عانت مصر فى السنوات الآخيرة ويلات الهجرة غير الشرعية طمعا من الشباب فى تحقيق حلم السفر متجاهلين كافة المخاطر التى قد يتعرضون لها خلال رحلة يكون البحر فيها قبرا لأجسادهم وليس طريقا نحو حياة جديدة، لذلك أخذت الدولة على عاتقها مواجهة هذه الظاهرة من خلال العديد من الإجراءات للحد منها، وبالفعل استطاعت أن تحجم إلى حد كبير من هذه الظاهرة..
فى جولتنا التالية نستعرض مخاطر الهجرة غير الشرعية وآليات التصدى لها حفاظا على أرواح المصريين ومستقبل شبابهم..
فى نوفمبر 2007 لقى حوالى 147 شابا حتفهم قرب السواحل الإيطالية بعد غرق القارب الذى كانوا يستقلونه لدخول الأراضى الإيطالية، وبعده بعدة أيام غرق مركب آخر قرب جزيرة كريت اليونانية بالبحر المتوسط وعلى متنه 100 شاب، و فى يونيو 2008 مات 40 شابا غرقا ونجا شخصان فقط أحدهما مصرى تم انتشاله من المياه وكان القارب على متنه 150 شخصا من بينهم 50 مصريا، واعتبر حوالى 100 شاب فى عداد المفقودين، وفى مارس 2009 غرق قارب بعد انطلاقه من سواحل محافظة كفر الشيخ ليلقى 10 أشخاص حتفهم و يتم القبض على 24 آخرين، أما فى يونيو 2011 أنقذت القوات البحرية المصرية 81 مواطنا قبل تعرضهم للغرق على متن مركب للصيد أمام سواحل الإسكندرية فى محاولة للهجرة سرا إلى إيطاليا.
كما انتشلت القوات البحرية المصرية ضحايا الهجرة غير الشرعية أمام السواحل الليبية فى أغسطس 2012، وفى أكتوبر 2013 وقرب سواحل الإسكندرية غرق 12 شخصا بعد انقلاب مركب كان يقل 100 شخص تقريبا كانوا في طريقهم إلى إيطاليا، وفى يوليو 2015 غرق مركب على متنه أكثر من 56 شخصا معظمهم من المصريين، أما فى مايو من نفس العام فقد أنقذت السلطات المصرية 31 شابا كانوا على متن مركب هجرة بينهم 13 سوريا، و15 سودانيا، و2 يحملان الجنسية الإريترية ومصرى واحد، وفى أكتوبر من نفس العام أعلنت السلطات المصرية انتشال 10 جثث من البحر المتوسط بمنطقة البرلس و تم إنقاذ 25 آخرين بعد سقوطهم في المياه أثناء سفرهم على متن مركب صيد، وفى أبريل غرق 12 شخصا قبل تحقيق حلمهم بالهجرة إلى أوروبا بينهم 3 أطفال و3 سيدات وكان على متن المركب 105 شخصا من جنسيات مختلفة بينهم 18 مصريا، و74 صوماليا، و11 سوريا، وسودانيا وآخر فلسطينيا، وفى يونيو انتشلت القوات البحرية 31 شخصا من جنسيات مختلفة، وعثر على 9 جثث متحللة الأجزاء بينها سيدة مصرية.
استيقظ المصريون فى سبتمبر 2016 على فاجعة كبيرة وهى غرق مركب رشيد على بعد 12 كيلومترا قبالة سواحل مدينة رشيد بمحافظة البحيرة وهو مركب غير شرعى كان يقل من 300 إلى 600 مهاجر من السودان وسوريا والصومال وإرتيريا ومصر، حيث انطلقت المركب المعروفة بـ "الرسول" من قرية "مسطروة" الواقعة على الطريق الدولى بين مطوبس وبلطيم، ونظرا للأحمال الزائدة والمنطقة العميقة التى وصلت إليها بالقرب من برج مغيزل غرقت المركب ونجا طاقمها وبعض المصريين وآخرون من جنسيات أخرى بلغ عددهم 154 فرد بينما غرق أكثر من 203 آخرين.
