كعادته لا يفقد القطار النسائى الأمل فى التنقل بن محطات المهن المختلفة، وقد وصل منذ سنوات عديدة إلى محطة الشرطة ليجد لنفسه مكانا مميزا لتستكمل المرأة دورها فى الدفاع عن الوطن وتأمن جبهته الداخلية جنبا إلى جنب مع ضباط الشرطة، ولأن لكل مهنة ضريبتها التى يجب دفعها كانت حياة بعض الشرطيات ثمنا غاليا دفعهن خال تأديتهن واجباتهن فى تأمن المنشئات العامة والكنائس حيث استهدفتهن يد الإرهاب الغاشم ليثبت التاريخ أن «البنت زى الولد فرسان فى حماية البلد ».

بعد المثال الرائع الذى ضربته المرأة خلال فترات الاحتلال المتعاقب منذ العدوان الثلاثى وحتى حرب أكتوبر فى دعمها للقوات المسلحة خلال حربها على العدو الصهيونى وما قدمته من تضحيات وبطولات سطرها التاريخ بأحرف من نور استكملت المرأة المصرية دورها فى مساندة الوطن فى التصدى لعدو خفى ينفذ ضربات غادرة تستهدف أبناء الوطن من خلالها موقعها التى نجحت فى الوصول إليه فى ظل إيمان القيادة السياسية بقدراتها ألا وهو الشرطة النسائية، ففى عام 2017 استهدف الإرهاب الغاشم الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، ولأنه لا يفرق بين جل وامرأةلم تسلم عناصر الشرطة النسائية من نيرانه أو عبوته الناسفة.

لم تكن تعرف العريف أسماء إبراهيم، شهيدة تفجيرات الكنيسة المرقسية التى كانت تقف على بعد خطوات من العقيد نجوى الحجار أن أداء واجبها سيفرق بينها وابنتيها رودينا وساندى، حيث حرمها أناس غلفت قلوبهم القسوة من احتضانهما أو حتى توديعهما قبل أن تفارق الحياة، ورغم أن استشهادها خلف وجعا فى قلب زوجها وابنتيها إلا أن ذلك الحادث لم يزيد هاتين الصغيرتين إلا إصرارا على الثأر لوالدتيهما والسير على خطاها.

أما العريف أمينة محمود رشدى التي كانت تعيش فى حى العطارين بالإسكندرية فقد قضى الإرهاب على فرحتها قبل اكتمالها, حيث كانت تستعد كأى عروس لتجهيزات عرسها وسط أهلها وصديقاتها، لينفذ قضاء الله وتنضم إلى لوحة الشرف التى يتطلع إليها كل شرطى - نيل الشهادة- أثناء تأمينها لكنيسة مار مرقس بالإسكندرية، حيث أظهرت كاميرات التصوير ظهورها بجوار الانتحارى قبل تفجير نفسه أثناء تفحصها لها.

ولن ننسى العميدة نجوى الحجار مواليد عام 1963 التي آمنت بدور المرأة المصرية فى خدمة الوطن فى وقت كانت الشرطة حكرا على الرجال،ورغم استنكار المجتمع لعمل المرأة بالشرطة إلا أن ذلك لم ينل من عزيمتها والتحقت بكلية الشرطةعام 1983، وفى عام 1987 تخرجت فى الكلية متسلحة بحب الوطن والقوة والانضباط، واشتهرت بين زملائها فى العمل بتفوقها ونبوغها ما أهلها للتدرج فى المناصب حتى حصلت على رتبة عميد.

لم يكن التكريم الإلهى للعقيد نجوى بنيل الشهادة الأول فى حياتها، فرغم معاناتها مرارة فراق نجلها النقيب مهاب عزت عبد القادر إلا أنها اعتبرت استشهاده تكريما ووساما لها حيث نالت لقب "أم الشهيد" الذى اعتبرته مدعاة للفخر.

