السفر حلم الشباب الأول، يرسم له الطريق قبل تخرجه فى الجامعة ويعلق عليه الكثير من الطموحات والآمال، لكن سرعان ما تصطدم كل توقعاته بصخرة الواقع ليجد الغربة حجرا جاثما على صدره فهى ليست الطريق إلى الغنى والحياة المترفة بل هى كفاح وعمل وصبر وأحيانا تحمل ظروف صعبة فى سبيل لقمة العش، ما يجعل البعض يردد «نار الوطن ولا جنة الغربة »، فكيف تحمين أبنائك من وهم الهجرة غير المدروسة وتنمين لديهم روح الإنتماء إلى هذا الوطن..
فى البداية يقول محمد عبد الرحمن، محاسب: سافرت إلى السعودية لعامين متتالين وقد كانوا أسوأ أيام حياتى, حيث المعاملة السيئة من قبل زملائى فى العمل حتى أنهم أشعرونى أننى سأتسبب فى فصلهم عن العمل وأخذ أماكنهم، ما جعلهم يوقعون بينى ومديرى بالعمل لذا اضطررت للعودة إلى وطنى.
ويقول السيد محمد، كان يعمل بإحدى الشركات الغذائية بالكويت: سفرى خارج مصر لعام واحد جعلنى أشعر بقيمتها ومدى حبى لها, ففى الغربة لم أجد صديقا ولا قريبا يشعر بى وقت حزنى أو مرضى ما جعلنى أتخذ قرار العودة عند إصابتى بمرض الكبد خوفا من أن أموت دون أن يشعر بى أحد.
الإعلام متهم
عن كيفية حماية شبابنا من خطر الهجرة، وتدعيم قيم الولاء والانتماء لديهم تقول الكاتبة خيرية البشلاوى: علينا الاهتمام بالطفل فى سن مبكرة لتجنب الرغبة المبكرة لديه فى السفر إلى الخارج والتى عادت ما تنشأ بسبب سماعه المستمر لتذمر والده من أوضاع البلد والأوضاع الاقتصادية، لذا يجب تجنب تلك اللغة والبعد عن العبارات المحبطة التى تنال من عزيمة الشباب خاصة فى مرحلة الجامعة، مع توطيد العلاقات الأسرية واتباع السلوكيات الصحيحة فى التربية، كما يلعب الإعلام دورا كبيرا فى اتخاذ الشباب قرار الهجرة من خلال عرض الإعلانات التى تروج لمظاهر الحياة المترفة والتى يسعى الشاب إلى تحقيقها من خلال العمل بالخارج، بجانب عرض الأفلام والمسرحيات التى تحاول القضاء على القيم الأخلاقية المتعارف عليها فى مجتمعاتنا الشرقية.
الاهتمام بالتاريخ
تقول د. عزة هيكل: لا شك أن إحساس الشاب بأنه عنصر فاعل فى المجتمع أمر مهم للتصدى لهجرة الشباب ولن يتأتى ذلك إلا من خلال الاهتمام بالتعليم خاصة المرحلتين الابتدائية والإعدادية، وغرس الانتماء فى نفوس الطلاب من خلال التركيز على مادتى التاريخ واللغة العربية، بجانب حرص الأسرة على عمل زيارات ميدانية للأماكن الأثرية, وترسيخ المفاهيم الإيجابية لدى أبنائها, مع ضرورة منحهم الأمل فى مستقبل أفضل.
"الانتماء ليس شعارا نردده" هذا ما بدأت به الكاتبة نعمة عز الدين حديثها قائلة: هناك عوامل كثيرة لتربية الأبناء على حب الوطن والانتماء له فى مقدمتها الاهتمام بالتعليم الحكومى وتعريفهم بالحضارة المصرية والشخصيات التاريخية التى كان لها دور إيجابى فى تاريخ مصر، لافتة إلى أن الشباب المصرى يواجه الكثير من الصعوبات أهمها الاستعمار الناعم المتمثل فى شبكات التواصل الاجتماعى التى تجعل الشباب يعانى التغريب والجهل, بجانب الإعلانات المغرية التى يتعرض لها الشباب من خلال العديد من القنوات الفضائية ما يدفعه للبحث عن الهجرة.
