«وجهت اليوم وزارة الداخلية باتخاذ اللازم للإفراج عن كافة الغارمات من السجون المصرية بعد سداد مديونياتهن من صندوق تحيا مصر ».. لم يتخيل أحد وقع هذه الكلمات التى وجهها الرئيس عبد الفتاح السيسى لمئات الأسر المصرية التى أمر بالإفراج عن ذويهم من الغارمين وتسديد مديوناتهم ليمسح بذلك دموع مئات الغارمات وذويهن. فى السطور التالية نعيش مع قصص عدد من الغارمات التى عايشناها على مدى عدة سنوات ماضية، والجهود المجتمعية المبذولة لمساندتهن وتقديم الدعم لهن، كما نستعرض المشروعات القانونية المنتظر تقديمها للبرلمان فى الفترة المقبلة لمساعدتهن إكمالا لهذه الجهود الرئاسية الحميدة، حتى تنتهى مشكلاتهن بشكل نهائي..
فى البداية تقول سلمى عاطف، أرملة وأم لثلاث بنات: بدأت قصتي عندما تقدم شاب لخطبة ابنتي، فرحت كثيرا كأى أم تحلم بزواج بناتها والاطمئنان عليهن، لكن مستلزمات منزل الزوجية ومصاريف إتمام الزواج مثلت عائقا كبيرا, فأنا مطالبة بشراء كافة أدوات المطبخومتطلبات ابنتي،لم أجد حلا أمامي سوى اللجوء إلى تجار الجملة وشراء ما يلزم ابنتى بالتقسيط، وبالفعل قمت بشراء كافة المستلزمات ووقعت على إيصالات أمانة بثمنها وفوائدها، وقتها لم أفكر كيف ومتى سأتمكن من تسديدها فإتمام زواج ابنتي هو كل ما يشغل بالي،وبعد الزواج حان وقت السداد لكن لم يتوفر معي أي مبلغ للسداد، وبدأت المطالبات بالسداد تزداد حتى وصل الأمر إلى تقديم الإيصالات إلى النيابة وتحولت إلى قضية وأصبحت واحدة من سجينات الفقر.
زواج ابنتي
لم يختلف حال أمينة محسن المطلقة والأم لأربعة أبناء كثيرا عن سلمىفقد اضطرت إلى العمل في أحد المحلات التجارية بعد أن تركها زوجهاوأبناءها دون عائل، فتقول: كان هدفي في الحياة تعليم أبنائي لكن بمجرد وصولهمإلى مرحلة الثانوية العامة زادت المصروفات الدراسية والدروس الخصوصية ولم أستطع تحملها فلجأت إلى الاستدانة، حتى تقدم شاب لخطبة ابنتي وهي لا تزال في الجامعة فوافقت لتخفيف العبء عن عاتقي، وبدأت في شراء جهازها،واشتريت الأجهزة الكهربائية بالتقسيط من أحد التجار الذى لم يلتمس لى العذر وقدم الإيصالات للنيابة بعد أن تعثرت فى سدادها.
علاج والدتي
أما السيدة هدى محمود فلم تسع لزواج ابنتها أو حتى الإنفاق على تعليم أبنائها لكن كان كل هدفها علاج والدتها المريضة الذى كان يكلفها آلاف الجنيهات، ولم يكن في مقدرتهاتوفيره،وتقول: كنت أحتاج إلى توفير العلاج لوالدتي وهو ما دفعنى إلى التفكير فى التجارة عن طريق شراء أجهزة كهربائية بالتقسيط وبيعها, وبالفعل قمت بشراء الأجهزة مقابل الإمضاء على 11 وصل أمانة غير محدد القيمة،لكن قبل إتمام العلاج توفيت والدتى فى الوقت الذى عجزت فيه عن سداد المبلغ, وقام صاحب المعرض بتحريك دعوى قضائية بـ3 إيصالات نتج عنها صدور حكم بالسجن.
