الأم.. يا رب:عريس لبنتى والابنة:بمزاجى
كتبت :نجلاء ابوزيد
الفجر موعدهما اليومي دون اتفاق ليبدآن الدعاء والتضرع إلي الله كي يرزق ابنتهما العانس بابن الحلال، ليهدئ بالها وتعيش كغيرها من البنات.. وبالرغم من طول الانتظار إلا أنهما لا يفقدان الأمل ولا يقنطان من رحمة الله.. إنهما والدا فتاة تجاوزت الأربعين ولم تتزوج.
وإذا كانت الفتاة تتأقلم مع الواقع إلا أن أهلها يعانون ألماً خاصاً يمتزج فيه الخجل من نظرات الناس المتسائلة، لماذا لم تتزوج ابنتهما؟ وأيضا خوفاً عليها من الزمن إذا رحلا وتركاها وحيدة.
وفي هذا التحقيق نحاول رصد معاناة أهل فتاة أربعينية قلت فرصتها في الارتباط، وكيف يتعاملون مع الوضع؟!
البداية مع الحاجة نادية حيث تحدثت قائلة: أوشكت ابنتى على بلوغ الأربعين وتمت خطبتها مرتين، لكن لم يكتمل الارتباط لظهور مشاكل بينها وبين العرسان، وأعترف أنى حزينة عليها، فهى فضلى بناتى لكنها أقلهن حظاً، فقد تزوج أولادى إلا هى، وبالرغم من أنها تعمل بوظيفة محترمة ولها دخل جيد يسترها من الاحتياج للآخرين إلا أننى أخشى أن أموت وأتركها بمفردها.
- أعلم أن فرصها قلت، وهى مصممة ألا تتزوج من رجل متزوج أو مطلق أو أرمل، وعنده أولاد، وقد حاولت كثيراً أن أقنعها بأى شخص، لكنها لا تريحنى ولا تقدر مخاوفى، فهى يتيمة الأب، وليس هناك من سيقف بجوارها فأشقاؤها كل واحد فى حاله.
بصراحة أم البنت التى لم تتزوج لا تنم الليل، وحياتها كلها كوابيس لأن ابنتها تذبل أمامها، ولا تستطيع أن تقدم لها شيئاً.
د.نجوى معاناتها مختلفة، فابنتها محل إعجاب الكثيرين لأنها طبيبة متميزة، وملامحها جميلة، والعرسان لفترة قريبة كانوا يترددون يومياً لطلب يدها، لكن لم يكن يعجبها أحد لشعورها بعدم التوافق الذهنى بينها وبينهم، وأنا ووالدها أستاذان بالجامعة لم نحاول إجبارها على الزواج أبداً، وقد أنهت رسالة الدكتوراة، وهى ناجحة فى مجالها، لكنها تجاوزت الـ35، وفى كل مكان نذهب إليه يتعجبون أنها لم تتزوج، وبالرغم من مكانتى العلمية إلا أننى أشعر بحرج من نظرات الناس خاصة فى الأفراح التى نحضرها على مستوى العائلة، فالبعض يتهمها بالغرور وأنها تمردت على الكثيرين وأن القطار فاتها، وأحيانا أدخل فى مناقشات معهم وأؤكد أن الزواج ليس أهم شىء، لكن من داخلى أشعر أن كل النجاح الذى حققته ابنتى ناقصاً لأنها لم تعش مشاعر الزواج والأمومة، لكنى لا أتحدث معها مباشرة حتى لا أحرجها..