مشروعات وهمية
إذا كان لوسائل التواصل الاجتماعى الحديثة دور فى اتجاه الشباب إلى الهجرة فكيف يمكن مواجهتها والتصدى لما تبثه من أفكار مسمومة فى أذن الشباب؟ يقول اللواء محمود الرشيدى، مساعد وزير الداخلية لأمن المعلومات سابقا: التعامل مع شبكات الإنترنت خاصة مواقع التواصل الاجتماعى أمر غاية فى الصعوبة خاصة بعد أن أصبحت التكنولوجيا الحديثة أحد مقومات تحقيق التنمية المستدامة، وعلى الرغم من وجود إيجابيات لتلك التكنولوجيا إلا أن لها بعض السلبيات والتى تتمثل فى الجرائم المعلوماتية، والصراع المستمر بين أجهزة الاستخبارات العالمية والتنظيمات الإرهابية على استغلال شبكات التواصل فى جميع أنشطتها خاصة استقطاب العديد من الشباب لتنفيذ مخطاطتهم, حيث أكدت الإحصائيات أن تنظيم داعش تمكن من تجنيد أكثر من 30%من عناصره عبر شبكة الإنترنت، لذا أحذر الشباب من الانسياق وراء إعلانات المشروعات الوهمية التى تهدف فى الأساس إلى استقطابهم لجمعات وتنظيمات إرهابية، وأدعوهم إلى التواصل مع إدارة مباحث الإنترنت التابعة لوزارة الداخلية من خلال الخط الساخن "108" حال تعرضهم لأى ابتزاز من قراصنة شبكات التواصل الاجتماعى.
نزعة قومية
يقول د. هانى هنرى، أستاذ علم النفس بالجامعة الأمريكية: على الرغم من إيجابيات الهجرة التى قد تتمثل فى إيجاد فرصة عمل بمقابل جيد إلا أن لها سلبيات عديدة منها اضطهاد بعض الدول للمهاجرين خاصة العرب المسلمين, وشعور الغربة القاتل الذى يشعر به المسافر خاصة وقت الأزمات التي يواجهها سواء الصحية أو الاقتصادية أو النفسية, بجانب مخاطر الهجرة غير الشرعية التى يلجأ إليها الكثير من الشباب.
ويرى د. سعيد صادق، أستاذ الاجتماع السياسى أن الاهتمام بحقوق الإنسان أمر مهم لتقوية الشعور بالانتماء والمواطنة بجانب دور المجتمع فى إعادة تعريف الهوية الدينية والعربية والقومية، قائلا: لابد أن تتميز مصر بعوامل الجذب لا الطرد والتى تتمثل فى إقامة مشروعات للشباب تتسم إعلاناتها بالشفافية وتوفر فرص عمل لهم, والاهتمام بممارسة الرياضة بأنواعها منذ الصغر حتى تتحول من هواية لاحتراف بحيث يلجأ إليها الشاب إذا لم يجد عملا بعد تخرجه فى الجامعة.
توحيد الجهود
أما د. حسن شحاتة، الأستاذ بكلية التربية جامعة عين شمس فيرى أن دور الأسرة والمدرسة والإعلام غير كاف للقضاء على فكرة الهجرة لدى الشباب الذى يميل بطبعه إلى المغامرة، ويسعى لتحقيق ذاته، ويبحث عن كل ما هو جديد ومتميز لبناء مستقبل متفرد مهما قابلته من صعاب, ويدعو الوزارات المعنية كالتعليم والشباب والرياضة والقوي العاملة والتضامن الاجتماعى إلى توحيد جهودها لتأهيل الشباب للالتحاق بسوق العمل, بالإضافة إلى تسليط الضوء على النماذج المصرية الناجحة.
وتوافقه الرأى د. عزة عزت، أستاذ الإعلام بكلية آداب جامعة المنوفية، وتؤكد على أهمية دور الإعلام فى تقوية حب الوطن داخل الشباب من خلال تسلط الضوء على النماذج الناجحة حتى تكون قدوة ومثلا أعلى يحتذى به الشباب, وتقول: شبابنا لا يقبل النصيحة بل يحتاج إلى طرق غير مباشرة للاقناع دون إلحاح، كما أن للمدارس دورا كبيرا فى تنمية روح الانتماء وحب الوطن فى نفوس الطلاب من خلال تدريس مادة التربية الوطنية كمادة أساسية فى المدارس والحرص على تأدية تحية العلم يوميا, بالإضافة إلى الدور الذى يمكن أن يلعبه الفن فى تدعيم قيم الانتماء والنظام والعمل والتعاون من خلال عرض أفلام وأعمال فنية وبرامجية تخدم ذلك الهدف.
***
الدولة تواجه الهجرة
اتخذت الدولة خلال السنوات الأخيرة عددا من الخطوات الملموسة لإتاحة العديد من فرص العمل للشباب فى محاولة لمواجهة الهجرة منها:
- دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بـ 200مليار جنية، بجانب تنظيم دورات تدريبية للشباب على كيفية عمل دراسة الجدوى وآليات إدارة المشروع, وتسويق المنتج.
- إطلاق مشروع المليون ونصف فدان الذى يعد نموذجا للريف المصرى ونواة لسلسلة من القرى النموذجية التى تعمل على زيادة الرقعة الزراعية.
- تسليم 24سيارة مبردة متنقلة لعدد من الشباب توفر لهم وزارتى التموين والتجارة الداخلية كافة السلع من منتجات اللحوم والدواجن والأسماك والخضروات المجمدة لبيعها فى الميادين والأماكن التى لا يتواجد بها منافذ لبيع السلع الغذائية فى كافة المحافظات.
ساحة النقاش