تجارب وأخطار
للتعرف على دوافع الشباب وراء اللجوء إلى الهجرة غير الشرعية وما تحمله من مخاطر لابد من التحدث مع بعض الذين خاضو التجربة والذى كان من بينهم محمد عرفان، أحد الناجين من رحلات الهجرة غير الشرعية فيقول: بدأت قصتى منذ ثلاث سنوات عندما عرض على أحد أبناء قريتى السفر إلى اليونان وأكد لى أن الأمر سهل ووجود ضمانات كثيرة خلال السفر، فأقنعت والدى ببيع قطعة الأرض التى يمتلكها لتوفير تكاليف السفر، وبالفعل دفعت المبلغ للسمسار المسئول عن الرحلة وتم تحديد موعد السفر من خلال أحد مراكب الصيد، وبعد الانطلاق بيومين نفذ الطعام والشراب من المركب وعندما اقتربنا من الشاطئ طلب قائد المركب أن يقفز الجميع فى المياه ويسبحوا نحو الشاطئ، كما طلب منا إلقاء كل المتعلقات الشخصية حتى لا يتم التعرف على هويتنا فى حالة القبض علينا، وكنت ضمن من تم إلقاء القبض عليهم وترحيلى إلى مصر، بعدها قررت العمل والعيش بببلدى وحمدت الله على أن نجانى من الغرق وأعادنى إلى أهلى سالما.
ويقول إبراهيم حسان: بمجرد حصولى على شهادة الدبلوم بدأت أفكر جديا فى السفر خارج مصر فقد كان بمثابة حلم لى، وبالفعل سألت عن أحد السماسرة لكن للأسف لم أكن أعرف أنه يمارس أعمال النصب ويتاجر بأرواح الشباب، وبعد أن جمعت الأموال ودفعت جزءا منها على أن يستلم الوسيط باقى المبلغ بمجرد الوصول إلى الشاطئ انطلقت المركب، وأثناء الرحلة شاهدنا أهوال الموت فى كل لحظة حتى فوجئنا بقائد المركب يطلب منا جميعا القفز فى المياه بالقرب من شاطئ إيطاليا فقفز الجميع، وتم مساعدة من لا يستطيعون السباحة، ورغم ذلك غرق 3 من الشباب، وبعد الوصول إلى الشاطئ فوجئ الجميع بأنهم فى منطقة جبلية وفشلنا فى العثور على طريق يوصلنا إلى مدن إيطاليا، وبعدها بساعات قبضت الشرطة على الجميع وتم تسليمنا إلى الصليب الأحمر وإعادتنا الى مصر.
مركز للتهجير
أما عن الجهود الحكومية لمحاربة الهجرة غير الشرغية التى يروح ضحيتها مئات الشباب فيقول طارق رضوان، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان: كانت مصر مركزا لإعادة تهجير الهجرة غير الشرعية بوصفها أقرب نقطة انطلاق إلى أوروبا حيث كان يقصدها الأفارقة والنازحين من دول الصراع المسلح لركوب البحر إلى إيطاليا، وقد اتخذت الدولة العديد من التدابير للقضاء على الهجرة غير الشرعية حيث إنها أخذت على عاتقها محاربة هذه النوع من الهجرة، ولأن كفر الشيخ أكبر محافظة مصدرة لهذه الهجرة افتتحت الدولة أكبر مزرعة سمكية فى الشرق الأوسط بها، إلى جانب عدد من المشروعات المتعلقة بتصنيع وتعليب الأسماك ما وفر 25 ألف فرصة عمل لشباب المحافظة الذين كانوا يلجأون للهجرة بحثا عن العمل، بالإضافة إلى مراقبة السواحل وغلق منافذ مراكب الهجرة غير الشرعية والتصدى للسماسرة.
قانون الهجرة
تقول غادة عجمى، وكيل لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان: ساهم قانون الهجرة غير الشرعية فى مواجهة تلك الأزمة بشكل كبير لما يتضمنه من عقوبات قاسية لكل من يتورط فى تلك الجرائم، حيث يدافع القانون عن المهاجر ولا يتضمن عقوبة واحدة له حالة القبض عليه ويأتى هذا ضمن سلسة إجراءات اتخذها سيادة الرئيس للحد من الظاهرة، حيث أطلق أول استراتيجية وطنية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية، بالإضافة الى تأمين القوات البحرية للحدود والتنسيق مع دول الجوار ما ساعد بشكل كبير على الحد من هذه الظاهرة، كما تسعى الدولة حاليا لتوفير منظومة متكاملة للشباب للسيطرة على الهجرة غير الشرعية سواء عن طريق توفير القروض أو دعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر أو المشروعات التى افتتحها سيادة الرئيس خلال الفترة الآخيرة.
وتضيف: ينص هذا القانون على السجن وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد عن 200 ألف جنيه أو غرامة مساوية لقيمة ما عاد من نفع أيهما أكبر على كل من ارتكب جريمة تهريب المهاجرين أو الشروع فيها أو توسط فى ذلك، كما يعاقب بالسجن كل من جهز أو أدار مكانا لإيواء المهاجرين المهربين أو جمعهم أو نقلهم أو سهل أو قدم لهم أى خدمات مع ثبوت علمه بذلك، وأعفى القانون المهاجر المهرب من أى مسؤولية جناية أو مدنية.
ساحة النقاش