قسمة ونصيب
- تؤكد حكمت أن الزواج قسمة ونصيب ،وأنا أعرف ذلك لكنى حزينة على ابنتى، وأشعر بأننى مقصرة فى حقها؛ لأنها لا تعمل وبلغت الأربعين ولم تتزوج ولم أبذل مجهوداً بأن أحضر المناسبات كالأفراح والأحزان ليراها الناس، لقد ضاع عمرها وهى تخدمنى أنا ووالدها بعد سفر شقيقها وزواجه خارج مصر، وأدعو لها فى كل فجر أن يرزقها الله بإنسان يقدر طيبتها، ولم أيأس من رحمة الله، وأحاول أن أصبرها على حالها بأن أحكى معاناة فلانة، وطلاق الأخرى لسرعة زواجها، وكثيراً ما أصمت، وهى لا تتحدث فى الموضوع تماما وتعتبر أنها حكمة من الله لتعيننى ووالدها فى الحياة، لكن الشيطان يأتينى ليلاً، ويجعلنى أخاف عليها مما سيحدث بعد رحيلنا، وكيف ستعيش بمعاش والدها، ومن سيسأل عنها خاصة وأن الناس يتجنبون من لم تتزوج خوفاً على أزواجهم من الحسد !! وإذا كانت الأمهات يعانين بشدة، ويتألمن بوضوح، فإن الآباء لمعاناتهم شكل آخر .. عن ذلك تحدث عابد محمد - موظف - قائلاً: أعلم أن البعض يقول على ابنتى عانساً، ولكننى أصبر على قضاء الله، ومن المؤكد أن هناك سبباً يعلمه الله لعدم زواجها، وأنا أحاول أن أمنحها حريتها كاملة لتستمتع بوقتها لأننى أعلم أن ما هى فيه ظروف بلد وليس بيدى تغييرها، ولا يجب أن أعاقبها على عدم زواجها، وبالرغم من أن والدتها دائما تحدثنى بأن أبذل ما فى وسعى أن أجد لها شخصاً مناسباً إلا أننى لا أفعل أى شىء، لأن الزواج قسمة ونصيب، لكننى أمنت لها مستقبلها المادى، وقد سألت فى دار الإفتاء، وعلمت أنه بإمكانى أن أخصها بأشياء أكثر من أشقائها، نظراً لظروفها، ورغبتى فى ألا تحتاج لأحد، وهذا ما يمكننى أن أقدمه لها.
ألوم نفسى لأننى أضعت فرصتها الأخيرة هكذا تحدث على عمر -على المعاش -وقال: عندى أربع بنات، الوحيدة التى التحقت بالجامعة هى التى لم تتزوج إلى الآن، ووصل عمرها لـ43 سنة، وبالرغم من أنها تعمل موظفة إلا أننى حزين جداً على مستقبلها لأننى ألحظ بنفسى أن شقيقاتها الأخريات يستغللنها مادياً، فهى لا تدخر أى شىء لنفسها، حتى ما كانت تحفظه لها أمها من أطقم صينية وبطاطين وأشياء من هذا القبيل، بدأن شقيقاتها فى الاستيلاء عليه بدعوى أنها لا تحتاج هذه الأشياء، وللأسف تقدم لها زميلها، وكان مصراً على الارتباط بها، لكننى رفضت لأنه متزوج، و«أب»، واعترضن كل شقيقاتها وهددنها بالمقاطعة، وبعد إلحاح كبير من هذا الرجل تركها، واكتشفت أنه كان صادقاً، وكان على خلاف مع زوجته، وأن شقيقاتها دفعنا للرفض ليس خوفاً على هدم أسرته، لكن حتى يستمر استنزافهن لها مادياً. نظراتها تذكرنى أننى أضعت آخر فرصة، ولكنى لا أعرف ماذا أفعل ؟!
وما بين قصص الآباء والأمهات يأتي تعليق المتخصصين والمهتمين علي من فاتها قطار الزواج
البداية كانت مع الكاتبة منى نورالدين التى تهتم برصد أحاسيس المرأة ومعاناتها المختلفة حيث قالت: أسرة الفتاة التى لم تتزوج شريكة لها فى الإحساس بالألم والمعاناة خاصة الأم، وقد قدمت فى مسلسل بنات فى الثلاثين معاناة من لم تتزوج وتأثير المحيطين بها عليها، ودائماً أرى أن الأم إما يكون لها دور إيجابى مع ابنتها يجعلها لا تفقد الثقة فى نفسها ولا تتحطم معنوياً أو تكون عنصراً سلبياً يدفعها للإقدام على أى زيجة لمجرد أن ترضى الآخرين، وتترك لقب عانس، وأكدت أن الأم المصرية بطبعها تحمل هم كل شىء وهذا يحمل الفتاة هماً فوق همها لذا على الأم أن تتعايش خاصة إذا كانت ابنتها ناجحة ومتميزة حتى تعطيها فرصة أن تتكيف مع الواقع.