جهود مجتمعية
تقول د. نوال مصطفى الكاتبة الصحفية ورئيسة جمعية رعاية أطفال السجينات: بدأت البحث في قضية الغارمات عندما دخلت سجن القناطر للنساء لإجراء تحقيق صحفىلأصطدم بوجوه أطفال صغار يركضون فى فناء السجن ما جعلني أفكرفى تأسيس جمعية لرعايتهم، وبعد أن نجحت فى ترجمة الفكرة إلى واقع ملموس أسست مشروع"سجينات الفقر" الذى استطعنا من خلاله الإفراج عن ألف غارمة، إلى جانب مشروع"حياة جديدة" الذى يتضمن عدة محاور تتمثل فى تمكين المرأة السجينة داخل السجن وخارجه، ولتنفيذ ذلك أسست أول ورشة تدريب وتشغيل بسجن النساء بالقناطرعام 2016 لتدريب السجينات على حرفة الخياطة والتطريز، كما أسست مصنعا صغيرا بالهرم ليكون ملاذا للسجينات السابقات لتوفير مصدر رزق لهن بعد الخروج من السجن حتى لا يتورطن فى مزيد من الديون، ولدينا أيضا تأهيل نفسى للسجينات داخل وخارج السجن وتدريب على المهارات الحياتية وكيفية إقامة المشروعات المتناهية الصغر بطريقة علمية مدروسة.
وتابعت:وعلى مستوى العمل في الإطار التشريعي استعنت بمجموعة من القانونيين والقضاة والمشرعين لدراسة القضية والبحث عن مخرج يمنع حبس الغارمة لأنها لم تسرقأو تقتل, لم تختلس أو تنصب، فقط تعثرت فى سداد دين بسيط بسبب فقرها وقلة وعيها بالقانون وجهلها،وبالفعل قضينا عامين فى دراسة هذا الحل الذى يعتمد على التعديل التشريعى ويستبدل عقوبة الحبس بالخدمة المدنية،لنتبين بعد ذلك أن هذه الفكرة تم تطبيقها بالفعل فى دول عديدة فيما يتعلقبالجرائم البسيطة، بعدها عقدت ثلاثة موائد مستديرة لمناقشة الحلول القانونية وكيفية تفعيلها، والحمد لله وصلنا إلى مرحلة جنى الثمار بعد تعب وعناء سنتينحيث تقدم البرلمانىد.إبراهيم عبد العزيز حجازى بمشروع القانون الذى أعده د. جابر نصار إلى اللجنة التشريعية بمجلس النواب بعد أن وقع عليه 60 نائبا، مشيرة إلى أنها بصدد تأسيس "صندوق أموالكم للغارمات" لإنقاذ الفقيرات من خطر السجن نتيجة توقيعهن على إيصالات الأمانة لشراء احتياجاتهن بالتعاون مع عدة مؤسسات حكومية، مؤكدة أن هذا الجهد لم يكن ليكتمل دون اهتمام سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى شخصيا بالقضية وإعلان مبادرته"مصر بلا غارمات" وإفراجه عنهن بعد سداد ديونهن.
تعديل تشريعي
عن الجانب التشريعي يقول محمد أبو حامد، عضو مجلس النواب : أدرس إدخال تعديل تشريعى على المادة الخاصة بإيصالات الأمانة ضمن خطط وحلول مواجهة أزمة الغارمات، حيث تحملهذه المادة تفاصيل كثيرة تحتاج إلى التدقيق القانونى، فإيصالات الأمانة لم تستخدم فقط فى حالات الغارمات لكنها تستخدم فى حالات أخرى بين التجار، وتدخل ضمن الأعراف التجارية المنتشرة، لذا أسعى إلى قصرها على الغارمات فقطمع مراعاة ألا يكونالتعديل بمثابة تشجيع للسيدات على للاستدانة.
