطة بمعنى الوطن, معنى أن تجد أرضا تحتضنك وأناس تشعر أن جميعهم هم أهلك وناسك وكلهم يد الحماية التي تدافع عنك، وأدركت حقيقة الأمر بعد فترة ليست ببسيطة فأنت مهما بعدت لابد أن تجتذبك هذه الأرض مرة أخرى بمشكلاتها وضغوطها قبل رفاهيتها، لابد وأن تحلم بالسير على أرضها وزيارة أهراماتها ونيلها، مهما كنت تعيش في وسط أكثر جمالا وإبهارا، هذا هو ما لايدركه الكثيرون ممن يعيشون على أرض مصر ولم يبرحوها, فبعضهم يرى في البعد عن مشكلاتها أيا كانت راحة ليس بعدها راحة، لأنه يعيش داخل أرضها ولم يبعد ولم يشعر بمشاعر الحنين التي لابد وأن تنتابك بمجرد إقلاع الطائرة ومغادرتها لأرض الوطن، لم يشعر بمدى الأمان الذي سينتابه بمجرد أن تطأ عجلاتهامرة أخرى أرض المطار عند العودة إليه، هذه المشاعر كانت السبب في تغير نظرتي للحياة بل وحياتي بأكملها في السنوات الأخيرة, فقد أصبحت أكثر رغبة في لعب دور حقيقي بل والمشاركة في مساندة هذا الوطن ودعمه بكل ما أملك من قوة سواء من خلال كتاباتي أو مشاركتي في بعض الأنشطة ذات الطابع التنموي أو السياسي, فقد أدركت وبعد عدة تجارب أنه لا يوجد لنا سوى بلدنا مهما تغربنا وبعدنا وعشنا في مستوى اقتصادي أفضل لذا لابد وأن يكون لنا دور حقيقي في مساندتها بل الوقوف بجانبها كلما احتاجت, فيكفي أن نعمل ويؤدي كل منا ما عليه, يكفي أن نشارك كلما احتاجت إلينا، أقول هذا وأنا أذكر نفسي ونحن نستعدجميعا للانتخابات الرئاسية المقبلة أننا لن نتواني وسنقف بجوار بلدنا وسننزل ونشارك ونؤدي كل ما علينا كل في موقعه، ليس فقط لأن هذا واجب وطني، ولكن لأنه جزء من شعورنا بأننا نؤدي ما علينا تجاه أرض وناس دعمونا وكانوا سندا لنا منذ مراحل الطفولة الأولى وحتى حقق كل منا أمنياته ضد أي حاجة أو عوز من الآخرين أيا كانوا، بحبك يا بلادي.
ساحة النقاش