«فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان » هكذا نظم التشريع الإلهى العلاقة بين الزوجين حال استمرارها أو انتهائها، إلا أن عددا من الرجال يخالفون تلك الوصية ويستخدمون الطلاق وسيلة لابتزاز زوجاتهم للتنازل عن حقوقهن المادية من خلال الامتناع عن توثيقه والاعتراف به لتصبح المرأة مطلقة شرعا متزوجة قانونا، فكيف يمكن للمرأة إثبات طلاقها حال امتناع زوجها عن الاعتراف به؟
«حواء » تستعرض معاناة السيدات بسبب الطلاق الشفهى، وتبحث مع عدد من علماء الشرع والقانون والبرلمانيين سبل إثباته حتى تتمكن المرأة من استكمال حياتها بصورة طبيعية..
فى البداية تقول نرمين ممدوح، مهندسة: انفصل عنى زوجى بعد أربع سنوات من زواجنا، وبعد مرور ثلاثة أشهر لم يتدخل خلالها أحد من أهله للصلح بيننا ذهبت إليهم لأحصل على وثيقة طلاقى إلا أننى وجدته سافر للعمل بإحدى الدول الأجنبية ولم يترك عنوان سكنه أو أى وسيلة للتواصل معه، فسألت بلجنة الإفتاء بالأزهر الشريف فأخبرونى أننى مطلقة شرعا، فلجأت إلى أحد المحامين لأثبت طلاقى إلا أنه أخبرنى بصعوبة ذلك لعدم وجود شهود ما دفعنى لرفع دعوى خلع.
أما مها مصطفى، ربة منزل فقد طلقها زوجها ثلاثا إلا أنه امتنع عن توثيق الطلاق وطالبها بالتنازل عن كافة حقوقها المادية المترتبة على الطلاق ما جعلها تردخ لمطالبه حتى تتمكن من استكمال حياتها خاصة بعد أن تقدم لها أحد أبناء أعمامها لتتجنب المساءلة القانونية للجمع بين زوجين.
جدل فقهى
عن مشروعية الطلاق الشفهى وحكمه الشرعى يقول د.عبد الحليم منصور، أستاذ الفقه المقارن وعميد كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر: ذهبت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف إلى وقوعهحتى فى حالتى عدم الإشهاد عليه أو توثيقه بالجهة المختصة، ودعت الهيئة إلى معاقبة من يمتنع عن توثيق الطلاق للضرر الذى يقع على المرأة، بينما ذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى أن الطلاق الشفهى لايقع نظرا لما تقتضيه مصلحة الأسرة، ولما كانت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف هى المنوط بها إقرار التعديلات فى الأمور الشرعية ومشروعات القوانين التى لها اتصال بالشرع الإسلامى وإبداء الرأى فيها والاجتهاد والإفتاء فى المسائل العامة كان رأيها الأرجح والمأخوذ به.
ويرى د. عبد الهادى زارع، أستاذ الشريعة والقانون بجامعة دمنهور أن الطلاق الشفهى يقع لا محالة حتى وإن لم يوجد شهود عليه لحديث الرسول "صلى الله عليه وسلم" " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطّلاق، والرجعة"، لذا أدعو إلى سن قانون يعاقب الممتنع عنتوثيق الطلاق استنادا لقول الله تعالى "ولاتمسكوهن ضرارا لتعتدوا".
ويوافقه الرأى د. معتمد علي، رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية الأداب جامعة أسيوط مؤكدا أن الطلاق لامزاح فيه، قائلا: إن قال الزوج لزوجته أنت طالق وقع الطلاق فإذا لم يراجعها خلالثلاث حيضات متتاليات بانت الزوجة، كما أنه لا داعى للإشهاد على الطلاق لوقوعه فقد يطلق الزوج زوجته دون وجود أحد الأمر الذى يتعذر معه الإشهاد أو إثبات ذلك.
قرائن وشهود
يوضح المستشار سامح عبد الحكم، رئيس محكمة الأسرة بطنطا سابقا ورئيس محكمة الجنايات بشبرا حاليا الرؤية القانونية للطلاق الشفهى ويقول: تتمكن الزوجة من إثبات الطلاق إذا كان لديها شهود أو بعض القرائن كتسجيل صوتى للزوج وهو يطلقها ،أما إذا لم يكن لديها إثبات فيحلف الزوجين اليمين أمام المحكمة ويبحث القاضىفى الأمر ويحقق ويترك الأمر لتقديره،لافتا إلى أنه يؤيد وقوع الطلاق مع عدم وجود شهود لأنه لاتوجد زوجة ستدعى أنها طلقت إلا إذا حدث ذلك.
ويدعو د. صلاح الطحاوى، أستاذ القانون الدولى والمحكم بوزارة العدل إلى ضرورة حبس الزوج الذى يطلق زوجته دون أن يوثق الطلاق لأن فى ذلك ضررا بالغا على المرأة ويقول: إذا لم يكن لدى المرأة قرائن أو شهود على الطلاق فيمكنها اللجوء إلى قاضى الأمور الوقتية الذى يطلب من الزوجة حلف اليمين ويطلقها من زوجها، ثم يصدر أمرا على عريضة إلى السجل المدنى لاستخراج وثيقة الطلاق، وفى هذه الحالة يحق للزوج مراجعة زوجته خلال 3 أشهر إذا كانت طلقة أولى أو ثانية، وعلينا أن نعترف أن الأسرة أمن قومى وعلينا الحفاظ عليها،أما من يرى أن الطلاق الشفهى لايقع فهذا أمر غير صحيح وعلينا تطبيق ماتراه هيئة كبا رعلماء الأزهر الشريف.
وتنصح المحامية أشجان البخارىالزوجة التى امتنع زوجها عن توثيق الطلاق وعجزت عن إثباته بشهادة الشهود أو بالقرائن بالتقدم بدعوى خلع والتنازل عن كافة حقوقها المادية، لافتة إلى أن هذا الوضع أفضل بكثير من ارتكاب جريمة الزنا ومعاشرة رجل قد طلقها وأصبح محرما عليها شرعا.
على مائدة البرلمان
للحد من الطلاق الشفهى ومايسببه من أضرار للأسرة المصرية كان هناك عدد من مشاريع القوانين المقدمة من أعضاء البرلمان وعنها تقول النائبة البرلمانية عبلة الهوارى ونائب رئيس المجلس القومى للمرأة: تقدمت إلى البرلمان بمشروع قانون يلزم الزوج بتوثيق الطلاق الشفهى خلال 30 يوما كشرطلوقوعه وقد جاء هذا المشروع فى إطار دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى تقنين الطلاق الشفهىمستندا فى ذلك إلى تجارب دول إسلامية فى المنطقة بمنعه مثل تونس والمغرب والكويت،وقد تضمن هذا المشروع عقوبة بالسجن للزوج الذى امتنع عن توثيق الطلاق أو ابتز زوجته لتوثيقه.
وتعلق د. هبة هجرس، عضوة مجلس النواب وقوع الطلاق الشفهى على عدة شروط منها أهلية الزوج وعدم الإكراه، وألا يكون فى حالة غضب،أوتكون الزوجة حائضة، لافتة إلى وجود أكثر من سبب شرعى يبطل الطلاق الشفهى وعلى المشرع الأخذ في الاعتبار بهذه الشروط قبل تعديل أى قانون، داعية إلى معاقبة الزوج إذا ثبت تطليقه زوجته طلاقا بائنا دون أن يوثقه.
من جانبها تدعو د. دينا الجندى، أمينة المرأة وعضو الهيئة العليا بحزب مصر الثورة إلى صياغة قانون جديد يواكب التغيرات التى يشهدها المجتمع يوم تلو الآخر، لافتة إلى أن بعض علماء الدين يرون وقوع طلاق الواتس أب وفيس بوكبينما رأى آخرون عدم وقوعه، قائلة: يجبأن نأخذ بكل الآراء الفقهية فى مسألة الطلاق مع مراعاة مصلحة الأسرة دون معارضة الشريعة الإسلامية التى هى مصدر التشريع.