وتابع: هناك تفاوض مع وزارة التضامن بحيث يكون من ضمن البرامج العينية التى تقدمها مع جمعيات المجتمع الأهلى وضع برامج لتجهيز العرائس، لأن معظم حالات الغارمات تتمثل فى قيام السيدة بتجهيز بنتها مقابل التوقيع على إيصالات أمانة، حيث أشارت إحدى الإحصائيات إلى أن 90 % من قضايا الغارمات تتعلق بتجهيز العرائس و10 % حالات أخرى كإجراء عمليات، لذلك نحتاج قاعدة بيانات بالأشخاص الأكثر احتياجا لتقديم برامج نقدية وعينية لهم للمساهمة في القضاء على المشاكل المجتمعية، موضحا أنه بصدد إعداد قانون الخدمة الوطنيةالذى سيتم تضمين الغارمات به ليطبق عليهن عقوبات الخدمة الوطنية بدلا من الحبس.
استبدال العقوبة
تتفق إليزابيث شاكر، عضو مجلس النواب مع الرأى السابق وتقول : لا شك أن استبدال عقوبة الحبس للغارمات بالعمل المدنى تحافظ على المجتمع، فالأم الغارمة مجرد ضحيةلغياب العائل الأساسى للأسرة بسبب وفاته أو تخليه عن أسرته، لذا تقدمت بمشروع قانون للمجلس لاستبدل العقوبة الموقعة على الغارمةسواء كانت الحبس أو السجن بناء على رأفة القاضى وتقديره بالتشغيل فى أعمال تتعلق بالمنافع العامةأوجهات بعيدة عن السجن، على أن يصدر بهذه الأماكن ونوعية وطبيعة العمل لائحة تنفيذية من رئيس الوزراء أو من ينوبه من الوزراء المعنيين بالأمر، حيث إن مشروع القانون أعطى الحق للقاضى المختص أن يصدر قرارا باستبدال العقوبة بالتشغيل وفقا لقناعاته ولما يراه من توافر النية والقصد الجنائى وانطباق شروط تعريف الغارم أو الغارمة على المتهم.
وتضيف: نص القانون على أنه يقصد بالغارمين كل من عجز عن سداد ديونه نتاج ظروف قهرية والتى ترتبت نتاج إيصالات أمانة أو شيكات أو صكوك دين، ولا تطبق على الغارمين المخاطبين بهذا القانون الحرمان من حقوق القبول فى أى خدمة بالحكومة مباشرة أو التحلى برتبة أو نيشان أو الشهادة أمام المحاكم مدة العقوبة.
غياب الوعي
هذا عن الحلول القانونية للمشكلة فما الأبعاد الاجتماعية للقضية؟ تقول د. هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع:تكمن الأبعاد الاجتماعية لقضية الغارمات في غياب الوعي حيث توقع المرأة على إيصالاتالأمانة دونأن تدرك ما ينتظرها من عقوبة حال عجزها عن السداد، بالإضافة إلىالمبالغة فى شراء مستلزمات جهاز العروسين، وإذا نظرنا إلى القضية من جانب تجار السلع فإن تفاقم أزمة الغارمات ومايتعرض له التجار من مشكلات في رأس المال بسبب الإجراءات الطويلة المتبعة للحصول على حقوقهم بالشكل القانوني دفع الكثير منهم إلى التوقف عن البيع بنظام التقسيط الأمر الذى أثر على حركة البيع والشراء، بينما استغل بعضهم الأزمة وبالغفىأسعار السلع ونسبة الفائدة، لذا أدعو الدولة إلى تفعيل دور بنك ناصرمن خلال طرح قروض بفائدة قليلة لتشجيع المواطنين على التعامل معه، بالإضافة إلى سن قوانين تكفل الاقتراض العادل لتنظيم العلاقة بين التاجر والمقترض والقضاء على هذه الأزمة من جذورها.
ساحة النقاش