زرت العريش أول مرة مع مجموعة من زملائى فى مجلة صباح الخير بدعوة من محافظها اللواء منير من 1982 وحتى 1996, استقبلنا فى أحد فنادقها مدير العلاقات العامة الفنان مصطفى بكير الذى تتيه سيناء بلوحاته ومعارضه الفنية فى العديد من بلاد العالم, لم تكن مصر قد استعادته إلا عام 1982، ولكن ما رأيناه كان مفاجأة, اصطحبنا المحافظ فى أوتوبيس عتيق فى كل جولاتنا وكان يتحدث بحب وحماس كأب يحلم لابنته, عما حققه الأهالى بعد عودة مدنهم وقراهم إلى أحضان مصر، مزارع ومبانى ومشاريع صناعية وتجارية..الخ, كان اللواء منير نموذجا لما يجب أن يكون عليه المحافظ فى رقعة حساسة من أرض الوطن، يتعايش مع أهلها ويحترمهم ويحلم معهم يعرف كل شبر فى أرض سيناء، رأيناه يتحدث معهم كأصدقاء، يحترم تقاليدهم ويشركهم في إدارة شئونهم, ورأينا السيناوية يحيونه بحب ويرحبون به ويكرمون ضيوفه فى كل مكان, حدثنا عن مشروع كبير لهذه الرقعة الغالية من أرض الوطن, قال يجب أن تبدأ الدولة أولا بالاعتراف بالملكية العرفية لأبناء سيناء على أراضيهم المزروعة، فلو أحس أبناء سيناء "بالمواطنة الكاملة" سيحولونها إلى جنة, كان يرى أن الحل الأمثل لإجهاض أحلام إسرائيل هو تنمية سيناء وزرعها بالبشر والشجر, كان اللواء شاش يحلم بتوطين 4 ملايين مصري فى سيناء التى تماثل فى مساحتها الدلتا، وكان يخطط لاستزراع 400 ألف فدان، وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة تتمثل في إنشاء 81 قرية مجهزة بجميع مقومات البنية الأساسية, عرض المشروع على الرئيس مبارك الذى تحمس له وأصدر تعليماته لرئيس الوزراء آنذاك د. عاطف صدقي بدراسة المشروع, وكلف د. كمال الجنزوري وزير التخطيط بمقابلته, وتم عرض المشروع على مجلس الوزراء ووافقت الحكومة عليه, وكانت الخطة أن يبدأ المشروع عام 1994 وينتهي عام 2017 باستثمارات 75 مليار جنيه.
زرت سيناء مرات عديدة, وفى آخر عهد اللواء منير شاش وجدته على غير عادته، مكتئبا حزينا, قال لى: إن المشروع تعثر بعد أن أضيفت له محافظات القناة والشرقية وتقلصت ميزانيته من خمسة وسبعين إلى 55 مليار جنيها؟ ثم توقف تماما في عهد عاطف عبيد وبدأ مشروع توشكى الذى هدرت فيه أموال الدولة, استمر اللواء شاش محافظا لشمال سيناء لمدة أربعة عشر عاما ثم طلب من الرئيس مبارك إعفاءه من المنصب وتم تعيينه مستشارا لرئيس الوزراء لتنمية سيناء.
ولو كان حلم شاش تحقق لما وقعت سيناء فى قبضة الخونة، ولما استشهد على أيديهم عشرات الأرواح، ولما تكبدت مصر الملايين لتطهيرها من دنس الخيانة, ولما اضطر الرئيس السيسى لتنفيذ خطة سيناء, كانت كل تلك المليارات ستنفق على أبناء سيناء وتحريرهم من الفقر والبطالة وأطماع الأشرار, ومع أخبار انتصارات جيشنا الباسل واقتراب شهر أبريل حيث تحل احتفالاتنا باستعادة وتحرير سيناء لابد أن نتذكر عاشق سيناء اللواء منير شاش محافظ سيناء الأسبق الذى رحل عن عالم الفناء بعد أشهر قليلة من ثورة يناير, ولعل الرجل مات بحسرته لأن حلمه الكبير الذى ظل يناضل لتحقيقه منذ تولى محافظة سيناء حتى وفاته تحول إلى سراب, فهل يتحقق الحلم فى العهد الجديد للرئيس السيسى بعد تحرير كامل تراب سيناء بإذن الله؟
ساحة النقاش