هدى إسماعيل 

اختلفت طريقة تعبير الأدباء والشعراء عن شهر رمضان باختلاف عصورهم الأدبية ولكنه كان موجوداً دائما في سطور أقلامهم وبيوتهم الشعرية.

يقول أمير الشعراء أحمد شوقى عن الصيام "الصوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع، لكل فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة، يستثير الشفقة ويحض على الصدقة، يكسر الكبر، ويعلم الصبر، ويسن خلال البر، حتى إذا جاع من ألف الشبع، وحرم المترف أسباب المنع، عرف الحرمان كيف يقع، وكيف ألمه إذا لذع" كانت هذه مقدمة ديوان "أسواق الذهب".

رسم طه حسين، عميد الأدب العربي صورة أدبية للحظات الإفطار فيقول: فإذا دنا الغروب وخفقت القلوب وأصغت الأذن لاستماع الآذان وطاشت نكهة الطعام بالعقول والأحلام، فترى أشداقا تنقلب وأحداقا تتقلب بين أطباق مصفوفة وأكواب مرصوفة، تملك على الرجل قلبه وتسحر لبه بما ملئت من فاكهة وأترعت من شراب، الآن يشق السمع دوي المدفع، فتنظر إلى الظماء وقد وردوا الماء، وإلى الجياع طافوا بالقصاع.

خان والمرايا

يحكي الأديب الحاصل على نوبل نجيب محفوظ قصص ليالي رمضان في القاهرة في روايته "خان الخليلي"، حيث يقبل شهر رمضان فتتغير الطقوس والعادات، ففي عالم محفوظ، رمضان لا يأتي على غرّة أبدا، لا بد أن تسبقه عادة أهبة تليق بمكانته المقدسة، فتجعل منه أم أحمد حديث يومها، وتقول للأسرة "إنه شهر له حقوقه كما له واجباته"، عندما يخبرها الابن أحمد أن الحرب تجور على كل الحقوق، تذكّره الأم مدهوشة "والكنافة والقطايف؟".

ويصف محفوظ إحساس البطل عند سماعه حديث الأم، وكيف "وقعت هذه الأشياء من نفسه موقعا ساحرا - على استيائه - لا لاشتهائها فحسب، ولكن لما دعته من ذكريات الشهر المحبوب وعهود الصبا خاصة"، لكنه يتذكر الغلاء فيذكّر أمه قائلا "لندع الكماليات في ظروفنا الحاضرة القاسية، ولندع الله الكريم أن يعيننا على ضرورات الحياة".

وفي روايته "المرايا" يصف محفوظ ليالي رمضان حيث الأطفال الصغار من الجنسين يجتمعون في الشارع بلا اختلاط يحتفلون على ضوء الفوانيس وهم يلوحون بها في أيديهم يترنمون بأناشيد رمضان؛ "إنهم يلوّحون بالفوانيس الصغيرة يسألون المارّة وأصحاب البيوت والدكاكين وهم يرددون أغنية رحت يا شعبان.. جيت يا رمضان".

فن الأدب 

يعد كتاب "فن الأدب" من أروع ما كتب توفيق الحكيم، فقد ضم الكتاب الذي احتوى 12 فصلا آراء الكاتب الكبير الراحل فى موضوعات متعددة، كما تطرق خلاله إلى ذكرياته وطفولته وقد ذكر رمضان فى فصل فن الأدب حين قال "إذا أردت أن تعرف ما هو أروع صوت كان يبهر مشاعرنا ونحن صغار فاعلم أنه صوت الطبلة، لا طبلة جيش المظفر يسير تحت نوافذنا منشور البنود ولا طبلة حراس المحمل تدق من فوق الجبال المزوقة ولا حتى طبلة المسحراتى في رمضان بل طبلة الأراجوز".

ويؤكد في فصل حرمان الأبناء الذي يطرح فيه ذكريات طفولته أنه لم يحظ بما صبا إليه من لعب في الطفولة لكنه يتذكر كذلك أيام رمضان بقوله: "كم سعدنا في طفولتنا الجميلة بشهر رمضان، وكم شقينا أيضاً! من ذا الذي لا يذكر خفقة قلبه الصغير، في صباه، وهو أمام حانوت "السمكري" يقلب أنظاره الشائعة، وأبصاره الزائغة، في مختلف "الفوانيس" بزجاجها ذي الألوان؟ ما أبهج ذلك الفانوس الأصفر الأخضر الأحمر المعلق في القمة، ولكن ثمنه ولا شك باهظ! ...