مفاهيم خاطئة
تقول د.زينب شاهين- أستاذة علم الاجتماع- القاعدة العامة للمجتمع أن الفتاة يجب أن تتزوج وأن العنوسة هى إهانة لأى امرأة، وأنها إن لم تتزوج وتنجب تكون أخلت بالدور الذى رسمه المجتمع لها ويصبح أهلها ضحايا مفاهيم تقليدية خاطئة، تجعلهم يعانون فى المناسبات المختلفة من وضع ابنتهم خاصة مع تساؤلات الناس لماذا لم تتزوج، وتكون معاناة الأم هى الأكثر وضوحاً لأنها الأكثر اهتماماً بهذه الناحية، فهى وإن وصلت ابنتها لأرفع المناصب، تظل قلقة عليها من أنها لم تتزوج بعد، لكن الرجل عادة أكثر عقلانية ويترك الأمور تسير بطبيعتها، والغريب أنه فى حالات كثيرة تتأقلم الفتاة وتتكيف مع حياتها دون زواج وتحاول الاستمتاع والنجاح فى عملها، إلا أن الأم لا تيأس ولا تمل من الإلحاح عليها وأحيانا بالزواج بأشخاص غير مناسبين لها إطلاقاً، وأكدت على أن المجتمع يجب أن يغير نظرته لمن لم تتزوج وأن يكون داعمًا لها لا ضاغطاً عليها فالمجتمع يضع قيوداً كثيرة على من لم تتزوج حيث يتجنبنها المتزوجات خوفاً من سرقة أزواجهن، ومن تنجب تخشى أن تحسدها، فيجب أن نستوعب أن الزواج ليس سباقاً ومن تزوجت مبكراً هى الأكفأ، وأن يتم التعامل على أن نسبة العنوسة فى ازدياد نظراً لظروف المجتمع، ويجب التأقلم مع الوضع دون أى حساسية من المجتمع تجاه الفتاة.
الإحساس بالعجز
يؤكد ما سبق د.سيد صبحى- أستاذ الصحة النفسية- قائلا: المشكلة النفسية عادة تخص صاحبها لكنها تترك صدى نفسياً على المحيطين به، ومن هنا يعانى أهل من لم تتزوج على أثر معاناة ابنتهم فالأم تشعر أن نضارة ابنتها وحيويتها تختفى وأنها طاقة معطلة، وهذا يقلق الأسرة ويجعلها تشعر بخيبة أمل وحسرة وتردد سؤالاً لماذا ابنتى؟..! ويبدأ الإحساس بالعجز والتقصير وتبدأ الأم فى الإقبال على حضور كافة المناسبات لعلها تجد عريساً مناسباً، وعادة تعانى الأم ضغطاً نفسياً شديداً بسبب هذا الأمر، لكنها لا تفصح عنه، وتظل متماسكة حتى لا يزداد حزن ابنتها على نفسها، وقد يصل لإصابتها بالاكتئاب وأمراض الضغط والسكر حيث يكون المرض العضوى مظهراً من مظاهر معاناتها النفسية الخفية. لكن بالنسبة للأب فالأمر مختلف، فهو يكون أكثر صلابة وتماسكاً إلا أنه يشعر بأن هناك نوعاً من النقص فى حياته؛ لأن لديه ابنة لم تتزوج ويكون تركيزه الأساسى على تحقيق الأمان المالى لها. وختم حديثه: بأن فكرة العنوسة فكرة مؤلمة نفسياً لذا يجب أن يتم تغييرها والتعامل معها من منظور مختلف، وأن تتواضع الأسرة ولا تغالِ فى طلباتها وابنتها صغيرة حتى لا تصل للمرحلة العمرية التى تقدم فيها أشكال التنازلات كافة لمجرد الزواج. وكلما كان سقف التطلعات للفتاة وأسرتها متوسطاً كانت لها فرصة أفضل للارتباط وألا تنسى حياتها الشخصية فى سبيل العمل والمال والادعاء بأنها لا ترغب فى الزواج
ساحة النقاش