كتب : عادل دياب
يعشن معنا بأفكارهن وأعمالهن العظيمة، فلا ننسى أن المصرية كانت قديما ملكة متوجة بينما العالم يعيش في الكهوف، وظلت حديثا في المقدمة تسبق غيرها بخطوات. إنهن نساء رائدات نتذكرهن ونفخر بهن.
كانت بحق كما لقبوها "ملكة الكلام"، امتلكت ناصية اللغة وناصية الإذاعة، ودخلت موسوعة جينيس ببرنامجها الشهير "على الناصية" بعد أن استمرت تقدمه لأكثر من خمسين عاما بنجاح منقطع النظير.
كانت الإذاعية القديرة الرائدة آمال فهمي أول وأصغر امرأة تتولى رئاسة محطة إذاعية، حين أسندت إليها مهمة رئاسة إذاعة الشرق الأوسط عند إنشائها عام 1964، وكانت أول من أدخل الفوازير في برامج الإذاعة مع الشاعر العملاق بيرم التونسي ومن بعده العملاق صلاح چاهين، واشتهرت وقتها بعبارتها الشهيرة "ونقول كمان" ومن الإذاعة انتقلت الفوازير إلى التلفزيون، وأصبحت واحدة من أهم مقدمي برامج المنوعات التي عرفتها الإذاعة وعرفها التليفزيون وارتبطت لسنوات طويلة بشهر رمضان المبارك.
ولدت آمال فهمي في القاهرة عام 1926، وحين بلغت الثامنة من عمرها سمع المصريون لأول مرة عبارة "هنا القاهرة" تنطلق في الحادي والثلاثين من مايو عام 1931 عبر الإذاعة المصرية، عصر جديد يبدأ مع بداية تفتح وعيها للحياة، وقد أحبت الطفلة آمال الإذاعة واندهشت لها وارتبطت بها كما حدث مع الكثيرين غيرها من أبناء جيلها، الذين استطاع أهلهم امتلاك جهاز راديو في ذلك الوقت،ذ لكن حال آمال فهمي كان مختلفا، فلم يكن حبها للإذاعة عن بعد، لأن الظروف سمحت لها بأن تصدح بصوتها عبر الإذاعة في نفس عام نشأتها، من خلال المشاركة في برامج الأطفال التي بدأ تقديمها الإذاعي القدير محمد محمود شعبان الشهير بـ بابا شارو، وغنت بصوتها الأغنية الشهيرة التي كانت مقررة في كتاب المعارف "قطتي صغيرة.. اسمها نميرة" وهي أغنية لاتزال معروفة لدى الكثيرين حتى اليوم.
بعد أن انتهت من دراستها الثانوية، التحقت آمال فهمي بكلية الآداب جامعة القاهرة، في أزهى أوقات كلية الآداب، ويكفي أن نتعرف لأسماء بعض من أساتذتها لنعرف كم كانت محظوظة وجيلها في تحصيل آداب اللغة العربية على يد عمالقة، فقد كان من أهم أساتذتها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وأستاذ الجيل أحمد لطفي السيد، وعبقرية وقتها الدكتورة سهير القلماوي، وغيرهم من كبار الأساتذة ورواد التنوير.
ولم يكن حظها بعد التخرج بأقل منه في الجامعة، حيث أتيحت لها فرصة للعمل في الصحافة وتعلم فن التحقيق الصحفي على يد العظيمين مصطفى وعلي أمين، قبل أن تلتحق للعمل بالإذاعة وتتلمذت على يد الإذاعية القديرة صفية المهندس، وتتاح لها فرصة تطبيق ما تعلمته في الصحافة عبر أثير الإذاعة، فكانت من أوائل الإذاعيين الذين قدموا التحقيق الإذاعي، وأول إذاعية تحصل على جائزة علي ومصطفى أمين للصحافة.
كان أول برامجها الإذاعية "حول العالم" بمثابة نافذة يطل منها المستمعون على بلدان العالم المختلفة، ويتعرفون إلى ثقافاتها وتراثها وحضاراتها وأهم ما يميزها، كان رحلة قصيرة مفيدة وممتعة يقطعها المستمع دون أن يغادر مكانه، وكان برنامجا ناجحا، وقد قدمت آمال فهمي العديد من البرامج الإذاعية الناجحة من أهمها "في خدمتك" الذي يستقبل شكاوى المستمعين ويذيعها، ليتعرف عليها المسئولون ويساعدون في حلها، وبرنامج "هذه ليلتي" الذي استضاف نخبة ممتازة من نجوم السياسة والصحافة والفن والمجتمع، وبرنامج "فنجان شاي" الذي استضاف شخصيات سياسية وزعماء مهمين من بينهم أحمد بن بيلا وهواري بو مدين وجعفر نميري، وغيرها من البرامج التي مثلت مدرسة إذاعية علمت الكثيرين من شباب الإذاعيين.
في هذه الفترة التقت الإذاعي العملاق محمد علوان وتزوجا زواجا دام لثمانية عشر عاما، انتهى بهدوء واحترام، ولم يثمر أطفالا، وقد قالت في أحد اللقاءات الصحفية إن عدم إنجاب الأطفال كان قرارها هي، فقد كانت طوال فترة الزواج مشغولة بالإذاعة وخافت من أن تقصر في حق أطفالها أو في حق الإذاعة إذا أنجبت، وكان زوجها الرائد الإذاعي المخرج الكبير محمد علوان مشغولا كذلك، وقد كان واحدا من أهم أبناء جيله، ويقال إن فيلم "مراتي مدير عام" جاء من وحي قصة حياتهما، حين تولت رئاسة إذاعة الشرق الأوسط، وأصبح زوجها يعمل تحت رئاستها.
رغم كل النجاح الذي حققته آمال فهمي إلا أن اسمها ارتبط دائما ببرنامجها الأشهر على الناصية، وبه استطاعت المنافسة والتواجد في المقدمة مع عمالقة مثل طاهر أبو زيد ببرنامجه الشهير "ساعة لقلبك" وفهمي عمر الذي تألق ببرنامج "مجلة الهواء" وقد بلغ من شهرة ونجاح برنامجها منذ بداياته أنها ظهرت بشخصيتها الحقيقية في فيلم "حكاية حب" تقدم عبد الحليم حافظ للجمهور كموهبة جديدة التقت بها على الناصية، وغنى عبد الحليم مع مدام آمال في الفيلم أغنيته الشهيرة "بحلم بيك".
لقد كان نجاحها مدويا، وحضورها عبر البث الإذاعي طاغيا، وكانت في حياتها سيدة بسيطة متواضعة، عاشت في حب عملها وحب الإذاعة وحب مصر، إلى أن لقيت ربهافي الثانية والتسعين من عمرها عام 2018، وكانت آخر كلماتها عن حبها لوطنها واهتمامها به ودعائها له ولشعبة بالتوفيق والتقدم والسداد
ساحة النقاش