يابنت بلدى حكيت لك الأسبوع الماضى طرفا من حكاية قارئى المحاسب عبد الرؤوف نصر 37 سنة من المنيا، وكان قد قال لى إنه من أسرة مكافحة ذاقوا الأمرين حتى تخرج فى الجامعة ثم عين فى إحدى الشركات ثم حصل على شهادة امتياز من الشركة وعين فى أحد البنوك، ورفض أن يفكر فى الزواج حتى يتخرج إخوته الخمسة من الجامعات، وكان يعطى راتبه كله إلى والده المزارع محدود الدخل كل أول شهر ولا يقتطع منه سوى مصاريف المواصلات إلى العمل وإلى البيت فقط حتى يخرج أخواه الكبيران, واستقرت الأحوال المالية للأسرة وطالبه والده بالزواج وكان قد بلغ الثانية والثلاثين من العمر وكانت ابنة عمه فتاة ذات جمال فائق تدرس بالجامعة وترفض كل من يتقدم لها من العرسان لأنها كانت تحب ابن عمها عبدالرؤوف وتتمنى أن تتزوجه رغم أنه يكبرها بعشر سنوات، وفعلا تقدم له عبدالرؤوف وفرحت أسرته كثيرا وفرح هو، ثم كانت المفاجأة عندما طلبت ابنة عمه فاطمة مقابلته وقالت له .
- آسفة يا عبدالرؤوف لن أستطيع أن أتزوجك!
***
واستطرد عبدالرؤوف كدت أقع من طولى عندما قالت لى فاطمة عروسي ابنة عمى التى أحبها وتحبنى أنها لن تتزوجنى، وكانت دموعها تنهمر وأنا فى حالة ذهول تام.. ومادت لى الأرض وأرهقتنى الشكوك.. هل هو عريس آخر أحسن منى؟ نعم أنا أكبر منها بعشر سنوات ولست ثريا ولست وسيما بما بلغت الأنظار لكنها قالت برقة وحزن..
- لا تعبث بك الظنون والأفكار يا ابن عمى لقد رفضت كل من تقدموا للزواج منى من أجلك؟
قلت لها: وما هو سبب رفضك إياك إذا كان الأمر كذلك؟
قالت: إنه حبى لك يا ابن عمى؟
نظرت إليها متسائلا فقالت:
- منذ أيام أصابتنى «دوخة » وشعرت بشبه إغماء وذهبت إلى الطبيب فقال لى بعد الكشف وعمل رسم للقلب.
- عضلة القلب ضعيفة بعض الشىء وأحذرك من الحمل والولادة بعد الزواج لأن فيها خطر عليك وأنا يا ابن عمى لا أريد أن أحرمك من الخلفة والأولاد وكذلك عمى وزوجة عمى والدك ووالدتك.
***
ويستطرد عبدالرؤوف.. لم أجد سوى يديها أقبلهما وأغرقتهما بدموعى وقلت لها:
- لن أرضى بغيرك عروسا لى وبإذن الله تعالجين وتملأ الدنيا صبيانا وبناتا ربنا موجود ولن يخذلنا!
وتزوجنا وداومت فاطمة على العلاج وبدأت التحسن وكنت أصمم على أن أعطيها حبوب منع الحمل بيدى حتى لا تتعرض لأى خطر وفعلا لم أكن أهتم بالإنجاب فقد كانت هى كل حياتى.. ومرت الشهور ووقفت فاطمة أمامى وقالت لى وهى فى منتهى السعادة..
- رؤوف.. أنا حامل! وصرخت وقلت لها كيف تفعلين بى هذا إنه خطر عليك, قالت ربنا موجود، والطبيب قال إن شاء الله تقومين بالسلامة وقد تحسنت كثيرا، قلت لها كيف تم ذلك وأنا أعطيك بنفسى حبوب منع الحمل كل ليلة؟ قالت كنت تضعها فى فمى وأستدير وأخرجها من فمى والقى بها فى سلة المهملات.
***
واستطرد عبدالرؤوف.. ومرت شهور الحمل يا سيدتى وأنا أضع يدى على قلبى، وفى موعد الولادة أجريت لها ولادة قيصرية وجاء ابنى الكبير إلى الحياة سليما معافيا . وبعده بعام ونصف جاءت لى فاطمة بولد ثانى وحمدنا الله وشكرناه على هذه النعمة، ولو كنا قد استسلمنا لليأس وامتنعنا عن الزواج كما نصحها الطبيب لما كنت الآن أبا لطفلين سعيدين وزوجتى فى منتهى الصحة والسعادة وهى ترعانى وتربى الطفلين ولا تشكو أية آلام بل إن الطبيب المعالج يقول إن ما حدث لفاطمة يعتبر معجزة من السماء فقد أصبحت طبيعية تماما وقلبها زى «البمب »! ألم أقل لك يا سيدتى إن الله قادر على كل شىء؟
***
الحمد لله رب العالمين وفعلا إن الله لا ينسى عبادة المؤمنين الصابرين، وأنه بالفعل مع المنكسرين جابر، وقد كتبت حكايتك لكل الناس حتى يعرفوا أن الحالة النفسية للإنسان وبفضل الله وقوة الحب بين الزوجين والإيمان والإرادة فقد تزوج الحبيبان وأنجبا أطفالا فى غاية الصحة والحمد لله رب العالمين، وقديما قالوا لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة!
ساحة النقاش