دورات توعوية
أما عن الأثار الاجتماعية المترتبة على الطلاق الشفهى فتقول د. عزة فتحى، أستاذة مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس: على الرغم من وقوع الطلاق الشفهى شرعا إلا أنه يعد معول هدم للأسرة وسببا فى تشريد أفرادها، وأنا لا أجد فارقا كبيرا بين الطلاق الشفهىأو الذى يتم أمام المأذون إذا كان الزوج قد عزم على الطلاق فعلا لأنه ليس من حق المرأة الاعتراض على ذلك،لكن المشكلة التى تواجه المرأة فى الطلاق الشفهى أنها تقع فريسة لجريمة الزنا سواء مع زوج طلقها وصار محرما عليها شرعا، أو رجل آخر ترغب فى الزواج منه بعد طلاقها لأنها تعلم أنها قد طلقت بالفعل من زوجها السابق،وهنا ينبغى على القانون أن يحمى المرأة من مثل هذا التلاعب لانعدام الأخلاق وضعف الوازع الدينى لدى الكثيرين، كما أدعو إلى تفعيل الدورات التوعية للمقبلين على الزواج،بجانب تدريس مادة التربية الأسرية فى مختلف المراحل التعليمية.
***
فتش عن التكنولوجيا
أشارت إحدى الدراسات الحديثة للإحصاءات الصادرة مطلع هذا العام والتي سجلت معدلات العام الماضي 2017 إلى أن هناك حالة طلاق واحدة تحدث كل 4 دقائق، ومجمل الحالات على مستوى اليوم الواحد تتجاوز 250 حالة، وأنه أحيانا لا تزيد فترة الزواج فى بعض الحالات لأكثر من عدة ساعات بعد عقد القران، إذ تشهد محاكم الأسرة حالات كثيرة لزيجات فشلت خلال فترة وجيزة، وأشارت الدراسة إلى ما رصدته الأمم المتحدة فى إحصاءات أكدت فيها أن نسب الطلاق ارتفعت فى مصر من 7 % إلى 40 % خلال نصف القرن الماضى، ليصل إجمالى المطلقات فى مصر إلى 4 ملايين مطلقة، فى مقابل 9 ملايين طفل من أبناء تلك الزيجات، والرقم مرشح للزيادة، ويتضح أن من بين أبرز الأسباب وفق التقارير والإحصاءات حول أسباب الخلع والطلاق، ما خلفته عوامل التطور التكنولوجى الذي يتسبب فى حدوث خلل جسيم فى العلاقات الزوجية، إذ كشفت معاناة الزوجات من الطلاق عبر وسائل الاتصال الحديثة من الهاتف و »SMS« وفيس بوك حتى وصلت للواتس آب.
***
تعجل الزواج.. متهم رئيسى
أشارت بعض الدراسات إلى أن التعجل فى الارتباط والزواج يعد أحد العوامل الرئيسية التى تؤدى إلى الطلاق خاصة فى السنة الأولى منه، والتى تعد أصعب السنوات فى علاقة الزوجين، كما تكشف عن تردد عدد من الأزواج والزوجات يقدر عددهم بنحو 7500 زوجة من حديثى الزواج على مكاتب الاستشارات الأسرية، ورغم ذلك سجلت الدراسة ارتفاع نسب الطلاق بينهن، وتنوعت أسباب الخلافات الزوجية بين إخفاء لأحد الزوجين لبعض الأمراض المزمنة عن زوجاتهم، واللجوء إلى الكذب والاحتيال فيما يتعلق بالعمل والمستوى الاجتماعى للأهل، فى حين يهرب البعض من تحمل المسئولية الأسرية.
فيما كشفت إحدى الدراسات أن نحو 22,5 % من المطلقين والمطلقات، أكدوا اختفاء مشاعر الحب بينهما قبل مرور عام على الزواج، فيما أكد نحو 15 % أن علاقة الحب بينهما لم يكتب لها الدوام لأكثر من ثلاثة شهور.
واحتلت الخلافات المادية نصيب الصدارة من الخلافات الزوجية وخاصة لاستغلال الأزواج للزوجات وإجبارهن على الإنفاق وسلبهن رواتبهن بالكامل ب 55 %.
ساحة النقاش