يوميات فتاة في الأربعين
كتبت :ايمان العمري
عفوا .. سأكتب لكم يومياتي ليس لأني شخصية مهمة، أو لأني ألعب دورا بارزا في الحياة السياسية، أو الاجتماعية.. لا.. ليس لكل هذا وإنما لأني واحدة من الملايين أصحاب القلب الوحيد، أو ما يسميه المجتمع بـ«العوانس» .. فقد بلغت الأربعين ولم أتزوج بعد، ووفقا لأي مقاييس عمرية، أو لأي دراسة لا يمكن أن أكون غير «عانس»، وللأسف هذه الفئة تشاركني فيها الكثيرات، لذا سأجد في نفسي الشجاعة وأتحدث بالنيابة عنهن جميعا
البداية دائما في الصباح الباكر، وأنا أغادر منزلي، وألتقي بجارتنا العجوز التي لا تكف مطلقا عن الدعاء لى بأن يرزقنى الله ابن الحلال، وكثيرا ما أسخر بينى وبين نفسى من هذه الدعوة التى لا تتحقق، وقد حاولت عدة مرات أن ألفت نظرها بأن تدعو بشىء آخر قد يتحقق، لكنها تصر دائما على دعوتها تلك، أترك جارتنا وأسرع إلى العمل هناك أجد نفسى، فوقتى كله مركز على عملى، لكن لا أدرى لماذا أواجه كثيرا بواقع أنني غير متزوجة ليس كأحد المميزات أو العيوب، وإنما كحجة لإعطائى مهمات مضاعفة من العمل، فأغلب زميلاتى لهن أبناء ومشغولات دائما وعليهن ضغط، وعلينا أن يتحمل بعضنا بعضاً .. أحيانا آخذ الأمور ببساطة هذا فى حالة إعجابى بالمهمة التى أكلف بها، لكن إذا كان العمل لا يعجبنى، هنا أبدأ فى إلقاء محاضرة بأن العمل لا يعترف بالحياة الشخصية أى أننى أكيل بمكيالين، لا يهم فهذه إحدى سمات النظام العالمى ولم أبتدعه أنا، أنتهى من عملى وأخرج إلى الشارع وأنا فى طريق عودتى للمنزل أفكر فى شىء واحد، هل سأشترى طعاما جاهزا أم أحضر ما أطهوه؟ عفواً نسيت أن أذكر أننى أعيش بمفردى بعد زواج الإخوة، ورحيل الوالدين، لذا فموضوع الغداء كثيرا ما ينتهى بشراء أى وجبة جاهزة، أو الذهاب إلى أحد المطاعم لتناول الغداء، فمنها نزهة وأيضا أرفع
عن كاهلى عبء الطهو، لكن أحيانا ما أشتاق للطعام المنزلى فتكون هذه قصة، فشراء الكميات القليلة التى تكفى شخصاً واحدا كثيرا ما يكون صعباً، لذا أشترى الكميات المعروضة وأقوم بتقسيمها، وكثيرا ما يكون مصيرالقسم الثانى هو «الرمى»، أصل بعد ذلك إلى المنزل وقد بلغ بى التعب مبلغا كبيرا، أتردد قليلا قبل أن أفتح باب الشقة، فكل مرة أشعر بوحشة وأنا أجد المكان مظلماً والصمت يسكنه، لكن التعب يجبرنى على أن أدلف مسرعة لألقى بنفسى على الأريكة المجاورة لباب الشقة، أبدأ بعد ذلك فى عمل أى شىء أحبه فلست ملتزمة بعمل شىء معين، يتخلل باقى يومى العديد من المكالمات التليفونية أغلبها مشاكل أو مآسٍٍٍٍِِ، ولأننى «عانس» فصديقاتى فى النادى لا يجدن حرجا فى الحديث معى عن مشاكلهن وما يشعرن به من انقضاء الأيام المتشابهة، والعمر الذى ضاعت سنواته سدى، ووهم الحب الذى أضاع منهن فرصاً كثيرة، وغيرها من المشاعر الكئيبة التى لايستطعن البوح بها أمام صديقة متزوجة، لكن لحظى السيىء أنا عانس وعلّي أن أستمع إلى مثل هذه الحكايات التى أحيانا ما تجعلنى أشعر بالضيق، وقد أفكر فيها قليلاً، خاصة إذا أعقبتها مكالمة من بعض الأهل الذين يتهموننى دائما بأننى السبب فى عدم زواجى حتى الآن، مرة يصفوننى بالغرور، أو أننى أطلب أشياء مستحيلة (لا أدرى ماهى)، وكثيرا ما أتهم بأننى أهمل فى نفسى، أو لا أعرف كيف أعامل الرجال، وقتها يضيق صدرى، وأظل أسأل نفسى بتعجب هل حقا ضاع عمرى سدى؟ لكن سرعان ما أعود إلى رشدى وأستغفر ربى، وأسأل نفسى ماذا ينقصنى حتى يحاول البعض دائماً إشعارى بأننى أقل من الجميع، أو أن هناك مشكلة أعانى منها، وما العيب فى أن الفارس المنتظر لم يأتنى حتى الآن، لماذا لا أنتظر؟ فقد يأتى أو لا يأتى ما المشكلة ! أسرع إلى التليفزيون وأدير مؤشره على أحد المسلسلات التركية شديدة الرومانسية، وأسبح فى عالم من الخيال والأحلام الجميلة
ساحة النقاش