أصواتهم مزامير من الجنة، تشدوا بآيات الذكر الحكيم فتبكى لها الأعين وتخشع القلوب وتقشعر الأبدان، حباهم الله بالموهبة فأسرت أصواتهم أرواح المستمعين لآيات كتابه، عددهم فى العالم العربى ليس بالقليل، لكننا حرصنا على اختيار بعضا ممن تزينت حناجرهم بالقرآن فأبهروا العالم بحسن الصوت وإتقان التلاوة لنتعرف على سيرهم ومشوارهم مع القرآن الكريم..
فى قرية المراعزة بمركز أرمنت محافظة قنا ولد عبد الباسط محمد عبد الصمد سليم داوود عام 1927 وسط بيئة عاشقة للقرآن الكريم، فقد كان جده الشيخ عبد الصمد من حفظة القرآن المجيدين، وكذلك إخوته، لذا لم يكن من الغريب أن يبدأ دراسة القرآن منذ السادسة ليكمل حفظه وتجويده فى العاشرة من عمره.
تأثر الشيخ عبد الصمد بقيثارة السماء محمد رفعت فقال عنه: «كنت أمشى مسافات طويلة جدا قد تصل إلى 5 كيلومترات لأستمع إلى القرآن بصوته من خلال جهاز الراديو الوحيد الموجود لدى أحد أثرياء البلدة »، بدأ صيت الطفل الصغير ذو الـ 12 عاماً يذيع فى قريته، فكان يُدعى لقراءة القرآن فى دواوين كبار القرية، بعدها اتسع نطاق شهرته لمحافظة قنا لتنهال عليه الدعوات من كبار العائلات والقبائل لإحياء ليالى قرآنية خاصة فى شهر رمضان.
الإذاعة
انضم الشيخ عبد الباسط إلى الإذاعة المصرية وتم اعتماده قارئا فيها عام 1951 ، وخلال أشهر قليلة حقق شيخنا شهرة واسعة بفضل عذوبة صوته، وعين بعد ذلك قارئا لمسجد الإمام الشافعى سنة 1952 ، ثم لمسجد الإمام الحسين سنة 1958 خلفا للشيخ محمود على البنا.
بدأ رحلته العالمية أثناء زيارته للمملكة السعودية لأداء فريضة الحج مع والده، حيث طلب منه تسجيل عدة تسجيلات للمملكة لتذاع عبر موجات الإذاعة، فقام بتسجيل عدة تلاوات أشهرها التى سجلت بالحرم المكى والمسجد النبوى الشريف ليلقب بعدها بصوت مكة، امتلك الشيخ مقومات صوتية جعلته يتميز عن الكثيرين من أبناء جيله ليستحق عن جدارة لقب صاحب الحنجرة الذهبية.
سفير عالمى للقرآن
قرأ الشيخ عبد الباسط القرآن حول العالم من المسجد الحرام بمكة إلى النبوى بالمدينة، ثم الأقصى بالقدس الشريف، والإبراهيمى بالخليل بفلسطين والأموى بدمشق وأشهر المساجد بآسيا وإفريقيا والولايات المتحدة وفرنسا ولندن والهند ومعظم دول العالم، وكان استقباله فى كل بلد حافلا ورسميا على المستوى الحكومى والشعبي، حيث استقبله الرئيس الباكستانى فى أرض المطار وصافحه أثناء نزوله من الطائرة، وعندما زار الهند لإحياء احتفال دينى كبير أقامه أحد الأغنياء المسلمين هناك فوجئ الشيخ بجميع الحاضرين يخلعون الأحذية ويقفون على الأرض وقد حنّوا رءوسهم إلى أسفل ينظرون محل السجود وأعينهم تفيض من الدمع يبكون إلى أن انتهى من التلاوة وعيناه تذرفان الدمع تأثرا بهذا الموقف الخاشع.
أوسمة
حصل سفير القرآن على عدد من الأوسمة منها وسام من رئيس وزراء سوريا عام 1959 ، وآخر من رئيس حكومة ماليزيا عام 1965 ، كما حصل على وسام الاستحقاق من الرئيس السنغالى عام 1975 ، والذهبى من باكستان عام 1980 ، بالإضافة إلى وسام العلماء من الرئيس الباكستانى ضياء الحق عام 1984 ، وفى عيد الإذاعة المصرية الخمسين نال وسامها إلى جانب وسام الاستحقاق من الرئيس المصرى السابق محمد حسنى مبارك أثناء الاحتفال بيوم الدعاة عام 1987 ، وأخيرا وسام الأرز من الجمهورية اللبنانية.
وفاته
بعد رحلة مع القرآن طاف بها بلدان العالم وخدم خلالها كتاب الله فوضع الله له القبول فى قلوب محبيه رحل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد عن دنيانا فى 30 نوفمبر 1988 بعد معاناة مع المرض، وقد شيعت جنازته وسط حضور من سفراء دول العالم تقديراً لدوره فى مجال الدعوة بكافة أشكالها.
ساحة النقاش