جمهورية فرحات 

جاءت قصة "رمضان" ضمن المجموعة القصصية "جمهورية فرحات" التي نشرها الأديب والقاص يوسف إدريس عام 1956، وتحكي قصة فتحي الطفل ذي العشرة أعوام الذي يحلم أن يخوض تجربة الصيام وحده، شأنه شأن الكبار.

أراد الصبي أن يصوم منذ 3 أعوام، رفض الأب، وقال له "لا يصح قبل أن تبلغ الثامنة"، انتظر فتحي حتى العام التالي، حتى استبشر بمقدمات الشهر الفضيل.

يصف إدريس استعداد الناس في الريف لشهر رمضان، حيث ينظفون الطرقات أمام البيوت ويشترون فوانيس للصغار ويقومون بتوفير البن والسكر والشاي وغيرها من لوازم رمضان، وتمتلئ الشوالات "الأجولة" أمام الدكاكين بالياميش، وتنشغل الأسر في الأيام السابقة لرمضان بتهيئة المطبخ وتبييض الأواني وتخزين ما تيسر من السكر والبصل.

يقرر فتحي أنه سيصوم هذا العام بعد أن يرى البضائع تملأ الشوالات أمام الدكاكين، ويواجه والده؛ "انتهز الفرصة وذكَّره بما قاله في العام الماضي، وأردف هذا بقوله إنه قرر أن يصوم".

يصوم الصبي، حتى يصبح كبيرا مثل الكبار، لكنه يُفاجأ بصعوبة الصيام، وأنه لا يتحمل العطش، فيفطر سرا، ويظل ينتظر العقاب الإلهي أياما، حتى تضبطه أمه متلبّسا بالشرب في نهار رمضان، ويضطر فتحي بعد ذلك أن يصوم فعلا.

قنديل أم هاشم

أما الروائى يحيى حقى فقد حكى بنفسه عن ذكرياته مع شهر الصوم فى كتابه «من فيض الكريم» والذي وصف فيه ليلة الرؤية بقوله: "كان الشعور الذي كان يغمر قلبى وأنا صبى حين تقدم علينا ليلة الرؤية مقدم حورية من الجنة فى زى عروس يوم زفافها، تلعلط بالحلى والزواق وتزيد عليها بأن النور رغم بهمة الليل يفج حولها وبين قدميها. شعور لذيذ لأنه عجيب يختلط فيه الفرح بالخشوع ونغمة الاعتراف بالعجز... ووصف حقى كيف عايش طفلا موكب الاحتفال بالرؤية قائلا: نحن الصبية وقوف فى شوارعنا نترقب بلهفة منذ ساعات مروره، ونلوم القاضى فى قلوبنا لوماً شديداً إذا أجل الرؤية إلى غد مع أن الغد قريب، ولكننا لا نحب أن نعود إلى بيوتنا و"قفانا يقمر عيش"...

مذكرات صائم

في كتابه "مذكرات صائم" يحكي الكاتب والأديب الراحل أحمد بهجت عن مغامراته في شهر رمضان بأسلوبه الساخر، حيث يستعرض حكايات الجوع والعطش والإفطار والسحور، ماضيا بين منزل الزوجية وبيت أمه، واصفا سهرات حي الحسين القاهري، لا سيما في مقهى الفيشاوي.

يحكي بهجت عن ليالي رمضان بين الصلاة في مسجد الحسين، وحلقات الذكر الصوفية في ليالي رمضان، يتوقف عند ذكريات الأيام الرمضانية المميزة مثل ليلة القدر والليلة الحزينة.

يقول بهجت "لماذا يختلف رمضان هذه الأيام عن شهور رمضان القديمة؟ كنت أجد حلاوة لرمضان في سن الـ20، ولا أجد له الآن المذاق القديم نفسه أو الوهج.. هل تغير شهر رمضان؟ لم يتغير رمضان، أنا الذي تغيرت.. ازددت ظلمة وسوءا وخطايا ونفاقا".

المصدر: هدى اسماعيل
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 61 مشاهدة
نشرت فى 10 مارس 2025 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

24,375,251

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز