الفن زمان غير دلوقت.. يا ريت يا زمان تيجي دلوقت.. هذا التقرير لا يحتاج إلى مقدمات، فرائحة الزمن الجميل تفوح منه معطرة بسيرة أصحابه، رجال من لحم ودم.. صوت وصورة، عشقتهم النساء على مدار الزمان والعصور.. فمن الذي ينافس أحمد رمزي في شقاوته، رشدي أباظة في ضحكته، عماد حمدي في وقاره وأنور وجدي في نظرة عينيه؟ نبدأ من أول السطر..
معشوق النساء.. رشدي أباظة
تزوج من كاريوكا وسامية جمال وصباح وأفلت من شباك كاميليا.. إنه "الاكسلانس"، أشهر دنجوان عرفته السينما المصرية، الوسيم رشدي أباظة، أيقونة الرجولة في عيون نساء حواء، ومعشوق العذارى الذي اقترن اسمه بفاتنات السينما محبوبا وزوجا.. صاحب خمس زيجات أغلبها من جميلات السينما المصرية انتهت جميعها بالطلاق، أجاد عدة لغات، فقد تعلم بالمدارس الأجنبية وكان موهوبا في اللغات، منها الإنجليزية والإيطالية والفرنسية والألمانية، وحصل رشدي على الشهادة الابتدائية من المدرسة المارونية بالقاهرة، وهي المدرسة التي التحق بها فريد الأطرش وأسمهان عند قدومهما إلى القاهرة، ومنها انتقل للدراسة بمدرسة «سان مارك» بالإسكندرية وحصل على شهادة التوجيهية، إضافة إلى أنه كان يحمل بعض السمات الإيطالية عن والدته، ولكن في تعاملاته كان مصريا ابن بلد شهم، به كل علامات "الجدعنة" والشهامة، فلم يكن يدخل من باب الستوديو حتى لا يكف عن مداعبة العمال وإضحاكهم، يعرفهم بأسمائهم، فقد كان يعرفهم جميعا، وهم كانوا ينادونه بـ «يا اكسلانس"، علاقته بالفنيين والعمال البسطاء في الستوديو كانت محل احترام وإعجاب، كان يذهب كل خميس أثناء العمل في أفلامه، ويقف أمام باب الستوديو وهو داخل سيارته ويطلب العمال، سائلا إياهم: هل صرفوا لكم رواتبكم، فإذا قالوا "نعم" دخل الستوديو للتصوير، أما إذا جاءت إجابة العمال بـ "لا" يرفض العمل، وكان مصريا، وطنيا مخلصا، فلقد شكل مع أصدقائه مجموعة فدائية صغيرة لمطاردة جنود الاحتلال الإنجليزي، الذي كان جنوده يعربدون في مدينة الثغر ـ الإسكندرية ـ واستطاعت هذه المجموعة أن تشكل عامل إزعاج لجنود الاحتلال.
قرأ والد رشدي خبر اشتغال ابنه بالتمثيل في الصحافة، فانتظر حتى دخل رشدي عليه، وقابله بانفعال شديد، وألقى بالصحيفة التي كان يطالعها في وجه ابنه، وسأله سؤالا واحدا: هل أنت مصر على العمل بالتمثيل؟ أجاب رشدي: بعد إذن حضرتك يا بابا، وهنا لم يتمالك الأب أعصابه فطرده من البيت.
رمزي ساحر النساء:
تلخص الفنانة نجوى فؤاد ـ إحدى زوجاته ـ شخصية الدنجوان وفتى الشاشة أحمد رمزي في عبارة واحدة حيث تقول: "إنه رجل جريء وطيب القلب وخفيف الظل، وأكثر ما كان يميزه صدقه في كل شيء"، وتضيف أنها لم تستطع مقاومة جاذبيته ولا رفض عرضه الزواج منها قائلة: «من كان يرفض الارتباط بأحمد رمزي في ذلك العصر فهو معشوق المراهقات والسيدات، وانتشرت شائعات أن «رمزي» كان يحب "فاتن حمامة" من طرف واحد، لكنه لم يستطع التعبير عن ذلك بسبب حبه لصديقه عمر الشريف.
وتقول باكينام، الابنة الكبرى لرمزي، بعدما فتحت الموبايل الخاص بأبيها، لم تجد عليه إلا أرقام فاتن حمامة، وعمر الشريف وهشام سليم وأحمد السقا.
اعترف رمزي أن عمر هو من فتح شهيته للتمثيل، لأنه كان يتحدث كثيرا عن الفن والسينما طوال جلساتهما لدرجة أن رمزي قال إنه عشق التمثيل بسببه، كان الولد الشقي ـ كما أطلقت عليه الصحافة الفنية ـ أبو عيون جريئة والدنجوان محطم قلوب العذارى، كان ظهوره في مشهد واحد على الشاشة الفضية يستدعي تنهيدات الفتيات وإعجاب السيدات.
الوقور عماد حمدي:
كان محبي السينما على موعد آخر ونوع آخر من "الرجولة"، يمكنك أن تطلقي عليها "الرجولة الرصينة أو الوقورة".. إنه الفتى الذي تجاوز الـ 40 من عمره ببضع شعرات بيضاء، وملامح وجهه المنحوتة كالصخر، وأداؤه الهادئ، وصوته الرخيم المميز الذي يخاطب المرأة الناضجة، استطاع أن يجذب عماد حمدي قطاعا عريضا من النساء، والآلاف من الفتيات العذارى، عبر ظهوره مع كل طلة على الشاشة الفضية، حتى انتزع لقب "أشهر فتى أول عرفته السينما المصرية" خاصة خلال فترة الخمسينيات من القرن الماضي التي شهدت أوج مجده.. إنه "محمد عماد الدين عبد الحميد، الشهير بعماد حمدي" المولود في 25 نوفمبر 1909، بمحافظة سوهاج، لأب يعمل موظف بسيط، وبدأ موظفا في "ستوديو مصر"، وترقى من رئيس حسابات إلى مدير للإنتاج، ثم مديرا للتوزيع، وكانت بدايته الحقيقية في عام 1945 في فيلم "السوق السوداء"، من إخراج كامل التلمساني، ليصبح واحدا من أشهر آباء السينما المصرية فيما بعد.
المغامر أنور وجدي:
في حياته الخاصة كان عاشقا حتى النخاع، شديد الغيرة، متقلب المزاج، ذاق الجوع وتجرع المرض، استطاع أن يصنع لنفسه مكانا مرموقا وسط عمالقة الفن، وظل متربعا لأدوار الفتى الأول، أو"الدنجوان» للسينما المصرية لسنوات طويلة، إنه محمد أنور يحيى وجدي الفتال، الشهير بـ "أنور وجدي" صاحب المظهر الأنيق الجذاب، يتقن اللغة الفرنسية التي تعلمها في مدرسة الفرير، لكن طموحه كان مصوبا تجاه هوليوود، وظل حلم السفر لأمريكا يراوده، حتى أنه طرد من مدرسة العبيدية، لأنه أغرى زميلين له بمحاولة الهروب معه لأمريكا ليتعلموا فنون السينما، لكن محاولتهم باءت بالفشل، فبعد أن تسللوا إلى باخرة في بورسعيد تم ضبطهم، جمع بين الكوميديا والدراما، والفيلم الاستعراضي، ليس له ورثة، رغم ثروته التي قدرت بمليون جنيه وقتها، كان المرض يجبره على وجبة من الفول ورغيف خبز، فقد كان مدربا على الجوع والفقر، فكان يفطر أيام الضنك على حساب محمود المليجي، ويتناول الغداء مع سعيد أبو بكر، والعشاء على حساب استيفان روستي، ومرت عليه أيام لم يذق فيها طعاماً، حتى أنه أغمى عليه في شارع عماد الدين وأسرع الناس لإسعافه، وهنا فتح أنور عينيه وقال بخفة دمه وإن كان صادقا "يا ناس بدل ما تودوني الإسعاف، أحسن تودوني مطعم الحاتي".
ساحة النقاش