قدوة ومثال

يعلق اللواء كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب على تضحيات الشرطة النسائية ويقول: إن البطلالحقيقىفىالحربالتى خاضتها مصر دون العدو المحتل والتى كان آخرها حرب أكتوبر العظيمة المرأةالمصريةفهى أم الجندى والضابط الذين ضحوا بأرواحهم دفاعا عن كل شبر من أرض الوطن، ولم تقف مسيرة المرأة عند دعمها لوطنها ضد المحتل بل استمر بعد ذلك ليكون لها دور كبير فى فترة ما بعد الحرب "البناء والتنمية", ورغم الإقصاء التى شهدته المرأة خلال بعض السنوات إلا أن ذلك لم ينل من إصرارها فى أداء واجبها تجاه وطنها من خلال تربية الأبناء على حب الوطن وترشيد استهلاكها خلال الفترات التى شهدت فيها مصر ضعفا اقتصاديا، إلى جانب إعلانها الحرب ضد الجماعات الإرهابية التى استهدفت الوطن ونالت بنيرانها أرواح أبنائه من جنود وضباط ومدنين لتثبت للعالم أجمع أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، ورغمفداحة فقدان الزوج أو الابن أو الأب إلا أن المصرية ضربت أروع الأمثلة فى التضحية والصبر وعدم ادخار الغالى والثمين فى سبيل الزود عن أمن واستقرار مصر,وهكذا كانت المرأة المصرية قدوة كل العصور والحضارات على مر التاريخ.

وتابع: لم تقتصر تضحية المرأة على دفعها بأعزائها من الابن والزوج للتصدى للهجمات الإرهابية الغادرة التى استهدفت زعزعة استقرار الوطن وإسقاط دولته من خلال هز ثقة الشعب المصرى فى جيشه وقيادته، بل قدمت روحها وهى راضية فى سبيل الحفاظ على أركان الدولة قائمة راسخة قوية من خلال مكانها الذى أوجب عليها تولى مهام تأمينية لعدد من المنشئات العامة والكنائس، ليشهد التاريخ المصرى أول واقعة لاستشهاد عناصر من الشرطة النسائية التى كانت تؤمن كنيستا الإسكندرية ودمياط أثناء احتفالات أعياد الميلاد, لذا أقدم وجموع المصريين كل التحية لكل امرأةلم تبخل على وطنها بزوجها أو ابنها، فكم من أم وزوجة وأسرة تكبدت عناء التضحية فى سبيل أن نحيا آمنين، وهكذا كانت المرأة المصرية وستظل عبر العصور عاملا رئيسيا في نصرة الوطن.

كملي دورك

من جانبه يقول اللواء حمدى بخيت، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب والخبير الإستراتيجي: تاريخ جديد سطرته الأحداث الإرهابية التى استهدفت كنيستا الإسكندرية ودمياط داخل وزارة الداخلية بعد أن تسببت فى استشهاد 3 ضابطات وأفراد الشرطة النسائية لأول مرة فى تاريخ الجهاز الشرطى الذى مضى 35 عاما على تخرج أول دفعة منهن عام 1982، ورغم استنكار المجتمع على المرأة العمل بالشرطة أو اعتقاد أفراده اقتصار أدوار العاملات بها على الأعمال المكتبية أو الإجراءات الروتينية البسيطة إلا أن خريجات كلية الشرطة كن فى تحد دائم مع المجتمع ونظرته لهن، حيث حرصن على إثبات قدراتهن على العمل فى مختلف المجالات الشرطية حتى ارتقى بعضهن مناصب رفيعة فى الجهاز.

ويضيف: على الرغم أن استشهاد عناصر من الشرطة النسائية أمر جديد على تاريخ مصر وواقعة لم يكن لها مثيل إلا أنه ليس بغريب على المرأة المصرية التى زخر تاريخها بالتضحيات للدفاع عن الوطن، لذا أقدم التحية لكل أسرة فقدت ابنا أو زوجا أو أبا فى سبيل أن يحيا المصريون آمنين، وأخص أبناء الشهيدتين العقيد نجوى والعريف أسماء، وأدعو المرأة المصرية إلى استكمال دورها فى الحرب على الإرهاب والتصدى له من خلال المشاركة الفاعلة فى بناء الوطن وتنميته، وتنشئة الأبناء على حب الوطن وغرس قيم الانتماء والوطنية فى نفوسهم منذ الصغر، بالإضافة إلى دعم الاقتصاد من خلال وضع خطة اقتصادية لميزانية أسرتها حتى تعبر بأفرادها ومصر إلى بر الأمان.

المصدر: كتبت : منار السيد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 617 مشاهدة
نشرت فى 11 أكتوبر 2018 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,834,510

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز